كاروهات - بسمة عبد العزيز - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:18 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كاروهات

نشر فى : السبت 30 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 30 مارس 2013 - 8:00 ص

انتهت انتخابات الاتحادات الطلابية فى الجامعات وظهرت نتائجها؛ ولم يحصد طلاب الإخوان عددا كبيرا من المقاعد كما أملوا. لم تدهش النتيجة المتابعين، فالتيارات الدينية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، باتت تخسر الكثير من شعبيتها يوما بعد آخر وفى مختلف الأوساط، ورغم أن الانتخابات الموازية التى اشتهرت الجماعة بإقامتها فى فترات الحظر السابقة، كانت تشهد فوز طلابها الساحق، لكن الانتخابات الرسمية الأخيرة، التى جاءت خالية من التزوير والاستبعاد ربما للمرة الأولى منذ ما يزيد على ربع قرن، كشفت حجم وتأثير كل فصيل.

 

●●●

 

لفتت انتباهى فى المعركة الانتخابية أسماء القوائم التى تنافست على المقاعد. لجأ الطلاب المستقلون إلى أسماء بعضها محايد مثل «بصمة» و«خطوة»، وبعضها مُستَقى من الواقع ومتفاعل معه مثل «حروف بلا تمييز» و«ائتلاف بلا خراف»، أما طلاب التيارات الدينية فصنعوا مفاجأة، إذ تنازلوا فى عدد من الكليات والجامعات، عن الأسماء التى درجوا على استخدامها خلال حملاتهم الانتخابية السابقة.

 

طالعتنا قوائم إخوانية تحت عناوين مثل «كاروهات»، و«كيان واحد» فى جامعة عين شمس، و«ألوان» فى جامعة القاهرة، ثم «بنات وشباب بيحب مصر» فى جامعة بنى سويف، كما رأينا قوائم باسم «الجيل الجديد» و«بناء». لا تنتمى هذه الأسماء على الإطلاق، إلى حصيلة المفردات الدينية، التى طالما حرص طلاب وطالبات الإخوان على استخدامها، خلال جميع مراحل العمل الجامعى.

 

لم يقتصر التغير فى استخدام اللغة الدعائية، على أسماء قوائم الطلاب؛ خلال الأشهر القليلة الماضية، وُصِفَ الرئيس مرسى من قبل مُريديه بأنه مثل «ميسى» لاعب نادى برشلونة الإسبانى، وقورنت موهبته فى قيادة البلاد، بموهبة النجم المتألق، الذى يُعَدُّ الأكثرَ بريقا فى عالم كرة القدم. راق هذا التشبيه البعض وسخر منه البعض الآخر، لكن المدهش فى الأمر، أن الذى أطلق هذا الوصف وتلك المقارنة، لم يكن شابا من المولعين أو المهووسين بمتابعة مباريات الكرة، بل كان أحد مستشارى الرئيس، المنتمين تنظيميا إلى التيار السلفى.

 

●●●

 

فى السياق ذاته وخلال مليونية الشرعية الدستورية التى أقيمت أمام مسجد رابعة العدوية، تم رفع صورة الرئيس مرسى، مرتديا حلة رياضية: شورت وفانلة، مطبوعا عليها الرقم (25)، وهو رقم تعرفه جماهير الكرة المصرية وتحفظه جيدا، إذ يحمله «أبوتريكة» لاعب النادى الأهلى الشهير. دفع هذا الاستعراض الموجودين فى المليونية للهتاف أمام صورة الرئيس مرسى باسم أبوتريكة، وكأنما صارا شخصا واحدا، وكما لو امتُصَّت شعبية اللاعب الواسعة، ليتم ضخها فى أوردة وشرايين الرئيس. المدهش مرة أخرى أن الذى قام بإحضار هذه الصورة، لم يكن أحد أعضاء الألتراس الأهلاوى أو مشجعيه المتعصبين، بل جاء بها أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، القادمون من محافظة الدقهلية.

 

تلك إشارات وإن كانت بسيطة وعابرة، لكنها تلفت الانتباه. أظن أن هناك دلالة ما، لتوظيف «أبوتريكة» و«ميسى» تباعا، وكذلك لاستخدام مفردات من قبيل «كاروهات» وغيرها فى هذا الخطاب، إذ لم يكن منتجوه ليستعينوا بمفردات معاصرة مثل تلك، لا تنتمى لأصول دينية واضحة، ولا تعبر عن انتماءاتهم صراحة، دون أن تكون لديهم أسباب قوية.

 

ربما شعروا بالبساط وقد راح ينسحب من تحت أقدامهم، وبالأحداث وقد تجاوزتهم. ربما ظهر لهم أن ميسى فى هذه اللحظة، ومع تفاقم الأزمات والفشل فى السيطرة عليها باسم الدين، أقرب إلى مزاج ونفسية الجماهير، التى لم تعد تصدق خطابهم السابق.

 

ربما يشير هذا التغير أيضا إلى أن الجماعات الدينية تبذل محاولة جديدة، لإعادة اجتذاب الجمهور الذى نبذها أخيرا، محاولة لمسايرة المجتمع بدلا من التمايز عنه وإعلان الاختلاف كما كانت تفعل من قبل، محاولة لأن تستخدم إشاراته ولغته وخطابه، وأن تتجاوب مع ميوله وحركته لا أن تقرعه وتُخَطِّئه. محاولة قد تكون مقصودة أو عشوائية، أو محض مصادفة، لكنها فى النهاية جاءت خاضعة لشروط الأغلبية، فلغة الأقوى تسود وخطاب الأقوى يفرض نفسه، والجماهير العريضة الجائعة والخائفة من الجوع والطامحة إلى الحرية، تثبت الآن إنها الأقوى، وترغم السلطة وجماعات القوة المؤيدة لها على محاولة استرضائها، حتى ولو باستعارة رداء جديد.

 

●●●

 

فى فترة دراستى الجامعية كانت غالبية الأسر الدينية فى الكليات تتسمى بأسماء الصحابة أو الخلفاء، أو بأسماء النساء الشهيرات من زوجات النبى وغيرهن من النماذج المعروفة، فتتخذ أسر الطلاب لها أسماء مثل أبوبكر، وتتسمى أسر الطالبات بأسماء مثل «الزهراء». لا أعرف على وجه التحديد إن كانت أسماء الأسر قد نالها هى الأخرى نصيب من التغيير، أم أنها لا تزال ثابتة على ما عهدته، لكنى أظن أنها سوف تتبع مسار التطور تحت ضغط الواقع. ربما يعقب تبدل الأسماء تبدل آخر فى المظاهر، وقد تنمو هذه الطفرة التى حدثت فى شكل اللغة المستخدمة، بحيث تصبح بداية لتغيرات أخرى أكثر عمقا، تعيد النظر فى المضمون.

بسمة عبد العزيز طبيبة وكاتبة
التعليقات