الفرق بين مفهومى الحرية الأكاديمية واستقلال الجامعات - قضايا تعليمية - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 7:41 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الفرق بين مفهومى الحرية الأكاديمية واستقلال الجامعات

نشر فى : الجمعة 28 أغسطس 2015 - 9:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 28 أغسطس 2015 - 9:15 ص

على الرغم من كثرة استخدام مفهومى الحرية الأكاديمية واستقلال الجامعات فى مختلف النقاشات التى تطال التعليم العالى اليوم فى مصر، لكن تداخل استخدام المفهومين دون تحديد المقصود بكل منهما يضر بالقيم المهمة التى يحملاها.

فخلال مناقشات صياغة الدستور المصرى الذى أقر فى 2014، لم يكن لدى المشاركين المتخصصين فى قضايا التعليم العالى اتفاقا ورؤية واضحة حول مفهومى الحرية الأكاديمية واستقلال الجامعة. ربما يفسر ذلك جزئيا خروج المادة المتعلقة باستقلال الجامعات فى الدستور بشكل هزيل جدا، وكذلك غياب أى ذكر للحرية الأكاديمية.

فى المقابل، يقع المتابعون لقضايا التعليم العالى فى خطأ توسيع مفهوم الحرية الأكاديمية ليشمل حقوق الإنسان التى يجب أن يتمتع بها أعضاء المجتمع الأكاديمى من أساتذة وطلاب وعاملين، سواء كمواطنين يمارسون نشاطهم واهتماماتهم خارج الجامعات أو داخلها، بما فى ذلك الحق فى التظاهر والتجمع السلمى وممارسة النشاط السياسى والحق فى الإضراب والاعتصام السلمى. إذ إن توسيع المفهوم يزيد من صعوبة تحديد طبيعة الانتهاكات التى يتعرض لها الأكاديميون والطلاب باعتبارهم مواطنين خارج الجامعات، أو من خلال أنشطة لا تتعلق بالجانب الأكاديمى داخل الجامعات. فالبعض يعتبر تعرض أستاذ جامعى لمحاكمة غير عادلة أو منع من السفر، على خلفية نشاطه فى العمل العام، انتهاكا للحرية الأكاديمية.

فعلى سبيل المثال، تعرض الأستاذان بالجامعة الأمريكية عماد شاهين وعمرو حمزاوى إلى أحكام قضائية غير عادلة. إذ حكم على شاهين بالإعدام بسبب مواقفه المناهضة للسلطة السياسية الحالية. كما تعرض عمرو حمزاوى للمنع من السفر، على ذمة التحقيق القضائى، بسبب توجيه انتقادات للقضاء أثناء عضويته بمجلس الشعب المصرى. لكن نشاط كلا الأكاديميين واهتمامهما بالقضايا السياسية فى إطار العمل الحزبى أو بشكل مستقل لا يعد جزءا من عملهم الأكاديمى.

كما أن التضييق على الطلاب ومنعهم من التظاهر أو تنظيم الفعاليات السياسية فى الجامعة، لا يعد جزءا من العمل الأكاديمى ولا يمكن اعتباره انتهاكا للحرية الأكاديمية.

وفى نفس الوقت، لا ينبغى إهمال الدفاع عن أعضاء المجتمع الأكاديمى وضمان جميع حقوقهم باعتبارهم مواطنين مصريين، وكذلك ضمان عدم تعرضهم لعقوبات داخل الجامعة بسبب هذه الأنشطة، مما يعيق ممارستهم للعمل الأكاديمى.

***

فى 19 فبراير 2013، منعت جامعة المنصورة مناقشة رسالة الماجستير التى تقدم بها الباحث محمد الدكرورى بسبب اعتراض ممرضات وممرضين بمستشفى جامعة المنصورة على موضوع الرسالة والذى تضمن استبيانا حول تعرض ممرضات المستشفى للتحرش الجنسى من قبل زملائهن خلال العمل. لم تحظ هذه الحادثة بأى اهتمام إعلامى أو أكاديمى أو حقوقى، وبالمثل هناك العديد من القضايا المماثلة والتى تتعلق بالتدخلات فى رسائل الماجستير والدكتوراه، وتوجيه الباحثين لمنعهم من تناول قضايا سياسية واجتماعية معينة. فهذه التدخلات والممارسات تعد انتهاكات واضحة ومستمرة للحرية الأكاديمية.

من هنا يبدو ضروريا الاتفاق على تعريف محدد للحرية الاكاديمية. شخصيا أميل للأخذ بالتعريف الدقيق الذى صاغه إعلان الحرية الأكاديمية 2005، الصادر عن المؤتمر العالمى الأول لرؤساء الجامعات بجامعة كولومبيا بدعوة من أمين عام الأمم المتحدة، والذى اعتبر الحرية الأكاديمية متمايزة عن – وليست مجرد امتداد – لحرية الفكر والرأى والتجمع والتنظيم المعترف بهم لجميع الأشخاص بموجب المواد (18 و19 و20) من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان والعهود الدولية الأخرى. وتعنى الحرية الأكاديمية تحديدا حرية البحث والتدريس والتحدث والنشر مع الالتزام بمعايير وقواعد البحث العلمى دون تدخل أو فرض عقوبات، ودون تقويض لما يمكن أن يقود إليه هذا البحث أو الفهم.

أما مفهوم استقلال الجامعة، فيشمل بنية وهيكلة مؤسسات التعليم العالى وعلاقتها بالدولة وغيرها من قوى المجتمع، كضمانة لتحقيق وتوفير المناخ الملائم للحرية الأكاديمية. وبالتالى لا ينبغى اعتبار الحرية الأكاديمية جزءا من استقلال الجامعات، أو اعتبار قضايا متعلقة باختيار القيادات الجامعية أو تقييد استقلالية الجامعة جزءا من الحرية الأكاديمية.

إن استقلال الجامعات يعنى قيام الجامعة من خلال معايير الحوكمة وإشراك فئات المجتمع الأكاديمى باتخاذ القرارات، بوضع السياسات العامة للجامعة، وخطط تمويلها، وغير ذلك من الأمور الإدارية والمالية والإشراف على هياكل الجامعات (كليات – أقسام)، وينبغى أن يتم ضمان المحاسبة والشفافية خاصة فى الشئون المالية.

***

ويبقى هناك سؤال مطروح بقوة: ما الذى يمكن أن تقدمه القراءة الصحيحة لمفاهيم الحرية الأكاديمية واستقلال الجامعات؟

أزعم أن القراءة الصحيحة لمفهوم الحرية الأكاديمية ستؤدى إلى مجموعة من النتائج، وهى:
أولا: زيادة دعم قضايا حرية التدريس والبحث والنشر، بحيث سيتنبه أعضاء هيئة التدريس والطلاب لما يتعرضون له من انتهاكات لحقهم فى البحث والتدريس والتعلم. كما سيتم توجيه أنظار المتابعين والمسئولين فى مصر إلى المعنى الحقيقى للحرية الاكاديمية عوضا عن التخبط واقتصار الاهتمام على قضايا الحريات السياسية.

ثانيا: تبنى مقترحات لتضمين الحرية الأكاديمية فى الدستور والقوانين المتعلقة بالجامعات، باعتبار الحرية الأكاديمية ضرورة لا بد منها للتمتع بالحق فى التعليم العالى، وفق تفسير اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التابعة للأمم المتحدة. وهذه التشريعات ضرورية لإلزام الدولة وإدارات الجامعات والتيارات الاجتماعية وغيرها بعدم التضييق على العمل الأكاديمى.
ثالثا: تكثيف الجهود الرامية لتنظيم الإدارة والحكم الرشيد، والإلمام بالأشكال المختلفة لتنظيم هياكل الجامعات واختيار قياداتها وطرق التمويل وغير ذلك، مما يلقى بمهمة كبيرة على عاتق المهتمين بالتعليم العالى للنقاش والتفكير فى خطوات وبرنامج عمل لتحقيق استقلالية الجامعات فى مصر.

رابعا: حشد التأييد فى أوساط الطلاب وأعضاء هيئة التدريس لقضايا ذات اهتمام مشترك، فأغلب الحركات الطلابية والناشطين من أساتذة الجامعات، ركزوا اهتمامهم على ممارسة الحقوق والحريات فى الجامعة، ما جعل غالبية جهودهم مركزة على النشاط السياسى. ومن شأن الفهم الصحيح لمفهومى الحرية الأكاديمية واستقلال الجامعة، توفير فرصة لمشاركة أوسع من قبل أساتذة وطلاب ومسئولين فى النقاش والعمل على مصلحة مشتركة، تتمثل فى التعلم والبحث والإنتاج الأكاديمى، فى حرية ودون قيود أو تدخلات.

 

محمد عبدالسلام
باحث بمؤسسة حرية الفكر والتعبير بالقاهرة
ينشر بالاتفاق مع مجلة الفنار للإعلام
www.alــfanarmedia.org

التعليقات