وطن لا يشبه وطنا - خولة مطر - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 12:33 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وطن لا يشبه وطنا

نشر فى : الأحد 28 أغسطس 2022 - 7:35 م | آخر تحديث : الأحد 28 أغسطس 2022 - 7:35 م

تحط الطائرة وتبقى متشوقا أو مترقبا لذلك الهواء الساخن الذى عادة ما يلسع وجهك وأنت خارج منها فى موسم الصيف الطويل. البعض للانبهار بذلك المطار الجديد أو ربما لنشوة هى نشوة العودة للوطن حتى ولو لم تتباعد الأوقات كثيرا فأنت لم تغب سوى بضعة أشهر.
• • •
مع انتهاء الإجراءات المريحة، لا بد من تلك اللسعة الساخنة مع الخروج من جنة المبنى الحديث جدا والبارد جدا أيضا إلى الشارع الخارجى.
• • •
هى ساعات الصباح الأولى والناس لا يزالون فى معظمهم نياما إلا ربما من بعض السهرانين وبعض السياح من الدول المجاورة! أو حتى العاملين الكادحين الحريصين على أن تكن البلاد فى أجمل حلة ممكنة مع استيقاظهم من النوم وهم ليسوا وافدين كما الحال عند «الجيران» بل كثير منهم من أهل البلد الباحث الكاد عن الرزق فى زمن شحت فيه الوظائف وأصبح العاملون هم المحظوظون والباقى يبحث عن مصدر رزق حتى لو كان أقل من الشهادات أو الخبرات التى يحملها فهذه دول تعيش على العمالة الرخيصة فقط!
• • •
يستقبلك ذاك الشاب ليساعد فى وضع الحقائب فى سيارات الأجرة التى يعمل عليها ربما كل الذكور من العائلة وهو أيضا عامل آخر للدلالة على شح الوظائف وعطش المواطن لفرصة عمل ودخل حتى لو كان أقل القليل!
• • •
تتحسس الشوارع والمبانى والشمس تبدأ فى يومها الجديد.. هو تحسس بصرى، ذاك الذى يمر سريعا بحثا عن منزل هنا أو زقاق هناك أو شارع كان يعرفه. تبدو الشوارع والبيوت غريبة بعض الشىء، وفى الأفق يسرق ناظريك البحر الذى كان هو بوصلتك لكل الأمكنة التى تحب فى بلدك. يغرق البحر ما بين ناطحات السحاب والجسور وكثير من الرمل القادم أو المتراكم على ضفافه فالبحر فى بلادى، بدأ يصغر فيصغر حتى أصبح بعيدا عن نظر المواطن العادى وتحول هو الآخر إما إلى مساحات لفنادق فخمة بنجوم أكثر من خمسة! أو إلى مساحات لمقاهٍ ومطاعم أو فقط يدفن ثم يدفن ثم يدفن بالرمل فيما العالم كله يتطلع للحفاظ على الطبيعة وعلى الأنهار والبحار والأشجار وهى الأخرى اختفت تلك التى كانت تميز هذا الوطن، ألم يكن يدعى بلد المليون نخلة هو الآن يتحول تدريجيا إلى غابة من الأسمنت فى محاولة للتشبه بتلك البلاد القريبة جدا والتى ذاع صيتها على أنها النموذج الأوحد حتى تحولت إلى شىء من كل شىء ولا يشبه بعضه بعضا! أو كما قال ذاك الذى كان يجلس على الكرسى الملاصق لكرسى فى تلك الطائرة التى حملتنا من لندن حين سأل عن رأيى فى نماذج التنمية فى المنطقة، ومن ثم قال بحذر أوروبى شديد «هذا الذى يسمى نموذج للبلاد هو ليس بلدا بل هو نادٍ للأثرياء» أو ربما لم يقل الأثرياء بل قال بالحرف «هو ليس كونترى بل كونترى كلوب!».
• • •
تستمر فى البحث عن معلم ولو كان صغيرا ومتواضعا تتعرف عليه لتستدل على مدينتك الأولى حيث يكون المطار رغم أنه ينسب إلى العاصمة حتى الآن وهو أمر غريب آخر ولكن لا يهم، الأهم أن يبقى الوطن يشبه ما تعرفه أو ما تستطيع أن تتعرف عليه رغم معرفتك أن المدن تتغير وتتشكل فيما يسمى بالتطور والمدنية!
• • •
حتى ذاك الجسر الأول والأوحد لسنين اختفى خلف المبانى وكثير من الرمل وبعض القبح.. هو الذى كان السبب الأساسى لولادتك فى المنزل فقد كان يفتح فى ساعات معينة لمرور السفن الكبيرة وكانت المستشفى فى العاصمة، فكان ما كان وولدتى فى منزلكم فى مدينتك التى لا تزال تسكن قلبك كما كانت فى طفولتك الأولى حيث كان المذياع أو «الراديو» هو وسيلة تواصلنا الوحيدة، وأيضا ربما وسيلة فكرنا ومعرفتنا وتذوقنا للموسيقى والأغانى الراقية وأهمها طبعا ودون منازع أم كلثوم فى ليلة الخميس. حينها يسود صمت الشوارع ويصدح صوتها من خلف كل نافذة أو مقهى أو دكانة صغيرة، فقط أم كلثوم وخطابات الرئيس عبدالناصر كانت قادرة على إيقاف أصوات لاعبى «الكيرم» و«الدومينو» فى القهوة المسترخية فى منتصف الباحة المطلة على حينا.
• • •
كم تغير الوطن هنا مع كل زيارة ولم يبق سوى أهله الطيبين يستقبلونك بالسلام وابتسامة عريضة ويودعونك أيضا سائلين «متى الرجعة؟» أو بسؤال ألم يحن الوقت للعودة والاستقرار؟
كاتبة بحرينية

خولة مطر  كاتبة صحفية من البحرين
التعليقات