وانقلب السحر على الساحر - امال قرامى - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 11:51 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وانقلب السحر على الساحر

نشر فى : الإثنين 30 مايو 2016 - 10:00 م | آخر تحديث : الإثنين 30 مايو 2016 - 10:00 م

لم يكن يخطر ببال قيادات النهضة، وهى تخطط لعقد مؤتمرها العاشر، أن تنقلب الأمور رأسا على عقب. فقد نظر المسئولون عن التنظيم إلى هذا الحدث على أساس أنه أفضل وسيلة لتحقيق الإشعاع العالمى وتقديم دروس وعبر إلى كل الأحزاب التى تروم العمل بأحدث الطرق. وفق هذا الخيار لم تمانع القيادات فى الاتكال على الإخوان الجدد: الأمريكيون بديل الإخوان المسلمين.


وبما أن للغرب مزاياه وللشركات المختصة فى الدعاية السياسية خبرات وكفاءات فإنه لم يكن على النهضة إلا الرضوخ لأوامر الخبراء فأعلنت دون تردد قطع حبل الوصلة مع الإخوان المسلمين بل إنها جاهدت حتى تقنع الجميع بأنها لم تكن منذ نشأتها على اتفاق مع خيارات التنظيم الإخوانى. وبقطع النظر عن صحة هذا الادعاء من عدمه فإن إعلان الطلاق لم يمكن النهضة من تحقيق المراد إذ سرعان ما فُتحت ملفات الماضى وعاد الحديث من جديد عن علاقة النهضة بالعنف ومسئوليتها التاريخية فى أحداث جدت فى القرن الماضى 1987 ذات صلة بالأعمال الإرهابية (تفجيرات نزل «الهناء» فى سوسة ونزل «كوريات بالاص» بالمنستير).


وبعد أن كانت النهضة فى «قلب الحدث المبهر» يبذل أتباعها كل ما فى وسعهم من أجل الخروج من جلباب الإخوان والإقناع بالتحولات الطارئة إن كان على مستوى خطاب التونسة والإيمان بمدنية الدولة والتنحى عن الجانب الدعوى فى المجال السياسى... ها هو الحزب فى موضع المُدان يُنتقد بشدة ويُتهم و«يُفضح»...فليس الاحتفاء بصورة منفذ العمليات التفجيرية فى 1987 وإعلانه شهيدا فى مؤتمر النهضة فى نظر خصومها إلا حجة على تورطها فى الإرهاب.


***


وهكذا تنطلق الحرب الإعلامية فيلعب المعارضون لسياسات النهضة الجديدة والمشككون فى خطاب التحول من موقع الهجوم فى حين ينتصب القياديون منافحين ومدافعين ومؤازرين ومستأسدين فى سبيل تبرئة ساحة النهضة مما نسب إليها من تهم. وليس اندلاع الصراع فى مثل هذا التوقيت، فى تقديرنا، إلا محاولة لهدم صورة سعى الحزب وأتباعه ومناصروه إلى الترويج لها باعتباره صار «أول حزب لائكى بمرجعية إسلامية فى العالم العربى» وهو «ثورة فى تاريخ تطور الحركات الإسلامية» وهو علامة «بارزة على قدرة الحزب على التأقلم مع السياق المتحول سياسيا واجتماعيا»...


وبالرغم من وعينا بأن النشاط السياسى لا تستقر فيه الولاءات ولا ترضخ فيه المعاملات إلا لمنطق التوازن بين مختلف القوى فإن هذا التراشق بالتهم والسب والشتم يثبت مرة أخرى أن التوافق هش وأن الائتلاف لا يستند إلى أساس صلب غاية ما فى الأمر أن السياق اقتضى وضع اليد فى اليد وانتظار ما ستئول إليه الأمور فى الغد. ولا نغالى إن اعتبرنا أن اللجوء إلى العنف اللفظى من أجل تبكيت الأعداء ليس إلا علامة على «تغول» المشرفين على قيادة الحزب واعتبار أنصاره أنه صار منزها ومتعاليا وممثلا للاصطفاء ومن ثم فإنه لا مجال لانتقاده.


***


إن صناعة صورة أى حزب لا يتحكم فيها من أنتجها بل إنها تخضع لعوامل خارجية مرتبطة بسياق التقبل وردود فعل الخصوم السياسيين الذين لا يتوانون عن كشف المستور وتوظيف ما يتضمنه «الصندوق الأسود» من معطيات وأسرار وفق السياق. ومعنى هذا أن التشويش والضجيج الذى أحدثه التذكير بماضى النهضة وارتباط بعض قياداتها بالعنف سيزعزع قناعات من آمنوا أنها قد تحولت وسيخرجها من دائرة الطهر والاصطفاء والقداسة....إلى دوائر الدنيوى والنجس... بل إنه سيحجب سردية النجاح وتحقيق الانتصارات والتأثير فى الأوساط العالمية المتابعة للمؤتمر ليعيد إلى الأذهان اللبس والشك والريبة. وبين خطاب المدح والثناء والفخر والاعتزاز وخطاب القدح والذم والهجاء خطاب «بَينى» يحاول أن يمسك العصا من الوسط وأن يضغط من أجل ترسيخ مسار المساءلة والمحاسبة والاعتذار فالمصالحة.

أستاذة بالجامعة التونسية

التعليقات