محمد خان - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 5 مايو 2024 1:46 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

محمد خان

نشر فى : الأحد 31 يوليه 2016 - 9:40 م | آخر تحديث : الأحد 31 يوليه 2016 - 9:40 م
تماما يشبه أفلامه. يتسلل، رقيقا ناعما، ليسكن قلبك وعقلك.. ملامح وجهة شفافة، تعبر بدقة عما يعتمل فى أعماقه. انفعالاته صادقة، يقظة، غنية. تتبدى بوضوح فى لمعان عيونه المنتبهة دائما، المستجيبة لكل مؤثر خارجى، تتحول نظرته، سريعا، من الكدر، الغضب، إلى السلوى، الرضاء.. تسعده النكتة، يعشقها، يدرك عمق مغزاها، ينتشى بقدراتها على الاختزال، التكثيف، إبراز المفارقات.. ما إن تنفرج أساريره بسماعها حتى يرد بواحدة أخرى، أشد سخونة. يلقيها منتشيا، ضاحكا، ناقلا قبسا من البهجة.. نشاطه الحركى، بدنا وروحا، يعبر عن عشق للحياة.

يستيقظ فجرا، تراه خارجا من بوابة فندق الشام بدمشق، تقابله، حاملا لجرائد ومجلات الصباح، متجها إلى أحد مقاهى وهران بالجزائر. يقف طويلا أمام تماثيل مدينة «أوجسبرج» فى ألمانيا.. يسير، فى الشوارع على غير هدى، كما لو أن مخالطة الناس هدف فى حد ذاته.

لا يجلس وحيدا أبدا، بجانبه، على المقهى أو قاعة الاستقبال، بعض من يعرفه أو لا يعرفه، تتصاعد، حرارة المناقشات. يخوضها بحماس، قد تتحول إلى خلافات، ترتفع فيها الأصوات، تنتهى ويتخللها، ضحكات تفيض بالبهجة.

قلما يرتدى الملابس الفاخرة، يتحاشى البزات الكاملة، يتجنب رابطات العنق، لا يرصع أساور قمصانه بأزرار مذهبة.. عادة، يدشن الفانلة أو «التى شيرت»، المريح، فوقه جاكتة بسيطة، بنطال واسح مريح. إنه بسيط، يوحى بالألفة، يبتعد تماما عن التأنق الشكلى التافه.

مثلما يشبه أفلامه، أفلامه أيضا تتطابق معه.. تعرف أنها من إخراجه حتى لو لم تكن ممهورة بتوقيعه.. الشوارع، زحام الطرقات، حركة الحياة، الناس، البنايات المتوسطة والمتواضعة، المقاهى، الكبارى، المشاحنات، اللقاءات العابرة، تنوع الوجوه، ما بين الأطفال العواجيز، ما بين السعداء والحزانى.. كلها، من مفردات سينما محمد خان.

منذ أول أفلامه الروائية «ضربة شمس» ١٩٨٠، انطلق نور الشريف، بدراجته البخارية، فى شوارع القاهرة، طريدا ومطاردا، منتقلا من صراع لمواجهة.. بالتالى، اعتبر امتدادا، بمذاق عصرى، حداثى، لسينما كمال الشيخ، حيث التوتر، الجريمة، التحقيق، تصفية الحساب.

توالت أفلامه، تعمق بعدها الاجتماعى، مع «عودة مواطن» ١٩٨٦، بسيناريو لماح كتبه عاصم توفيق، راصدا فيه، التغيرات الأخلاقية، ذات الطابع السلبى، التى أحدثتها سنوات الانفتاح. العائد، يحيى الفخرانى، يجد أفراد أسرته، سكان الفيللا القديمة، المتداعية، تفرقوا، نفسانيا على الأقل، ما جعله يشرع فى مغادرة الوطن، مرة أخرى.

مع النابه، الموهوب، عاصم توفيق، يقدم «سوبر ماركت» ١٩٩٠، الأقرب لهجائية، تنتقد مجتمعا، أصبح كل شىء فيه، حتى الحب، بين الأب والابنة، الزوج والزوجة، قابلا للبيع والشراء، كما لو أننا نعيش فى «سوبر ماركت» كبير.

النبض السياسى، النقدى، الصائب، تتزايد وتيرته، يصل لذروته، فى «زوجة رجل مهم» الذى كتبه، بفهم إنسانى، رءوف توفيق.

محمد خان، فى هذه الأفلام، وغيرها، مثل «الحريف» ١٩٨٣، الذى كتبه بشير الديك، لا يتوغل فى شوارع القاهرة، وساحاتها الشعبية وحسب، بل يلتفت بقوة إلى العاديين من الناس، بأشواقهم، متاعبهم، متلمسا، قدرتهم على الصمود والبقاء.. يصل هذا التوجه إلى قمته، فى «أحلام هند وكاميليا» ١٩٨٨، بطابعه الشديد الخصوصية، بتفاصيله النفسية، بلحظات البهجة المنتزعة من قلب حياة ضنينة قاسية.. إنه، كما معظم أعماله، لا يشبه إلا محمد خان.
كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات