حلب تحترق - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 4:01 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حلب تحترق

نشر فى : السبت 30 أبريل 2016 - 9:40 م | آخر تحديث : السبت 30 أبريل 2016 - 9:40 م
لم تعد الحكومات الغربية تخجل من دماء السوريين التى يستبيحها الديكتاتور السفاح، ولا من مشاهد الدمار التى ترتبها جرائمه ضد الإنسانية. فالسياسة الغربية تراوح بين ترك الشعب السورى لمصيره المحتوم «نظرا للتعقد البالغ للصراع الدائر هناك»، وبين إعطاء الأولوية «لمنع اللاجئين من قدوم الأراضى الأوروبية» والإبقاء عليهم فى الجوار الإقليمى أو فى الداخل السورى، وبين «التوافق مع روسيا الاتحادية على حل تفاوضى» يبقى على الكثير من حكم الديكتاتور المدعوم روسيا ويحقق القليل للمعارضة المدعومة غربيا وخليجيا ويتجاهل أهل البلاد الذين انتفضوا ضد حكم الديكتاتور طلبا للحرية وللحق فى وطن يسوده العدل.

لم تعد الحكومات الغربية تخجل من تواصل جرائم الديكتاتور بشار الأسد، ومن استمرار عجزها ومعها الجماعة الدولية عن ردعه. فالغرب يرفض التدخل العسكرى فى «الصراع السورى»، ويرفض منذ بدأت الجرائم ضد الإنسانية فى ٢٠١١ الضغط الجاد لانتزاع قرار أممى يحمى المدنيين بحظر طيران مقاتلات الأسد التى تنفذ ببراميلها المتفجرة وقنابلها الحارقة هولوكوست «رخيص الكلفة المادية» مكوناته الإبادة والقتل والدمار، ويرفض مواجهة روسيا التى سبق لطائراتها وصواريخها قتل المدنيين السوريين بل ويسلم بحساباتها التفاوضية التى تحتفظ للديكتاتور بمقعد الرئاسة.

لا يبحث الغرب فى سوريا سوى عن أوهام «الحرب على الإرهاب» متناسيا استحالة القضاء على عصابات الإرهاب دون الخلاص من الاستبداد، وممارسا لاستعلاء مقيت إزاء حق الشعب السورى فى ألا يحكمه قاتل وألا تتسلط عليه مجموعات إجرامية تدعى الدفاع عن دولة وأرض. لا تبحث الحكومات الغربية فى سوريا سوى عن القليل من «التجمل» عندما تقيم سياساتها من قبل المنظمات الحقوقية وفاعليات المجتمع المدنى فى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، فتدعى دعم «المعارضة المعتدلة» وتوفير «المساعدات اللوجيستية والمالية» للحركات التى تحارب الديكتاتور وترفض الالتحاق بالجماعات المتطرفة كداعش وغيرها. لا يبحث الغرب فى سوريا عن إنقاذ الناس من أخطار الإبادة والقتل والدمار، فالأهم هو ألا يسمح لهم بالابتعاد عن الأراضى السورية أو الجوار الإقليمى لكى لا تتكرر كارثة «اللجوء الجماعى» وتجبر الحكومات الغربية على استيعاب لاجئين لا يريدهم أحد.

غير أن الحكومات العربية لم تعد تخجل أيضا من دماء السوريين، ولا تقلق سكونها فيما خص سوريا مشاهد دمار أو خراب. فالعرب بين تقديم البعض لدعم عسكرى ومالى لحركات متطرفة تناهض الديكتاتور أفسدت الثورة السورية بتورطها فى حمل السلاح والعنف وممارسات أخرى بالية، وبين فعل عسكرى مباشر لحماية الديكتاتور ينفذه حليف إيران حزب الله اللبنانى، وبين انكفاء على الداخل لأغلبية الحكومات العربية التى لا يتعدى اهتمامها بالشأن السورى بيانات الإدانة.

بل إن بعض الأبواق الإعلامية للحكومات العربية لا يخجل من توظيف المقتلة السورية إما للمتاجرة «بأعداد اللاجئين السوريين» الذين تم استقبالهم والمطالبة بحصص إضافية من المساعدات المالية الخليجية والغربية (لبنان والأردن)، أو للترويج البائس للحكم السلطوى ومظالمه المتراكمة وانتهاكاته المتكررة كضرورة لتجنب مآلات سوريا ومآسيها. والبعض الآخر لا يخجل فى إلغاء لكل قيمة أخلاقية وإنسانية من المساواة المتهافتة بين مسئولية الديكتاتور الأسد وشبيحته عن جرائم الإبادة والقتل والدمار، وبين مسئولية معارضيه الذين مهما بلغ بهم العنف والتطرف والجهل والتبعية لقوى إقليمية أو دولية لم يتورطوا فى جرائم ضد الإنسانية كتلك التى تحرق حلب اليوم وتودى بحياة أطفالها ونسائها ورجالها بينما ضمير البشرية يغط فى نوم لا استفاقة قريبة منه.
عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات