صناعة المشكلات لا حلها - إبراهيم الهضيبى - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 6:02 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صناعة المشكلات لا حلها

نشر فى : الجمعة 30 نوفمبر 2012 - 8:20 ص | آخر تحديث : الجمعة 30 نوفمبر 2012 - 8:20 ص

الإعلان الدستورى الصادر عن الرئاسة عبر عن محاولة واضحة لإعادة إنتاج نظام تسلطى مستبد، وتسبب بما تضمنه وما سكت عنه، فى خلق المزيد من الأزمات فى الساحة السياسية ــ المحتقنة ابتداء ــ بدلا من أن يساهم فى علاج الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية العاجلة والضاغطة.

 

••• 

 

المشهد السابق لصدور الإعلان كشف عن وجود أزمات تستوجب التدخل الرئاسى العاجل؛ إذ أكدت المواجهات الدائرة قرب وزارة الداخلية فى ذكرى مواجهات محمد محمود الحاجة الجادة والعاجلة لتطهير وإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية، كما أعاد حادث قطار أسيوط التنبيه على فشل أجهزة الدولة المصرية واحتياجها لإصلاحات هيكلية، تأتى ضمن مشروع متكامل للعدالة الانتقالية يتناول أربعة ملفات رئيسة (هى الانتهاكات الحقوقية، والفساد السياسى، والاقتصادى، وإهمال مؤسسات الدولة) فيزيل الأسباب الهيكلية التى أدت لوجود المشكلات بها، وأدى تأخر القصاص، والحكم ببراءة جل المتهمين فى قضايا قتل الثوار، وبطء التحقيقات إلى تزايد المطالبات بإصلاح مرفق العدالة ليحقق المطلوب منه.

 

كما استدعت موجة الاحتجاجات الاجتماعية والإضرابات تدخلا من السلطة السياسية، يستجيب لمطلب العدالة الاجتماعية، ويوجد آليات للتفاوض مع المضربين لئلا تتفجر الأوضاع، وظهرت الحاجة لآليات التفاوض أيضاً فى أزمة الجمعية التأسيسية للدستور التى كثرت فيها الانسحابات مع قرب انتهاء عملها، وإضافة لذلك فقد صدرت عن دوائر قريبة من الرئاسة تصريحات متعاقبة عن خطر عودة الفلول للمشهد السياسى، ووجوب التدخل لمنع ذلك.

 

وفى ظل هذا المشهد بدأ الحديث عن إجراءات هامة يتخذها الرئيس لحماية الثورة، فكانت التوقعات أن تشمل الإجراءات إقالة وزير الداخلية مع خطة جادة لإعادة هيكلة الوزارة، وتشكيل لجنة لكشف الحقائق فى الملفات الأربعة للعدالة الانتقالية، وتدخلا رئاسيا أكثر جدية فى التقريب بين المتنازعين فى التأسيسية، واستجابة لمطالب الإضرابات بإعادة النظر فى انحيازات الدولة وأولوياتها فى الإنفاق، وتشريعا يعزل الفلول عن المشهد السياسى، وإصدار قانون السلطة القضائية الذى يضمن استقلال القضاء ويزيح العناصر الفاسدة من المؤسسة.

 

••• 

 

بدلا من ذلك، فاجأ الرئيس الكافة، بإعلان دستورى خرج من غير تشاور مع أى من الأطراف السياسية (بل استبعد جل مستشارى ومساعدى الرئيس من التشاور على النحو الذى أدى لاستقالة بعضهم)، ليجيب عن أسئلة غير التى فرضها المشهد السياسى، بل غير التى مهدت لها ديباجته الثورية.

 

القرارات التى تضمنها الإعلان لم تكن كلها ثورية، فأما ما يمكن وصفه بالقرارات الثورية فإقالة النائب العام (مع التحفظ على كيفية تعيين البديل، الذى جاء باختيار منفرد للرئيس، بعيدا عن المجلس الأعلى للقضاء، على نحو يمنع عنه تمام الاستقلال)، وإعادة محاكمات قتلة الثوار (وهى من باب تحصيل الحاصل، إذ اشترط الإعلان ظهور أدلة جديدة)، وهى قرارات ــ على أهميتها ــ أقل ارتباطا بالأسباب الداعية للتدخل مما سبق.

 

وأما التدخل السياسى فى الإعلان فتمثل فى تحصين الشورى والتأسيسية، الذى لم يصحب ــ ولو من باب ذر الرماد ــ بالكلام عن أى مسعى جاد للرئيس لإعادة المشروعية السياسية التأسيسية التى يحصنها قانونيا فى ظل انسحابات واسعة، على نحو عكس انتصار الرئاسة لحزب الرئيس بدلا من سعيها للوفاء بمسئوليتها فى تقديم المصلحة العامة.

 

والأخطر كان فى القرارات الاستبدادية التى اتخذها الرئيس، بتحصين قراراته كافه من أى مراقبة، وبإطلاق يده للتدخلات فوق القانونية فى كافة المجالات بما منح من صلاحيات، وهى قرارات حاول أنصار الرئيس فى البدء تجاهلها بالتركيز على الثورى من قراراته، ثم اجتهدوا فى تبريرها.

 

وأول ما بررت به القرارات الضرورة، وفيه تدليس لأنها تقدر بقدرها، فلو كان ثمة ضرورة لوجب تحديد نوع القرارات التى توجب الضرورة تحصينها، مع بيان أسباب ذلك، ووضع الضمانات المانعة لإساءة الرئيس استخدام هذه السلطات، كما بررت القرارات بأهميتها فى ظل تسييس القضاء، وهو منقوض بإمكان إصدار قانون للسلطة القضائية يعالج فورا تلك الأزمة، أو باستبدال مواد التحصين بمواد تدخل تغييرات فى بنية المؤسسة القضائية، أو بالاقتصار على مادة إقالة النائب العام، كما برر القرار بالحاجة للتدخل خوفا من عودة الفلول والثورة المضادة، وليس فى القرار ما يشير إليهم، وكان يمكن استبعادهم بتشريع دستورى يعزلهم.

 

وأما الترويج للتحصين باعتباره ضرورة لضمان إنفاذ القرارات الأخرى التى شملها الإعلان فهو من قبيل الخديعة، إذ الإعلان الدستورية تشكل السلطة التشريعية التأسيسية، ولا تخضع ــ من حيث مضمونها ــ لرقابة المحكمة الدستورية، فإن كان الإعلان صحيحا قانونا من حيث الشكل فلا داعى لتحصين مضمونه بمادة من داخله، وإن لم يكن صحيحا من حيث الشكل ــ بأن لم يكن للرئيس الحق فى إصداره بهذا النحو ــ فلن تعصمه مادة التحصين من الرقابة الدستورية.

 

وقبول منح هذه الصلاحيات للرئيس بشكل مؤقت يلغى أى ضمانات للتأقيت، فلا توجد دكتاتورية مؤقتة، والسلطة المطلقة ــ كما تقول القاعدة الكونية المستقرة ــ مفسدة مطلقة، وافتراض مخالفة هذه القاعدة، بدون ضمانات، فقط بإحسان الظن بالرئيس.. تعنى المقامرة بمستقبل الوطن على نحو غير مقبول.

 

•••

 

تحدث الرئيس عقب الإعلان الدستورى، فزاد الأزمة اشتعالا والوضع سوءا، إذ تحدث لا للمصريين وإنما لحشد من أنصاره، متجاهلا مخاوف خصومه وغضبهم، وصور خصومه باعتبارهم أعداء الثورة والفلول (مع أن منهم من سانده فى الجولة الثانية للانتخابات لا لسبب إلا لعزل الفلول)، وانتصر للمؤسسة الأمنية ودافع عن أدائها، فى الوقت الذى كانت فيه تستخدم الغاز المسيل للدموع ضد خصومه، فازداد الاحتقان.

 

وافتعال مثل هذه الأزمات ــ وإن أمكن نزع فتيلها السياسى ــ يعمق الانقسامات المجتمعية، على نحو لا يمكن علاجه بنزع الفتيل السياسى، كما أن لفت الانتباه عن المشكلات القائمة بافتعال مشكلات أخرى يعطل علاج القائمة، فيؤدى لتعمقها، ويؤدى انحياز الرئيس للمصالح الحزبية لحزبه على حساب المصلحة العامة فى تراجع المد الثورى، وفتح مجالات أوسع أمام عودة الفلول لتصدر المشهد السياسى، على نحو يضرب مساعى التغيير فى مقتل.

 

 إن الإعلان الدستورى الصادر عن الرئاسة لا يحقق المصالح التى يدعى السعى إليها، وإنما يكتفى بمحاولة تمكين الرئيس وحزبه؛ فيوجد المزيد من المشكلات فى مشهد يبدو فى كل لحظة أقرب للانفجار من سابقتها.

التعليقات