السلطان الفاتح طبول سينمائية جوفاء - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 5 مايو 2024 1:21 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السلطان الفاتح طبول سينمائية جوفاء

نشر فى : السبت 29 سبتمبر 2012 - 9:45 ص | آخر تحديث : السبت 29 سبتمبر 2012 - 9:45 ص

الخبر التالى، المشكوك فى صحته، يقول إن المخرج الأمريكى، ستيفن سبيبلرج، يُزمع تحقيق فيلم عن محمد الفاتح، ورشح لبطولته النجم الشهير، توم كروز.. سبيبلرج، حسب ما جاء فى البرنامج التليفزيونى التركى «الغرفة الخلفية من التاريخ»، يجرى اتصالات بالمؤرخ مراد برداكجى، كى يصبح الأخير مستشارا للعمل.. لا أحد أكد أو نفى صحة الخبر، لكن المؤكد أنه جاء مواكبا لعرض فيلم «محمد الفاتح»، فى الكثير من بلدان العالم، عقب نجاحه المرموق فى تركيا، منذ بداية العام، بعائدات تصل إلى «33» مليون دولار. أى ضعف تكاليفه التى بلغت «17» مليون دولار، ومن المأمول، بالنسبة لجهات الإنتاج، أن يواصل الفيلم نجاحه، عالميا، الأمر الذى دفع البعض ــ وأنا منهم ــ إلى اعتبار التصريحات المنسوبة للمخرج الأمريكى، مجرد دعاية، للفيلم التركى الذى حققه فاروق أكسوى.

 

الرغبة العارمة فى رواج الفيلم، لا تعود لأسباب مالية وحسب، بل لدوافع معنوية، وسياسية، تدعمها الدولة بقوة، ممثلة فى حكومة حزب «العدالة والحرية».. تركيا، منذ عدة سنوات، تعلن «نحن هنا»، فى معظم المجالات، بأن يكون لها كلمة فى المشكلات السياسية لدول الجوار، وأن يصبح لها انتشار فى الأسواق العربية، خلال بضائعها الاستهلاكية، فضلا عن حضور ثقافى عميق، بكل الوسائط، خاصة الصورة، مجسدة فى المسلسلات التى استولت على مساحة لا يستهان بها من الشاشة الصغيرة، والآن، بدأ الدخول إلى الشاشة الكبيرة، معزرة بمساندة فعالة فى حكومتها التى تدرك أهمية وقوة الصورة، وتعطى نموذجا لما يمكن أن تقدمه الدولة، لدعم صناعتها الثقافية، فالملاحظ أن المسئولين الأتراك، يستجيبون فورا، للمشاركة فى المهرجانات السينمائية، ويتحمسون لإقامة «بانورامات» لأفلامهم، مع تقديم نسخ جديدة، وصور ومواد حول الأعمال التى ستعرض، وأحيانا.. تحمل مصاريف سفر النجوم الذين سيتم استضافتهم.

 

فيما يتعلق بـ«محمد الفاتح»، أو «السلطان الفاتح»، أو «فتح القسطنطينية» فإن الأخبار، المؤكدة هذه المرة، تعلن عن انتعاش حالة الرئيس، رجب طيب أردوغان، طريح الفراش، عقب مشاهدته للفيلم، فى حجرته، كيف أعرب عن رضائه، وقال لصناعه «سلمت أيديكم».. من ناحية ثانية، أحيط افتتاح «محمد الفاتح فى مصر، بما يشبه الاحتفالية، حضرها السفير التركى، ووزير الشباب المصرى، ومدير المركز الثقافى التركى، وعدد من أبطال الفيلم، ووجوه مهمة من المجتمع المصرى.

 

 

 

بين الماضى.. والمستقبل

 

الفيلم التاريخى، مثل كل فيلم، يتوجه إلى جمهور الحاضر، ويختلف فى مادته التى تعتمد على وقائع وأحداث شخصيات، يستدعيها من الماضى، ترضى على نحو ما، متفرجيه. وفى ذات الوقت، يوحى وينبئ بالمستقبل.. «محمد الفاتح»، صاحب الاسم الشهير فى الدولة العثمانية، المقاتل بامتياز، الذى أنهى الصراع مع الامبراطورية البيزنطية، ووضع حدا لنهايتها عام 1453، وزحف بجيوشه إلى مناطق شاسعة فى آسيا وأوروبا، مواصلا غزوات والده «مراد الثانى»، ممهدا الطريق لمن جاء بعده، نحو المزيد من التوسع، وترسيخ الامبراطورية العثمانية التى عاشت ما يزيد على ستة قرون.

 

منذ عدة عقود، لم يتخيل أحد امكانية تقديم «محمد الفاتح» فى فيلم سينمائى، يشيد بانجازاته، ذلك أن الحقبة العثمانية، بعد إعلان أتاتورك لوفاتها عام 1923، كان ينظر لها باستخفاف، بل باستهجان إن شئت.. ولكن، بعد مجىء «العثمانيين الجدد» ــ المصطلح الذى يزعج حكام تركيا الآن ــ بدأت إعادة النظر، بتوقير وتبجيل، للامبراطورية العثمانية، وأخذت ثقافة رد الاعتبار لسنوات المجد تزدهر، فى الكتابات التاريخية، والأعمال الفنية، ومنها فيلم «محمد الفاتح»، ولم يفت أحد المعلقين القول «إن هذا التوجه يجعل أتاتورك، مؤسس الدولة الحديثة، المدنية، يتململ فى قبره».

 

الفيلم، بتجسيده لانتصار «محمد الفاتح»، ينعش ذاكرة الجمهور التركى، بأمجاد الماضى، الأمر الذى يرضى مزاج المشاهدين، ويعنى، بالنسبة لهم، الثقة فى قوتهم وقدراتهم.. أما بالنسبة للجمهور، خارج تركيا، فإن الفيلم يبعث برسائل طمأنة، من خلال وعود محمد الفاتح، للمهزومين، بأنه سيحقق لهم العدل والحرية. لكن هذه الرسائل، قوبلت بتشكك وانزعاج، من بلاد عانت شعوبها كثيرا، من وطأة حكم العثمانيين، فظهرت مقالات تهاجم الفيلم، فى اليونان والمجر والبلقان، وتصفه بمحاولة تجميل حقبة تاريخية حالكة السواد.

 

 

 

الإنتاج الكبير.. مرتبكًا

 

الصرف بسخاء، على العمل الفنى، لا يؤدى بالضرورة، لارتفاع مستواه.. والمجاميع الضخمة، المتصادمة، المتلاحمة، فى معارك ضارية، لا تعنى، بالحتم، إرضاء عين المشاهد.. هذا ما يؤكده «محمد الفاتح»، الطموح، الذى لا يملك مقومات تحقيق طموحه، بل يؤكد أن الاندفاع المحموم نحو الإبهار، قد يؤدى إلى الإحساس بزيف العمل وتصنّعه.. هنا، فى المشاهد الأولى، داخل القصر السلطانى، نتابع محمد ــ الفاتح فيما بعد ــ متوجها نحو جثمان والده، بتؤدة، وينحنى ليقبل أصابعه. وفى المشهد التالى، يقف بطلنا فى بهو مزخرف الجدران، وأمامه كبار رجال الدولة، يرتدون ملابس لامعة، يضعون على رءوسهم أغطية متنوعة الأشكال: عمامات بالغة الضخامة، طراطير بالغة الطول، حمراء. طرابيش بدون أزرار، غريبة المنظر.. الواضح أنها، بما فى ذلك الجلابيب، آتية توا من عند الكواء، تخطف العين، وتكاد تضيع معها معالم الوجوه، خاصة أن المصور، فيما يبدو، اهتم بفخامة الأزياء وتعدد الألوان، أكثر من اهتمامه بالوجوه البشرية، واعتمد على اللقطات العامة، المتوسطة، متحاشيا اللقطات الكبيرة، القريبة.

 

ما إن يفتح محمد الفاتح فمه بالحديث، حتى تستمع إلى لغة عربية، بلهجة مصرية، فالفيلم مدبلج، كما هو الحال بالنسبة للمسلسلات التركية عموما، الأمر الذى يحدث شرخا بين الشاشة والمتلقى، فصوت الممثل أداة مهمة من أدوات التعبير، تتسق مع تكوينه، وتعتبر جزءا من شخصيته. إذا انتزعته منه، كأنك انتزعت ملمحا من تكوينه الطبيعى.

 

محمد الفاتح، بأداء جثمانى من دفريم أفين، وأداء صوتى من كمال عطية!.. يتحدث عن ضرورة فتح القسطنطينية، وعلى استحياء، وفى خوف، يبدى البعض عدم حماسه للفكرة، مما يزيد من عزيمة الفاتح، وسرعان ما تجرى الاستعدادات للحرب.. ويلجأ المخرج، فاروق اكسوى، إلى تعبيرات سينمائية مستهلكة، كأن يقف السلطان فوق خريطة، يفكر ويتأمل، ثم يرشق خنجره فى بقعة مكتوب عليها «القسطنطينية»، أو أن يلعب الشطرنج أمام أحد المعارضين للحملة، وينتهى الدور بنقلة طابية موفقة من الفاتح.

 

بعيدا عن المفردات المكررة، يعانى السيناريو أصلا من خلل جسيم، سواء فى بنائه الملحمى، أو فى درجة الاهتمام بالشخصيات.. الأعداء، فى الفيلم، بممارساتهم الاستفزازية، لا يظهرون على نحو واضح، وحضورهم كطرف خطير فى الصراع يأتى باهتا.. وتتراجع شخصية محمد الفاتح، التى تأتى مسطحة، أمام شخصيات ثانوية، يتعاطف معها المتلقى، بسبب ما تحظى به من جوانب إنسانية، وفى مقدمتها، شخصية «أوربان»، المهندس الموهوب، صاحب العزيمة التى لا  تلين، صانع المدفع العملاق، الذى كان من أهم عوامل النصر.. ويتابع الفيلم خطوات صنع  المدفع، بقلب مرتجف، على نحو يذكرنا بخطوات صنع الجرس الكبير، فى «أندريه روبلوف» للروسى «تاركوفسكى»، مع الفارق بين التركى المجتهد من ناحية، وصاحب القامة العالية من ناحية أخرى.

 

أما الشخصية الأهم، فهى لـ«أولوباتلى حسن»، المحارب العتيد، القوى، مدرب محمد الفاتح، وهو أول من رفع العلم العثمانى فوق أسوار القسطنطينية، وقد منحه الفيلم علاقة حب رقيقة، شفافة، مع ابنة المهندس بالتبنى، وهى علاقة أزعجت بعض المؤرخين الأتراك، على أساس أنها لم تحدث، علما أنها  علاقة، فى تقديرى، محتملة، ولا تخل بالمنطق التاريخى.

 

على طريقة المعارك، فى السينما الهوليوودية، تندلع المعارك، برا وبحرا، وتكاد بعض المشاهد أن تكون متطابقة مع أفلام أمريكية، مثل «غزاة الشمال»، و«الآلهة غضبى»، و«المصارع»، مع الإسراف فى تجسيد الطعنات، على نحو يعبر عن مزاج دموى، فالمصور يرصد اختراق حربة طويلة لعنق محارب، وثمة لقطات كبيرة، قريبة، لذراع مبتورة، تندفع منها الدم.. وتصل النزعة الاستعراضية إلى ذروتها فى المشاهد المتعلقة بابستشهاد «حسن»، والتى تكاد تذهب بمصداقيتها، فالمحارب يتلقى سهما تلو الآخر، ويواصل القتال، إلى أن يدور حول نفسه، وتدور الكاميرا حوله، بجسد رشقت به خمسة أو ستة سهام.. فهكذا شاء المخرج الذى حاول إبهار المشاهدين بكل السبل، لكن الملل الذى يبعثه الفيلم منذ بداياته، يتحول إلى ضجر لا يطاق مع نهاياته، ويثبت أن العمل السينمائى، مهما كان حجم الدعاية المحيطة به، لا يمكن أن ينجح، طالما يفتقر إلى مقومات النجاح.

 

 

 

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات