حول تراجع الدور الروسى فى الشرق الأوسط - محمد السماك - بوابة الشروق
الثلاثاء 14 مايو 2024 11:47 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حول تراجع الدور الروسى فى الشرق الأوسط

نشر فى : الأحد 31 يوليه 2011 - 9:44 ص | آخر تحديث : الأحد 31 يوليه 2011 - 9:44 ص
وسط المتغيرات التى تعصف بالعالم العربى من أقصاه إلى اقصاه، ترتفع علامة استفهام كبيرة حول الدور الذى يلعبه الاتحاد الروسى فى مواكبة الدور الأمريكى المنفرد، والدور الأمريكى الأوروبى المشترك.

لقد كانت موسكو تتمتع بمواقع استراتيجية مهمة فى كل من مصر والعراق وسوريا والجزائر. أما الآن فإنها فقدت هذه المواقع كليا أو جزئيا. ومنذ أن أخرج الرئيس المصرى الأسبق أنور السادات الخبراء السوفييت وتوجه نحو الولايات المتحدة باعتبار أنها تمسك وحدها بتسعة وتسعين بالمائة من أوراق التسوية السياسية فى الشرق الأوسط، انقلبت مصر من حليف لموسكو إلى خصم لها. ولم تتحسن هذه العلاقات فى عهد الرئيس حسنى مبارك بل لعلها ازدادت سلبية وبرودة. وإذا كان من المبكر الآن معرفة ما اذا كان لمصر الثورة من توجه جديد، فان المؤشرات الأولية لا توحى بذلك.

●●●

أما العراق فقد خرج أو أخرج من دائرة التحالف الإستراتيجى مع موسكو، إلى دائرة التبعية للولايات المتحدة، وذلك منذ الغزو الأمريكى للعراق فى عام 2003. وبهذه الخسارة الفادحة لم يعد للكرملين موطئ قدم فى مياه الخليج الدافئة.

وكان الكرملين يتطلع إلى الوصول إلى هذه المياه عبر أفغانستان التى اضطر إلى الانسحاب منها على أيدى من كانت الولايات المتحدة تطلق عليها اسم «المجاهدين»، والذين تسميهم الآن بالارهابيين والمنضوين تحت عباءة حركة طالبان فى كل من افغانستان والباكستان. ومما زاد الطين بلة ان قيام الثورة الاسلامية فى ايران التى قضت على حكم الشاه محمد رضا بهلوى الحليف الاستراتيجى لواشنطن، لم يفتح الطريق أمام الكرملين للوصول إلى مياه الخليج رغم الإغراءات التى قدمها بالمساهمة فى تطوير المشروع النووى الإيرانى (مفاعل بوشهر)، ثم إن وقوف الكرملين إلى جانب طهران دفاعا عن ملفها النووى، يضعه خارج الشرعية الدولية التى تدين إيران على خلفية هذا الملف.

ولعل هذه الوقائع تقف وراء الدفاع الروسى القوى عن النظام السورى الحليف والذى يواجه تحديات داخلية لم يسبق له أن تعرض لها من قبل. فروسيا التى خسرت العديد من المواقع فى الشرق الأوسط ليست مستعدة للتضحية بالحليف الوحيد المتبقى لها فى المنطقة. فهى اذا وافقت على قرار بإدانة سورية فى مجلس الأمن الدولى كما تطالبها بذلك تسع دول أعضاء فى المجلس فى مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، فإنها تدين نفسها ولو بصورة غير مباشرة. ذلك أن إدانة التعامل السورى مع الحركات الاحتجاجية يعيد إلى الأذهان التعامل الروسى مع حركات مماثلة فى الشيشان خاصة فى القوقاز عامة والتى قمعت بأشد أنواع العنف العسكرى.

●●●

ولكن رغم كل هذه التضييقات الخانقة على الدور الروسى فى الشرق الأوسط فإن الكرملين ما انفك يحاول الالتفاف عليها لإعادة اثبات حضوره ولاستعادة دوره. وقد طرح مبادرة لإجراء مباحثات لتسوية سياسية للصراع العربى ــ الاسرائيلى تعقد فى الكرملين. واقترح أن تشترك فيها القوى الأربع الكبرى (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة، إلى جانب الاتحاد الروسى)، ورغم الترحيب العربى بالدعوة، فقد عرقلتها اسرائيل اطمئنانا منها لحال اللا تسوية تحت مظلة دبلوماسية الدوران فى الفراغ التى تقودها الولايات المتحدة. يضاف إلى ذلك ان واشنطن حريصة على احتكار أوراق اللعبة فى الشرق الأوسط، وعلى أن تبقى هى وحدها الممسك بهذه الأوراق، والذى يوزع الادوار على الآخرين، فى الوقت المناسب، وبالثمن المناسب أيضا. كانت ورغم ان الاقتراح الروسى بعقد اللقاء طرح قبل أربع سنوات المرة الأولى فى عام 2007، الا انه لم يبصر النور حتى الآن. ولا يبدو أنه سوف يبصر النور فى المستقبل المنظور!! حتى اليمن الذى كان شطره الجنوبى يشكل قبل الوحدة قاعدة عقائدية وسياسية لموسكو، انتقل بكليته إلى الحضن الأمريكى. فالدور الذى يلعبه السفير الأمريكى فى صنعاء قبل إطاحة الرئيس على عبدالله صالح وبعد انتقاله جريحا إلى السعودية، يكشف عن مدى التأثير الأمريكى المباشر فى عملية اتخاذ القرار السياسى اليمنى.

●●●

لم يبق من الدول العربية التى لا تزال تتمتع بصداقة وثيقة مع الكرملين سوى الجزائر، وإن كان حجم هذه الصداقة فى عهد الرئيس الحالى عبدالعزيز بوتفليقة قد تراجع كثيرا عما كان عليه فى أيام الرئيس الأسبق هوارى بومدين. اضافة إلى ذلك فان الجزائر التى لا تزال تواجه حركات داخلية تطالب بالتطوير والاصلاح، تجد نفسها بين متغيرين أساسيين. الأول ما حدث فى تونس التى وإن كانت قد انقلبت على رئيس موال للغرب هو زين العابدين بن على، فان النظام الانقلابى الذى جاء فى أعقابه لا يقل موالاة للغرب أيضا، إذ سارع الغرب إلى نجدته والى مساعدته معنويا وماليا.. حتى قبل أن يفكر الكرملين فى التحرك. أما الثانى ففى ليبيا التى تحولت إلى مسرح لعمليات حلف شمال الأطلسى ضد العقيد معمر القذافى وقواته وسلطته، وهو الحليف للجزائر، والصديق للكرملين.

لقد حاولت موسكو أن تمسك العصا من الوسط بين القذافى وخصومه، فهى لم تعارض قرار مجلس الأمن الدولى رقم 1973 بالتدخل لحماية المدنيين، ولكنها عارضت طريقة تنفيذه. حاولت أولا الدفاع عن استمرار العقيد معمر القذافى ومصالحته مع معارضيه، إلا أنها اكتشفت أن التطورات تتسارع لمصلحة التغيير المدعوم عربيا واسلاميا، وهو إسقاط النظام جملة وتفصيلا. ولما وجدت أن نظام القذافى فقد صدقيته الدولية وبدأ يتداعى، بادرت إلى نصحه بالتخلى عن السلطة حتى بعد أن استقبلت فى موسكو وفدا قذافيا حاول استدراجها إلى فخ الإغراءات المالية الليبية. إلا أن النصيحة الروسية جاءت متأخرة جدا. وبدت وكأنها تحاول اللحاق بالموقف الدولى ــ الإسلامى ــ العربى.

●●●

وفوق ذلك، وجد الكرملين نفسه، أو لعله وضع نفسه، أمام علامة استفهام كبيرة وذلك عندما دافع عن صربيا فى الوقت الذى كانت قواتها تشن حرب إبادة ضد المسلمين فى البوسنة. ثم دافع عنها ثانية عندما كانت تحتل كوسوفا وتفتك بشعبها. لقد وجد البوسنيون الخلاص من خلال معاهدة دايتون التى اشرفت عليها الولايات المتحدة وعلى أيدى القوات الأمريكية والأوروبية. وحصل الكوسوفار على استقلالهم بعد ان تولى حلف الأطلسى قصف بلجراد للضغط عليها فى الوقت الذى كانت تتمتع بحماية موسكو ودعمها.

ولذلك فإن الدور الروسى فى الشرق الأوسط يحتاج إلى نقد ذاتى وإلى مراجعة شاملة تساعد على رفع علامة الاستفهام المتضخمة!!
محمد السماك كاتب وصحفي لبناني
التعليقات