علي عبد الله صالح .. وأقرانه - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 5:28 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

علي عبد الله صالح .. وأقرانه

نشر فى : الأحد 29 مارس 2015 - 7:00 ص | آخر تحديث : الأحد 29 مارس 2015 - 4:54 م

عندما دخل الحوثيون صنعاء العاصمة  (سبتمبر ٢٠١٤) صرخ أحد المذيعين على إحدى الفضائيات المصرية: «أرأيتم كيف يهدم الإخوان المسلمون الدولة» ثم ترحم على الرئيس «المشير» على عبد الله صالح (بوصفه ينتمي إلى مربع ما قبل «مؤامرات» الربيع).
لم يكن حديث الإعلامي «الزاعق» بأكثر من تعبير عن حالة «الثنائية الاستقطابية» الحاضرة، التي تغيب معها عادة حقائق الأمور.

صالح في الوسط في قمة سرت - أكتوبر ٢٠١٠ (REUTERS / Asmaa Waguih)

بعد أن دارت الآلة العسكرية، ومعها الآلة الإعلامية صار القاصى والدانى يعلمون الآن أن الرجل الذى حكم اليمن لمدة تتجاوز الثلاثة وثلاثين عاما هو فى قلب المشهد، وهو الذى يتخذ من الحوثيين طريقا ليعود بهم إلى القصر. وهذا باختصار «المشهد الأخير» في قصة، هي كقصص «أقرانه» مع القصر والسلطة وشعوبهم ــ طويلة.

وُلد علي عبد الله صالح فى عام ١٩٤٢ فى قرية بيت الأحمر بسنحان جنوب شرقي العاصمة. وتقول الرواية إنه تلقى تعليمه فى «المعلامة»؛ وهى نوع من المدارس غير النظامية يشبه «الكُتاب» فى مصر. وكان رفيقُه أيامها علي محسن الأحمر (قيل إنه أخ غير شقيق لأحد إخوته غير الأشقاء). ترافق الصبيان فى مراحلهما الأولى، ثم سافرا معا إلى صنعاء للالتحاق بالجيش عام ١٩٥٨ ثم بمدرسة صف ضباط القوات المسلحة فى عام ١٩٦٠ ليرقى لرتبة ملازم ثان عام ١٩٦٣ وهكذا يأخذ طريقه في الجيش حتى يصبح فى إبريل ١٩٧٥ قائدًا للواء تعز فى أثناء رئاسة الغشمي الذى ينتمى للقبيلة ذاتها «حاشد». ثم كان بالصراعات ذاتها التى أتت بالغشمى بعد اغتيال الحمدي (أكتوبر ١٩٧٧) أن أتت بصالح بعد مقتل الغشمي فى يونيو ١٩٧٨.

وبغض النظر عما صاحب ذلك من تفاصيل معقدة، ثم ما كان بعد ذلك من وقائع وحكايا طويلة فربما يمكن أن تسمح مساحة هذا المقال بالتذكير ببعض من الحقائق التى ارتبطت بعقود ثلاثة من حكم علي عبد الله صالح، والذى لم يهتز إلا بعد أن ثار عليه شعبه فى عام الثورات الشهير (٢٠١١):

١ ــ بداية اختبر اليمنيون واقعيا كيف أن فترة ٣٣ عاما قضاها صالح فى القصر كانت كافية لتعميق ثقافات تترعرع عادة فى مثل تلك النظم «المستقرة» حيث تشيع كل أمراض الشخصنة والاستبداد والفساد والارتزاق والنفاق، حتى تصبح جزءا من الثقافة العامة التى ربما لم يبرأ منها غير جيل جديد لم يتلوث بعد. (كان اليمن «السعيد» وقت صالح فى آخر سلم الشفافية والنزاهة الدولية بترتيب ١٥٤ من ١٨٠ دولة).

٢ ــ وكأقرانه، سمحت فترة الحكم الطويلة ــ التي لا تنتهي عادة إلا بالإنقلاب أو الموت ــ بأن تسيطر «جماعة الرئيس» تدريجيا (القبيلة ثم العائلة فى الحالة اليمنية) على مقدرات البلد، وخاصة على مفاصله الأمنية. فصار الجيش «حاشديا»، وصار الابن عندما كبر قائدا عسكريًا. ومع غياب للمساواة والمواطنة، كان من الطبيعي أن تصبح القبيلة عند نفر غير قليل من اليمنيين البسطاء قبل الوطن، ثم كان من الطبيعي أيضًا أن تصبح حرب ١٩٩٤ الدامية التى سُوقت على أنها دفاع عن الشرعية ووحدة الدولة أمام دعاوى الانفصال (أو فك الارتباط فى مسميات أخرى) نموذجًا لتغطية الفشل فى تعميق الانتماء الوطني باللجوء إلى السلاح والقمع. (من المثير أن أطراف اللعبة الأساسيين اليوم «دفاعا عن الشرعية»، كانوا وقتها يتحركون فى الاتجاه المضاد)

٣ ــ وكما أقرانه أيضًا، وإن اختلفت التفاصيل لم يبرأ نظام صالح من عقلية «شراء الولاءات» المتوارثة فى تاريخ المنطقة التى تعلم حكامُها درسَ المعز الأول؛ تلويحًا بالسيف والذهب. وهذا ما قد يفسر لدارسي تاريخ اليمن الحديث ما قد يستوقفهم من انقلابات حادة «ومفاجئة أحيانا» تطرأ على خريطة التحالفات.

٤ ــ ومثله كمثل أقرانه، يذكر المتابعون لتاريخ الرجل وتصريحاته كيف كان يرهب الداعين للديموقراطية بالتلويح بالفزاعات التقليدية. مثل الإخوان المسلمين، وصعود القاعدة، والهيمنة الإقليمية الإيرانية، وتفكك اليمن.

٥ ــ وكأقرانه أيضا، كان «مرض التوريث» المسمار الأخير فى عرش علي عبد الله صالح، والذي فعل كل ما بوسعه لتمهيد طريق القصر لابنه الأكبر أحمد (مواليد ١٩٧٢) والذي عينه والده قائدا للحرس الجمهوري، قبل أن يعينه الرئيس هادي في أبريل ٢٠١٣ سفيرا لدى الإمارات العربية المتحدة (قيل وقتها أنها خطوة لمنحه الحصانة اللازمة من المساءلة عن ما نسب إليه من انتهاكات صاحبت محاولات أبيه للقضاء على ثورة الشباب). ففي سطور قصة صراع العرش الدامية المثيرة أن علي محسن الأحمر قائد الجيش القوى ورفيق درب صالح وابن قبيلته ويده اليمنى منذ تولى صالح السلطة رفض أن يتنحى جانبا ليفسح الطريق للابن المدلل، رافضا أن يكون تحت إمرته بعد هذه السن وكل هذه السنوات فى الخدمة العسكرية.. وكلنا يعرف بقية القصة.

٦ـ ثم كأقرانه أيضًا، كان هناك من حاول إجهاض «راديكالية» الثورة على نظامه، بتسويات وتفاهمات وصفقات نعلمها جميعًا.

•••

في زمن صالح، كزمن غيره غابت السياسة «الحقيقية»، فأخذ الدين مكانها.

لحسابات «مفهومة» غض علي عبد الله صالح الطرف، عن المدارس الدينية السلفية ذات الفكر الوهابي. وكان غريبًا، أو ربما مفهوما أن أكثرها تشددا كان فى صعدة، معقل الزيدية (ولتلك المدارس «سياسيا» قصة أخرى طويلة). ثم كان أن لعب صالح «كأقرانه» لعبة التناقضات الخطرة، فسمعنا عن تأسيس «منتدى الشباب المؤمن» فى صعدة أيضا عام ١٩٩٠ «للحفاظ على المذهب الزيدي وتدريسه». وهو المركز الذى كان نقطة الانطلاق الحقيقية للحوثيين. ثم كان أن زاحمت الانتماءات الطائفية تلك القبلية وانشغل الناس عن تردي أحوالهم المعيشية وعن استبداد الحاكم بمعاركهم الصغيرة (بعضها حول مسائل خلافية عمرها أربعة عشر قرنا). ولم يكن ذلك بمختلف أبدا عما جرى هنا وهناك فى هذا القطر أو ذاك، مع اختلاف التفاصيل.

والمثير أن الرجل الذى أدمن «لعبة التناقضات» ولعبها لعقود بكل مهارة، اجتمع ضده كل المتناقضين فى تلك الأيام من ٢٠١١، الحوثيون، والحراك اليمني الجنوبي، بل حتى الحاشديون. ساعين إلى الحصول على حقوقهم المدنية والإنسانية في المواطنة والمساواة والعيش الكريم. وتذكر صور تلك الأيام كيف كان للقبائل خياما فى «ساحات التغيير». كما تذكرنا الوقائع أيامها كيف أن المحتجين، فى دولة يحمل كل أهلها السلاح، لم يطلقوا رصاصة واحدة.

يخطئ من يعتقد أن استحضار الدين إلى ساحة السياسة، أو بالأحرى استخدام المشاعر الدينية لخدمة التمكين السياسي، كان حكرا على هذه الجماعة أو تلك، فهكذا فعلت كل سلطة أيضا، ولم يكن صالح «كما أقرانه» ببعيد عن ذلك. يذكر المعنيون كيف جرى تأسيس «هيئة الفضيلة» فى يوليو ٢٠٠٨ على نهج «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، وكيف رحب بها علي عبد الله صالح، رغم رفض حزب الإصلاح «الإخوان المسلمون» لها. وكانت الهيئة التى منعتها الطبيعة المسلحة لأفراد الشعب اليمنيين أن تصبح بقوة مثيلتها السعودية قد خرجت من رحم «جامعة الإيمان» التى أسسها الشيخ عبدالمجيد الزنداني عام ١٩٩٣.

فى العام ذاته بنى رئيس الدولة التى تعد من الدول «الأفقر» فى العالم مسجده «الأضخم» على مساحة تتجاوز الـ ٢٢٢ ألف متر مربع، وبتكلفة تزيد على ١١٥ مليونا من الدولارات. ثم كان أن أسماه «جامع الصالح». ولم يكن من المستغرب أن يشاركه مراسم الافتتاح وفود «رسمية» من الدول العربية «الشقيقة».

•••

والحاصل أن صالح، والذي حارب الحوثيين، ثم حارب بهم معارضيه، ثم حاول أن يعاقب بهم من ثاروا عليه، كان وراء جموحهم الذي كان أن تجاوز خطوطا حمراء فذهب باليمن إلى أول الطريق إلى فوضى لم تصل ذروتها بعد. إذ يعلم الجميع أن التأثير الواقعى للضربات العسكرية الحالية لن يطول الحوثيين كطائفة، بقدر ما سيدمر القوة العسكرية «النظامية» الموالية لصالح، وهى للأسف عصب الجيش اليمني (معسكرات وأسلحة)، وهو ما سيأخذ البلد الصغير، ذا التاريخ الطويل والجغرافيا الوعرة والثأرات المتراكمة إلى ما لا يعلمه إلا الله. ومثله (كمثل أقرانه) يتحمل الرجل الذى حكم البلد ثلاثة عقود دون أن يجعله يعرف معنى «المواطنة الحقة» والدولة المعاصرة، كل الوزر.