نموذج غيط العنب - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 7:51 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نموذج غيط العنب

نشر فى : الثلاثاء 27 سبتمبر 2016 - 11:35 م | آخر تحديث : الثلاثاء 27 سبتمبر 2016 - 11:38 م

فى الخامسة فجر الاثنين الماضى تحركت من القاهرة إلى منطقة غيط العنب بالإسكندرية لحضور افتتاح مدينة بشاير الخير 1»، ووصلتها فى السابعة والنصف.

المنطقة القديمة خليط من العشوائيات فى كل شىء، مثلما هو حال مناطق كثيرة فى البلاد. غالبية البيوت شديدة القدم ومتهالكة، وعليها آثار البؤس والشقاء.

عندما ترى الصورة على أرض الواقع تصاب باليأس والإحباط، وتسأل: كيف يمكن لهذا الواقع أن يتغير إلى الأحسن؟.
لكن عندما شاهدت مشروع التطوير الحضارى للمنطقة تشعر أن هناك أملا فى الغد، وأن هناك شيئا يبعث على التفاؤل وسط ركام الأخبار السيئة فى مجالات متعددة.

الملفت للنظر فى هذا المشروع هو أنه يمثل قصة نجاح يمكن استنساخها وتكرارها فى نماذج متعددة. المشروع ليس ممولا من ميزانية الدولة. فقط محافظة الإسكندرية قدمت قطعة الأرض والمرافق. أما التمويل الفعلى فمعظمه من المجتمع المدنى والقطاع الخاص، وفى المقدمة البنك الأهلى، وهذا سر إشادة مجلس إدارة البنك، إضافة إلى ٣٣ مساهما آخرين بنسب مختلفة، منهم شركات مثل جمال حمادة للأسمدة، وتم إطلاق اسمه على مستشفى المدينة، وشركة ليسيكو للسيراميك، و«عز الدخيلة»، وطلعت مصطفى، وأبوقير للأسمدة والنساجون الشرقيون.

الجيش تولى عملية التنسيق والمتابعة والإشراف، وحل المشكلات والعراقيل الإدارية، ممثلا فى المنطقة الشمالية العسكرية التى يقودها اللواء محمد الزملوط، ومعه الهيئة الهندسية التى يقودها اللواء كامل الوزير.

للموضوعية الاهتمام بهذه المنطقة ليس وليد اللحظة، حيث افتتح وزير الدفاع الاسبق المشير حسين طنطاوى الساحة الشعبية بغيط العنب على مسطح ١٢ ألف متر فى ٢٣ يونيه ٢٠٠٥، ثم حديقة الأطفال على سطح ١٤ ألف متر فى ٢٢ يونيه ٢٠٠٦، ثم حديقة الأبطال على مسطح ٨ آلاف متر فى ٢٤ يونيه ٢٠٠٧. وقد لا يعرف كثيرون أن عبدالفتاح السيسى تولى قيادة المنطقة الشمالية قبل أن يتولى منصب مدير المخابرات الحربية.

أما التطور الحالى وهو الأكبر، فقد انطلق بتصديق وزير الدفاع الفريق أول صدقى صبحى فى ٥ نوفمبر ٢٠١٤ وفى الأول من ديسمبر من نفس العام تم فتح حساب ببنك مصر لاستقبال مساهمات رجال الأعمال. شركات المقاولات نفذت المشروع بسعر التكلفة، وفى زمن قياسى لم يتجاوز ١٨ شهرا.

المشروع عبارة عن ٣٤ عمارة سكنية من ١٢ دورا بها ١٦٣٢ وحدة سكنية بمساحة ٩٢ مترا للوحدة، عبارة عن ثلاث غرف وصالة ومطبخ وحمام. ومسجد يتسع لألف مصلٍ، ومستشفى، ومركز تدريب مهنى وسوق تجارية وحديقة تعليمية للأطفال ومركز للاحتياجات الإنسانية، و٥٨ محلا للمشروعات متناهية الصغر.

الشقق السكنية مؤثثة بالكامل بغرفة نوم رئيسية وأخرى فرعية وسفرة وطقم أنتريه من قطعتين وترابيزة وبوتاجاز وثلاجة وسخان وريسيفير وشاشة تليفزيون ٣٢ بوصة، ومستلزمات المطبخ والحمام.

عندما تحدث اللواء الزملوط قبل كلمة الرئيس السيسى، لفت النظر إلى أنه تم علاج ١٧٩ ألف حالة كانت مصابة بفيروس سى فى نطاق المنطقة الشمالية، ومشروعات كثيرة كانت تمرة للتعاون بين القوات المسلحة والمجتمع المدنى.

الترجمة الحقيقية لهذا المشروع رأيتها فى وجوه المواطنين العشرة الذين تسلموا عقود الوحدات السكنية، ناس بسطاء جدا، يمكن بوضوح ملاحظة آثار الأزمة الاقتصادية وهموم الزمن عليهم. هؤلاء سيتمكنون من بدء حياة كريمة ومستورة إلى حد ما.

مشهد العمارات الجديدة الملونة وسط غابة من العشوائيات، تقول إنه عندما تصدق النوايا ويتحرك الجميع كفريق واحد يمكن للأمور أن تتحسن إلى الأفضل.

الأمن القومى الحقيقى ألا يتم ترك شخص محتاج فى مواجهة الفقر، وألا نجعل ظهره للحائط، ليصاب باليأس والإحباط.

إذا حدث ذلك فإنه سيفقد الانتماء، وقد يتحول لقنبلة موقوتة تنفجر فى وجه المجتمع إن لم يكن اليوم فغدا.

مثل هذه المشروعات هى أفضل ترجمة لفكرة العدالة الاجتماعية، حينما يتم تحسين حياة الناس إلى الأفضل، حتى يحدث الحراك الاجتماعى.

تحية إلى كل شخص ساهم فى تحويل هذا الحلم إلى حقيقة على أرض الواقع، خصوصا الذين قدموا التبرعات، وتحية للقوات المسلحة وخصوصا للواء محمد الزملوط، ابن العريش وخالص العزاء فى مصابه الأليم.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي