قاطعوا الانتخابات - خالد الخميسي - بوابة الشروق
السبت 4 مايو 2024 11:04 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قاطعوا الانتخابات

نشر فى : الأحد 28 نوفمبر 2010 - 9:55 ص | آخر تحديث : الأحد 28 نوفمبر 2010 - 9:55 ص

 كتبت مقالا الأسبوع الماضى أطالب فيه الشعب المصرى بمقاطعة الانتخابات التشريعية فجاءت ردود تتهمنى بالسلبية وأن على المواطن المصرى أن يتحلى بالإيجابية السياسية لكى يصنع مستقبل بلاده. هذه الشعارات عن الإيجابية السياسية تروج لها الحكومة المصرية منذ قرابة العشرين عاما وقد دعيت أكثر من مرة فى القناتين الأولى والثانية فى برامج كانت تروج بشكل مباشر للمشاركة الإيجابية فى الانتخابات وتتهم من يتقاعس عن الانتخاب بالسلبية. ويبدو أن هذا الجهد الترويجى وصل للأسف إلى مسامع وعقول بعض المصريين. لماذا تروج الحكومة لهذه الفكرة؟ لأن النظام السياسى المصرى فى تشابكاته الدولية يحتاج إلى التأكيد على الشكل الديمقراطى للنظام حتى فى حدوده الدنيا. فالحكومة تعلم كما نعلم جميعنا أن نسبة المشاركة فى العملية الانتخابية هزيلة للغاية، ولذلك فمن مصلحة هذا النظام أن يرفع قليلا من نسبة المشاركة ليؤكد للعالم أن هناك حراكا سياسيا إيجابيا. وفى إطار هذا الحراك السياسى الايجابى اختار الشعب المصرى بصورة ديمقراطية الحزب الوطنى. ولذلك نجد أن الحكومة المصرية خلال العقود الماضية قد أصدرت إحصاءات بنسب مشاركة أعلى كثيرا من نسبها الحقيقية. أضف إلى ذلك أن هذه الصورة عن إيجابية الشعب المصرى السياسية سوف تعلى أيضا من مصداقية نتائج الانتخابات الرئاسية العام القادم بغض النظر عن اسم مرشح الحزب الوطنى.

واليوم يتم توجيه الإعلام الرسمى وغير الرسمى بشكل ذكى فى قضايا فرعية تماما مثل مناقشة القوانين المنظمة للعملية الانتخابية، أو قضية الرقابة على الانتخابات، أو تحليل للعملية الانتخابية وأعداد المرشحين وغيرها من القضايا المثارة لنفخ بعض الهواء الساخن فى جمر العملية الانتخابية وكلها لا تمس جوهر القضية الديمقراطية، ألا وهى غياب نظام سياسى ديمقراطى وغياب نظام حزبى حقيقى وغياب كامل فى حرية الفعل السياسى. فماذا يهمنى أنا من قضية الرقابة على الانتخابات إن لم يكن هناك مرشح لديه القدرة الحقيقية على ممارسة السياسة فى الشارع. ماذا يهمنى فى القوانين المنظمة للانتخابات إن غاب النظام الديمقراطى من أصله. إذا لم يكن هناك برامج سياسية واضحة لهؤلاء المرشحين. إذا كانت الشعارات الجوفاء هى البطل الوحيد المطروح فى هذه الانتخابات. يجب أن نناقش الأصل وليس الفرع. من أجل أن ننتخب يجب أن تكون هناك تيارات سياسية واضحة ممثلة لما هو قائم فى الواقع. وواقع الأمر هو أن الأحزاب الموجودة ليست إلا هياكل ورقية هزلية متواطئة مع النظام وليست هناك تيارات فكرية وسياسية جادة مطروحة على الساحة. أما الإخوان المسلمون فهذه قصة أخرى.

النظام المصرى يحتاج إلى بعبع لتبرير وجوده. وهو أمر كلاسيكى عبر التاريخ السياسى. وقد بدأت القصة بدعم كامل للتيار الإسلامى فى منتصف السبعينيات فى بداية التقارب المصرى الأمريكى وبدأ أنور السادات فى تمويل التيار الإسلامى بدعم أمريكى وخليجى لمواجهة اليسار المصرى. وفتح السادات الأبواب للعائدين من قادة هذا التيار من المملكة العربية السعودية كما قام الإعلام فى هذه الفترة بتكريس طاقته للدعاية لهذا التيار. وبعد مقتل السادات قام نظام مبارك منذ توليه الرئاسة بتصدير فكرة أن التيار الإسلامى فى مصر أصبح فى منتهى البأس وهو خطر داهم على النظام العالمى. وأن حكومته الرشيدة خير مانع لهذا الخطر على المنطقة ولذلك يجب أن تدعم الأسرة الدولية نظامه السياسى وإلا لسيطر البديل الوحيد الموجود وهو التيار الإسلامى على الساحة. وقام بجهد أمنى كبير لتفريغ الساحة السياسية المصرية من أى تيار اللهم إلا الإخوان المسلمين لمنح مصداقية لصرخته المدوية أمام المجتمع الدولى. ويبدو أن هذه الفكرة الوهمية التى ظل النظام يروج لها بنجاح على مدى الثلاثين عاما الأخيرة قد أثمرت فى عقول الكثيرين محليا ودوليا. ولكى يستطيع النظام إظهار مدى خطورة التيار الاسلامى قام وعلى مدى العقود الثلاثة الأخيرة بفتح قنوات حركة لهم. وفى آن الوقت كان يقوم بعمليات قبض واسعة على المنتمين للتيار الإسلامى لإعلان انه يضطلع بمهمته لكسر شوكتهم. وقد فتح لهم الباب فى الانتخابات التشريعية السابقة استمرارا للعبة القط والفأر الذى أصبح النظام يجيدها. وحصل بذلك على فائدتين. الأولى أن هناك نظاما ديمقراطيا وإلا لما نجح كل هؤلاء والثانية هى صرخة للمجتمع الدولى تؤكد أن «الخطر قادم لو لم تدعمونى بجميع السبل». وما يحدث اليوم من اشتباكات دامية هو استمرار لنفس اللعبة. وهى رسالة موجهة للجميع أن التيار الإسلامى خطر داهم وأن حكومة مبارك سوف تقف لهم بالمرصاد حماية للنظام العالمى.

المشكلة أن كل ذلك ألعاب سياسية قذرة يلعبها النظم لضمان الحصول على الدعم من الأسرة الدولية ومن مجموعة المرتعدين فى الداخل الذين صدقوا هذه الحملة الترويجية. هذه الانتخابات هى مجرد لعبة لضمان استمرار النظام السياسى المصرى. نجاح مرشحين من الوفد من 50 إلى 60 مرشحا والتجمع من 10 إلى 20 مرشحا ومن التيار الإسلامى من 40 إلى 50 مرشحا و40 مستقلا و15 من بقية الأحزاب والباقى للحزب الوطنى، شرط من شروط نجاح اللعبة. ولكن أحد شروطها أيضا أن تكون نسبة المشاركة معقولة.

وهنا يأتى دورنا. أن نبطل عليهم لعبتهم. أن نقاطع الانتخابات ونقول بايجابية إننا نرفض المشاركة فى هذه الخدعة. من أجل أن نشارك يجب أولا أن يسمح النظام للأحزاب وللتيارات السياسية بالوجود فى العمل السياسى العام. وثانيا يجب أن يرفع الأمن يده عن الجامعة وثالثا يجب أن يتم النقاش الجاد حول الفصل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ورابعا يجب أن نناقش جدوى فكرة ديمقراطية التمثيل النيابى فى مجتمع اليوم وخامسا وسادسا وعاشرا والقائمة طويلة.

الحل هو أن نقاطع جميعنا هذه الانتخابات.

خالد الخميسي  كاتب مصري