خطابنا الدعوى إلى أين؟ 1ــ المصدر: القرآن (أ) - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:35 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خطابنا الدعوى إلى أين؟ 1ــ المصدر: القرآن (أ)

نشر فى : الجمعة 30 يناير 2015 - 7:45 ص | آخر تحديث : الجمعة 30 يناير 2015 - 7:45 ص

(1)

مظاهر الخطاب الدعوى وقوالبه شىء، أما مقومات الخطاب وعناصره التى لا يصلح بدونها فهى شىء آخر، وهى عشرة عناصر على الأقل، تتعاون جميعها فى إنتاج خطاب دعوى قويم يحقق رضوان الله ورسوله، واطمئنان الناس وأمنهم، كما يُيسر استقرار المجتمعات وإبعادها عن التناقض أوالتضاد، وهو بذلك يقود الشعوب ودولها إلى نموذج حضارى خلاق يسعى نحو وحدة إنسانية مُنتظرة.

(2)

أول العناصر: مصدر الخطاب وأحيانا يُسمى المنبع أو الأصل أو الأساس: وهو الوحى الإلهى فى القرآن الكريم، والبيان النبوى المتواتر والصحيح (السُنة النبوية). والقرآن الكريم يضم 6236 آية (..مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ..)، ويُستمد الخطاب من الآيات المُحكمات لا غير، أما ما توافق كثرة من يُعتد بهم من أهل العلم على أنها من الآيات المُتشابهات فلا يُستخرج منها تكليفا ولا فرضا ولا خطابا، كما لا يصنع منها معلومة تُتلى وتتداول بين الناس، وليس على سائر المتدينين بالنسبة للآيات المُتشابهات إلا تلاوتها والإيمان بها وإفساح المجال للعقل بتأملها وتخيلها. فمصدر الخطاب وأساسه ومنبعه هو الآيات المُحكمات وما أكثرها فى شئون السلوك والأخلاق، والإعمار والإصلاح والمنهجية والعلم، والتعبد والذكر، والتعارف والتواصل إلخ وليتنا نفعل.

والبيان النبوى بفروعه الثلاثة: (السُنن الواجبة والمُستحبة/ الحديث النبوى بتنوعاته/ السيرة النبوية) فيُشترط فيها تحقق الصحة والشهرة وعدم مُعارضة القرآن الكريم بل والتكامل معه فما غفل القرآن ــ حاشا لله ــ عن شىء حيث قرر القرآن وكرر (..تِبْيَانا لِّكُلِّ شَيْءٍ..)، (..وَتَفْصِيلا لِّكُلِّ شَيْءٍ..) فيجىء البيان النبوى شارحا ومُفعلا لكيفية تطبيق القرآن. وأجدنى مضطرا لتأكيد نفى الأغاليط التى تزعم النسخ بصفة عامة وأشد منه الزعم بنسخ السُنة للقرآن!! فتلك أقوال مهما كان شخص قائلها لا سند لها فى مُحكم القرآن الكريم، ولا أثرا صحيحا لها فى روايات السُنة النبوية.

(3)

وحينما نُقر بأن القرآن الكريم وبيانه النبوى الشريف هو المصدر الوحيد للخطاب فلابد أن يأخذ القرآن حقه فى التناول والفهم، وحقه فى البحث والدرس ليتحقق حُسن الاستنباط وجودته. والقرآن يفتح أبوابه للراغبين فى الفهم والساعين إلى الحق الذين يُتقنون تلاوة القرآن حق تلاوته ليتعرفوا على الفروق بين الألفاظ المُتقاربة، ويكتشفوا غاية القرآن التى يُمكن جعلها «عنوانا» مُعبرا عما فيه من أحكام وحِكم ومشروعات عمل وإنجاز. ومركز القرآن هو «الألوهية» فى غيبها وشهودها. ومن رحمته تعالى أن ذاته وإن كانت غيبا فإن قدرته وأفعاله وأسمائه الحُسنى ليست كلها غيبا بل فيها مظاهر مشهودة، وأقرب هذه المظاهر «النفس البشرية» ألم تقرأ قوله تعالى (وَفِى أَنْفُسكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) فالله جل جلاله رغم ذاته الغيبية نراه ونُحسه ونتأثر بأقداره ونقتات بأرزاقه (..وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ..) فمركز دائرة القرآن هو مُعتقد المؤمن. ويتصل هذا المركز العلوى بالكون من ناحية، وبالإنسان من ناحية، والأنبياء والمرسلين من ناحية، وبالكتب والرسالات السماوية من ناحية، وبالجزاء الشرعى ثوابا وعقابا من ناحية وبعوالم الغيوب من ناحية توضحها وتدل عليها.

(4)

وقد شهد للقرآن الكريم أعداؤه فهاهم يقولون أنه لاعيب إلا أنه لم يتنزل عليهم بدلا من مُحمد (صلى الله عليه وسلم) (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)، وها هو الوليد بن المُغيرة يصف القرآن فيقول «إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمُعذق وإن أعلاه لمُثمر، وما يكون هذا قول بشر».

كما وصف المؤمنون القرآن فقالوا «هو كلام الله العظيم، وصراطه المُستقيم، وحجته الدامغة وسيفه القاطع لأعناق الكُفر، علمه الهادى من الضلالة ومنهله العذب الراوى من ظمأ الجهالة وهو مُعجزة المُعجزات، وآية الآيات وهو الفصل ليس بالهزل يُتلى ولا يمل، ولا يخلق على كثرة الرد، من قال به صدق ومن عمل به أُجر، ومن حكم به عدل ومن اهتدى به هُدى إلى صراط مُستقيم.

فهذ هو القرآن الكريم والنبأ الصادق العظيم الذى تُقام له المؤسسات، وترتكز عليه الخطابات، وتهتدى به التشريعات، وتتأدب بآدابه المُجتمعات وتدور فى فلكه الحضارات. لهذا يجب أن ينال القرآن حقه من إحسان التلاوة وإحسان الفهم، فإذا أحسنا الفهم أحسنا العمل.

«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا»

.. يُتبع،،

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات