برلمانية فرئاسية فدستور - إبراهيم الهضيبى - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 7:08 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

برلمانية فرئاسية فدستور

نشر فى : الجمعة 28 أكتوبر 2011 - 9:35 ص | آخر تحديث : الجمعة 28 أكتوبر 2011 - 9:35 ص

المشهد السياسى المصرى تتصدره نخبة وسلطة لا تحترمان الشعب، ولا تتعاملان مع قراراته الديمقراطية باعتبارها ملزمة، بل هى عندهم على أحسن تقدير مقترحات لهم أن يقبلوها أو يرفضوها أو يعدلوها.

 

تجلى هذا من قبل فى مواطن عدة، أهمها الموقف من حالة الطوارئ، التى انتهت دستوريا فى سبتمبر المنصرم، ثم قبلت النخبة بالتفاوض مع السلطة على مدها، رغم أن المادة 148 من دستور 1971 بعد تعديلها تنص على أنه «فى جميع الأحوال يكون إعلان حالة الطوارئ لمدة محددة لا تجاوز ستة أشهر ولا يجوز مدها إلا بعد استفتاء الشعب وموافقته على ذلك».

 

على أن التجلى الأخطر لانعدام احترام الإرادة الديمقراطية يتجلى فى الخلاف حول ترتيب خطوات المرحلة الانتقالية، إذ لاتزال معركة النخبة حامية الوطيس حول المحسوم دستوريا، فكل طرف يقدم مقترحاته بترتيب الخطوات الثلاث للانتقال (وضع الدستور، والانتخابات البرلمانية، والانتخابات الرئاسية)، متناسيا أن ثمة ترتيبا أقرته الأغلبية العظمى فى استفتاء مارس المنصرم فحاز الشرعية الديمقراطية، وهو البدء بالانتخابات البرلمانية، فالرئاسية، فالدستور.

 

فأما جعل الانتخابات البرلمانية أولا فلأن التعديلات المقترحة قد كلفت البرلمانيين المنتخبين (من مجلسى الشعب والشورى) باختيار أعضاء الجمعية التأسيسية (مادة 189 مكرر)، فصار البرلمان سابقا للدستور، ونصت على أن «يتولى رئيس الجمهورية، فور انتخابه، استكمال تشكيل المجلس (الشورى) بتعيين ثلث أعضائه» (مادة 189 مكرر 1) وهو ما يعنى أن المجلس سيكون قد تم انتخابه قبل انتخابات الرئاسة.

 

كما أن التعديلات تنص على أن «يعرض رئيس الجمهورية مشروع (الدستور)، خلال خمسة عشر يوما من إعداده، على الشعب لاستفتائه فى شأنه» (مادة 189)، وهو ما يعنى أن انتخاب الرئيس يسبق الانتهاء من وضع الدستور الجديد، كما أن تعديل المواد المتعلقة بالرئاسة (75، 76، 77، 139) يصير لغوا إن كانت الانتخابات لاحقة لوضع الدستور الجديد، والأصل فى التعامل مع النصوص الدستورية أن المشرع يقصد كل ما يقول ويقول كل ما يقصد، وعليه لا يبقى ثمة تفسير لهذه النصوص إلا بجعل الانتخابات الرئاسية سابقة لإقرار الدستور الجديد.

 

وثمة قرائن تعضد هذه التفسيرات، منها الإطار الزمنى الحاكم، إذ مارست لجنة التعديلات عملها فى إطار تعهد المجلس العسكرى بأن يتم تسليم السلطة لبرلمان ورئيس منتخبين خلال ستة أشهر (وهو تعهد ذهب أدراج الرياح)، ومع ذلك وضعت إطارا زمنيا للانتهاء من صياغة الدستور الجديد تصل مدته لسنة، ولا معنى لذلك إلا أن يكون إقرار الدستور لاحقا للانتخابات وعودة العسكر للثكنات، ثم إن بيانات المجلس العسكرى وتصريحات قياداته أكدت مرارا ــ بعد صدور الإعلان الدستورى ــ أن الانتخابات الرئاسية ستعقد فى ديسمبر من العام الحالى (وقتما كان مقررا أن تعقد الانتخابات البرلمانية فى سبتمبر)، والمدة الفاصلة بين الانتخابات البرلمانية والرئاسية وفق هذا الكلام (ثلاثة أشهر) يتقاصر عن الوقت المطلوب لإصدار الدستور الجديد بحسب نصوص المواد المعدلة فى الاستفتاء.

 

وهذه المواد تتميز عن بقية ما جاء فى الإعلان الدستورى المؤقت بأن الشعب قد استفتى عليها، الأمر الذى يجعل مخالفتها نقضا صريحا للديمقراطية، وقع فيه حكام مصر المؤقتون، كما وقع فيه بعض مرشحى الرئاسة وبعض النخبة، وهم يستندون فى هذا الخروج عن الديمقراطية إلى حجج عدة، لا تقوم أيها على قوائم منضبطة، بل لا تقوم على غير احتقار شعب يريدون ــ مع عدم احترامهم له ــ أن يحكموه.

 

فأما الحجة الأولى فهى أن انتخاب الرئيس قبل تحديد صلاحياته الدستورية من شأنه إنتاج فرعون جديد، وهذه الحجة باطلة من جهات، أكثرها أهمية أنه قد تمت مناقشتها قبل الاستفتاء على التعديلات ولم تقنع الأغلبية العظمى التى وافقت عليها، وثانيها أن إنتاج الفرعون ما عاد ممكنا بانتفاء إمكانية التأبيد عن الرئيس، الذى تحددت مدته بأربع سنوات بدلا من ستة، وقصرت حقه فى الترشح على فترتين رئاسيتين، وثالثها أن الرئيس المنتخب لن يستتب له الأمر قبل وضع الدستور الذى سيخرج بعدها بشهور قليلة، والذى ينبغى أن ينظم باب المواد الانتقالية فيه كيفية التعامل مع وجود رئيس منتخب على أساس صلاحيات مغايرة لتلك التى يقرها الدستور الجديد.

 

والتذرع فى الخروج على الشرعية الديمقراطية بخروج المجلس العسكرى عليها بالإعلان الدستورى منقوض هو الآخر من جهات، أولها أن علاج الخروج على الديمقراطية لا يكون بالتمادى فى ذلك بل بالعودة للأساس الديمقراطى وبالبناء عليه، وهذه المواد المستفتى عليها تمثل أعلى درجات الشرعية الديمقراطية فى المرحلة الانتقالية، وينبغى لمن يروم ديمقراطية أن ينطلق منها فى تقييمه لأداء الأطراف كافة، ثم إن الإعلان الدستورى إنما تضمن المواد الأساسية فى دستور 1971 الذى طرحت بعض مواده للاستفتاء، غير أنها جمعت السلطة التنفيذية والتشريعية فى يد المجلس العسكرى الذى حازها بقوة الأمر الواقع على أى حال بعد خلع مبارك وحل البرلمان، والخلاف حول نقله بعض السلطات من البرلمان للرئيس، أو فى غير ذلك من المواد غير المستفتى عليها ــ كتلك التى تحدد الإطار الزمنى لعملية الانتقال ــ وارد وجائز، غير أن الذى لا يجوز هو اتخاذ ذلك تكئة لرفض الشرعية الديمقراطية الممثلة فى المواد المستفتى عليها.

 

ثمة منطلقات لا بد من الاستناد إليها لبناء دولة ديمقراطية يعبر فيها القرار السياسى عن إرادة الجماعة الوطنية ومصالحها وهويتها، أولها فى تقديرى احترام إرادة الشعب واختياراته الديمقراطية، إذ بدون ذلك سيدور الجدل السياسى فى حلقة مفرغة كما هو الحال منذ الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى مارس وحتى الآن، إذ لايزال بعض الساسة مصرا على إهدار الوقت الثمين فى مناقشة المحسوم دستوريا، الأمر الذى ساهم (من قبل) مع غيره من أخطاء الأطراف المختلفة فى انقسام الصف الوطنى فأهدرت فرص كثيرة وتعطل تحقيق أهداف جسام فى المرحلة الانتقالية، أهمها التطهير وتفكيك منظومة الاستبداد، وكلاهما محل إجماع بين القوى الثورية كافة.

 

أمر مؤسف أن يشارك حكام مصر المؤقتون فى هذا الخروج على الإرادة الشعبية بإعلانهم أن الانتخابات الرئاسية ستجرى بعد إقرار الدستور، وأمر مؤسف أن يكون بعض ساسة مصر وكتابها ومرشحى رئاستها غير عارفين لترتيب خطوات المرحلة الانتقالية الذى اختاره الشعب فى الاستفتاء الدستورى بعد مرور سبعة أشهر على إجرائه، وأمر مؤسف أيضا أن يكونوا على علم بهذه الخطوات ويصرون مع ذلك على نقض الإرادة الديمقراطية للشعب، ثم تتوه عنهم حمرة الخجل فتراهم يطالبون مع ذلك بالديمقراطية.   

التعليقات