التوريث استفاد منه الجميع إلا جمال! - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 2:12 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التوريث استفاد منه الجميع إلا جمال!

نشر فى : الجمعة 29 مايو 2015 - 9:40 ص | آخر تحديث : الجمعة 29 مايو 2015 - 9:40 ص

ربما لولا محاولة حسنى مبارك توريث الحكم لابنه جمال ما قامت ثورة ٢٥ يناير، أو ربما تأجلت، رغم أن التوريث لم يكن السبب الوحيد لغضب غالبية شرائح المصريين.

لكن المفارقة تكمن فى أن التوريث فى المجتمع المصرى ــ بعد ثورتين ــ يبدو أنه أكبر وأقوى من أى ثورة أو غضب أو نقد.

صديق ــ من أيام المرحلة الإعدادية فى أسيوط يعمل جراحا للأوردة والشرايين ويعيش فى السويد الآن ــ بعث لى قبل أيام يرجونى أن أكتب عن التوريث الذى لايزال متفشيا فى قطاعات كثيرة، خصوصا فى المناصب العليا كأساتذة الجامعات. الرجل هاجر واستقر فى أقصى شمال أوروبا لكن مصر لا تزال هى شاغله الأول.

توريث المناصب ربما جعل الكثيرين من المتميزين يهربون من هذا الوطن أو يكفرون بكل شىء، أو يصابون بكل أنواع اليأس والإحباط، وينتهى بهم الأمر ليكونوا وقودا للتطرف أو الإحباط.
قد يكتب التاريخ ساخرا أن حسنى مبارك الذى كرس نظامه لكل أنواع التوريث فى جميع المهن والمناصب، كان الوحيد الذى فشل فى توريث منصبه لابنه جمال!.

وحتى لا نظلم مبارك، فالتوريث كان سابقا لتوليه الحكم فى مناصب كثيرة خصوصا القضاء والشرطة والجامعات.

من حق التاجر أن يورث تجارته وأملاكه الخاصة لأولاده، ومن حق صاحب الشركة أو المصنع أن يمنح شركته ومصنعه لابنه، ذلك أمر بديهى، لكن ليس من حق لواء الشرطة أن يعطى لابنه حق دخول كلية الشرطة، وهو لا يستوفى الشروط الكاملة، وليس من حق المستشار أن يصير ابنه وكيلا للنيابة آليا لمجرد أنه يعيش فى بيئة قضائية!.

قبل سنوات قال مستشار كبير ــ مبررا دخول أولاد القضاة للنيابة بتقدير مقبول فقط فى كلية الحقوق ــ إن «مقبول زائد بيئة قضائية يساوى جيد»!.

لن أتطرق إلى أن الكثير من أبناء الكبار فشلوا دراسيا أو أدمنوا المخدرات أو ارتكبوا الكثير من الجرائم المخلة بما فيها القتل، رأيى أن المساواة ينبغى أن تكون تامة وكاملة، ولو أننا دققنا فى كل أصول من يشغلون المناصب العليا لاكتشفنا أن أكثر من تسعين فى المئة منهم كانوا بشرا عاديين مثلنا وليسوا أولاد باشاوات، ولو أن هذه القاعدة طبقت عليهم، لظلت مصر محكوما عليها أن تعيش ببضع مئات من الباشاوات وآلاف البكوات وملايين العبيد أو الناس العاديين.

نعلم أن القانون يحض على المساواة ومنع التمييز، لكن البيئة والمناخ والثقافة أهم مليار مرة من القانون. وإذا لم يدرك ويؤمن الكبار فى هذا البلد أنه بدون المساواة سوف ينفلت وينقلب كل شىء، سينتهى بنا الأمر إلى كارثة اجتماعية حتى لو تأخر وقتها.

نظام حسنى مبارك كان سببا رئيسيا فى تشجيع التوريث، ظنا منه أن ذلك سيجعل المجتمع يتقبل بسهولة توريث الحكم لابنه، هو وأركان نظامه المقربون لم يكن يدرك المأساة.

والمؤكد أنهم لو أتيح لهم أن يحللوا أو يتوقعوا رد فعل الشعب ما فكروا ولو للحظة فى التمهيد للتوريث.

نعم الغالبية ورَّثت المناصب الحكومية والقضائية والشرطية والجامعية لأولادها، وفى الصحافة يتندر البعض بالقول إن التوريث وصل للجيل الثالث أى الجد والابن والحفيد، فى حين أن الصحافة هى التى تصدت للتوريث، لكنها لم تتصدَ للظاهرة فى عقر دارها .

ختاما، لا يكفى أن نخاطب ضمائر الآباء ليمنعوا توريث المهنة الحكومية لأولادهم، ذلك لن يمنعهم من التوقف. ما يمنع ذلك هو قوانين صارمة وبيئة حكومية جادة تدقق فى كل التعيينات، حتى نأمل فعلا فى مساواة حقيقية بين الجميع، ومن دون ذلك فلا تستغربوا الكارثة عندما تقع، ولا تقولوا لقد تفاجأنا!!.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي