«عبدالرحمن الراشد» ومدرسة «الرشد الإعلامى» - محمود الوروارى - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 3:53 ص القاهرة القاهرة 24°

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«عبدالرحمن الراشد» ومدرسة «الرشد الإعلامى»

نشر فى : الجمعة 28 نوفمبر 2014 - 8:50 ص | آخر تحديث : الجمعة 28 نوفمبر 2014 - 8:50 ص

لم يكن ذلك المقال الذى نشره «عبدالرحمن الراشد» فى جريدة الشرق الأوسط يوم الثلاثاء الموافق 25 نوفمبر مجرد مقال يأتى فى ختام مرحلة مهنية ترأس فيها وادار بل وحلق بقناة العربية فى فضاءات عالية، وإنما كان محتوى هذا المقال تأسيسا لمدرسة إعلامية جديدة لها معايير دقيقة يمكن ان نطلق عليها «مدرسة الرشد الإعلامى».

ولعل هذه التسمية مردها يعود إلى الانتقال من التيه الإعلامى إلى ما يمكن ان نسميه ولو تجاوزا بداية الرشاد، وهنا لا أرانى بعيدا عن فكر المفكر الجزائرى العربى الراحل «مالك بن نبى».

والرشد الذى حاول «كاتب المقال أن يقدمه ينبنى على نقطة جوهرية وهى خروج الإعلام من دائرة الانشغال بالمتلقى أو الجمهور أو مستقبل الرسالة الإعلامية إلى مربع الانشغال بذاته والاعلام الذى أقصده هنا «مؤسسات وأفرادا».

ومن بداية تساؤله (هل نحن خبازون نطعم الناس ما يحتاجون اليه ام اننا غسالون ننظف العقول ونكويها؟

هذا السؤال الصادم، الغارق فى الصراحة حد الوشك على الاعتراف بذنب هو سؤال ينقل الإعلام إلى تقييم ذاتى أو إعادة تضبيط المعادلة الاعلامية بدءا من ذاته هو بدلا من الجمهور كما كانت سابقا.

ومع أول تأسيس لقواعد مدرسة الرشد هذه يبدأ فى تكسير مجموعة من الحوائط العالية التى بناها الإعلام ومنظروه ليبدأ بتلقائية فى تأسيس معايير جديدة، كان الحائط الاول القديم هو مفهوم الحياد الذى لطالما حظى بفزلكة مننا جميعا بأنه يوجد حين يحتفظ الاعلامى فردا ومؤسسة بمسافة واحدة من جميع الاطراف المختلفة «ومع الوقت اكتشفنا ان هذه المسافة وهمية بامتياز لأنها ببساطة غير قابلة للقياس.

بهدمنا لذلك الحائط الوهمى الذى يسمى حياد وبعد اعتراف عدد من العارفين بأنه لا يوجد شىء اسمه حياد وانما توجد المهنية وهنا اكتشفنا اننا هدمنا حائطا كنا نختبئ خلفه لنحتمى به من سياط المتلقى لنبنى آخر تحت عنوان المهنية.

وكما قدمنا تعريفات للحياد قدمنا اخرى للمهنية، وقلنا المهنية تعنى وجود جميع الاطراف المختلفة أى عدم الاقصاء وعدم فرض القناعات الشخصية على المتلقى، وضعنا معيار الممارسة وهو «بقدر تجردك من قناعاتك الشخصية وتخليك عن آراءك بقدر مهنيتك «وصدقنا انفسنا جميعا بأننا نجحنا حتى ظهور المقال، حيث يقول الراشد «الحياد تمرين فكرى صعب، حاولت الا اقحم رأى فى عملى فلا أدعى اننى نجحت فيها، فآراؤنا بطبيعتها تتسلط علينا وتسيرنا»

ثم يكمل ليصل إلى نقطة اخرى، حيث يقول: «اعترف وبضمير مرتاح أن هندسة الخبر المجرد وانتاج العمل الاعلامى «الحاف» مجرد نظرية فقط».

هذا الاعتراف الخطير لا يعنى جريمة ولا يعنى مبررا لاصطياد الرجل أو اصطياد قناة العربية، هذا الاعتراف هو تأسيس لمعيار جديد فى المدرسة أو التيار الجديد، لأنه جاء بعد ان هدم حائط الحياد الوهمى.

المعيار الجديد يتأسس على عدة مراحل، اولها: اننا يجب ان نعترف ان اللا نتماء لشىء ما هو انتماء لنقيضه كما قال «كولن ولسن صاحب اللا منتمى، وبالتالى كلنا جميعا اصحاب رأى وان من لا رأى له فهو إمعه وهنا يظهر الراشد لنا شيئا كان موجودا فى داخلنا وكنا نخفيه نظهره لنروضه لا لنسلطه علينا، فالمعيار الجديد إذن يتجلى فى انه من حق الاعلام مؤسسة وافرادا ان يكون له رأى وقناعة ووجهة نظر، لكن هناك فرقا كبيرا بين ان يكون لك قناعة وفكر وبين ان تمارسها وتروج لها».

وبالتالى نجده فى مقطع آخر يقول: «صحيح ان من واجبنا عرض الحقائق مجردة وانما عليكم ان تتذكروا ان للحقيقة أوجه متعددة».

وهنا استدراك مهم لضبط الآراء والقناعات الشخصية حتى لا تدخل إلى نقطة المحرمات الاعلامية وهى فخ الانحيازات، والابتعاد يكمن فى تلك المقولة «بأن للحقائق أوجه متعددة» أى ان طريقة العرض والتناول هى واحدة من المحطات البيضاء التى يجوز للإعلامى الحكيم المحترف خدمة قناعاته وقناعات مؤسسته الاعلامية، دون الابتعاد عن ماهية الاعلام الذى هو لغة، كيف؟ وليس لغة، ماذا؟»

الراشد تعامل مع الاعتراف بأننا جميعا لدينا آراء وقناعات شخصية تعامل المعالج النفسى الذى يعمل على جعل المريض يتعرف إلى عقده الشخصية يخرجها من داخله يضعها امامه ليتخلص منها لا ليلبسها من جديد.

السمة الثانية من سمات مدرسة الرشد الجديدة وهى اعادة ترتيب المعادلة الاعلامية وهى ايضا فكرة تقوم على الهدم والبناء، هدم المعادلة القديمة واحلال اخرى جديدة مكانها، فالمعادلة القديمة كانت تقوم على اعلام يصنع رسالة اعلامية ومتلقى جمهور يستقبلها، وطول الوقت كان هذا المتلقى مكسور الجناح، ثم تتطور الامر وظهر الاعلام التفاعلى الذى يتيح فقط للمتلقى فرصة المشاركة عبر مكالمة تلفونية أو كتابة مسج يظهر على شريط فى وطن نسبة الأمية فيه كبيرة.

فهو يقول «كل الناس صاروا اعلاميين، الملايين من حملة الهواتف الذكية يمارسون مهنتنا ويؤثرون ايضا فى مجتمعهم، لم يعد الاعلام مقصورا على القلة من الصحفيين ولا حكرا على ملاك الاعلام».

ثم يضيف فى مقطع آخر «كنا نسمى فى الماضى من يقرأ الجريدة أو يشاهد التلفزيون المتلقى اما اليوم فقد اصبح شريكا لنا، اليوم كلنا اعلاميون الفارق فقط بين محترف وهاوٍ».

إذن نحن امام معادلة جديدة تقوم على مبدأ صانع الرسالة الإعلامية محترفا كان ام هاوٍ وقلة من المتلقى السلبى الذى لا يستطيع ان يتعامل مع مواقع التواصل الجديدة ويمكن قياس هذه الطبقة تبعا لقياس امية الكمبيوتر واستخدام النت فى العالم العربى، وهناك بعض الاحصاءات فى ذلك.

ثم يخلص من هذا المعيار المهم إلى ترتيب العلاقة بين الاعلام التقليدى أو كما سماه الاعلام المحترف وبين الاعلام الجديد بأنها ليست علاقة صراع وقتال، فنظرية نظرية موت الاعلام القديم امام سطوة الاعلام الجديدة نظرية وهية، بل يقر ان التعايش معها والاستفادة منها يزيد اعلامنا لمعانا وبريقا وهنا يقدم تجربة العربية الشخصية، حيث وصلت عبر مواقع التواصل الاجتماعى إلى ما يزيد على 18 مليون متابع، وبالتالى كانت النقلة إلى مجرات فضائية أبعد.

مدرسة الرشد الإعلامى تحتاج مزيدا من الاشتغال عليها لبلورتها.

التعليقات