دعوة لتجاهل الكونجرس الأمريكى - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 5:35 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دعوة لتجاهل الكونجرس الأمريكى

نشر فى : الجمعة 31 أغسطس 2012 - 8:35 ص | آخر تحديث : الجمعة 31 أغسطس 2012 - 8:35 ص

اعتادت أجهزة الدولة المصرية خلال عهد الرئيس السابق حسنى مبارك، ممثلة فى رئاسة الجمهورية ووزارتى الخارجية والدفاع، إضافة للسفارة المصرية بواشنطن، على التعامل مع الكونجرس الأمريكى بطريقة غير مفهومة. فقد حظى أعضاء الكونجرس البالغ عددهم 535 عضوا (100 فى مجلس الشيوخ + 435 مجلس النواب) بمعاملة رسمية غريبة وشديدة التزلف سواء كان ذلك فى القاهرة أو حتى فى واشنطن.

 

ويعد الكونجرس الجهة الأمريكية الأكثر جهلا بطبيعة القضايا العربية وبحقيقة الأوضاع المصرية، إذ يضم بعض النواب ممن ليس لهم أى معرفة بالعالم الخارجى، وبعضهم لم يسبق لهم السفر للخارج قبل انضمامهم للكونجرس، كما أنه يعد الجهة الأكثر تمثيلا وانصياعا  لمصالح جهات اللوبى الأمريكية القوية والأكثر نفوذا، والذى يأتى على رأسها اللوبى اليهودى المؤيد لإسرائيل عندما يتعلق الأمر بقضايا الشرق الأوسط. من هنا أصبح الكونجرس الجهة الأكثر تطرفا فى إطلاق تهديدات متكررة لقطع المساعدات العسكرية والاقتصادية التى تقدم سنويا لمصر. واتخذ الكونجرس خلال الثلاثين عاما مواقف متشددة، وشهد نقاشات يراها الكثيرون أكثر تطرفا مما تشهده مناقشات الكنيست الإسرائيلى  نفسه فيما يتعلق بالشأن المصرى.

 

•••

 

وللأسف استثمرت الدولة والدبلوماسية المصرية الكثير من مواردهما المادية والبشرية فى محاولات خاسرة لكسب «أصدقاء لمصر داخل الكونجرس!». وأنفقت الخزانة المصرية ملايين الدولارات على شركات اللوبى وشركات العلاقات العامة من أجل تحسين صورة مصر فى واشنطن خلال السنوات الماضية رغم عدم وجود عائد ملموس لهذه الجهود. كذلك ركزت السفارة المصرية جهودها بصورة مبالغ فيها، ومازالت، على مجلسى الكونجرس، بدلا من تركيز مواردها على مراكز الأبحاث والجامعات، ووسائل الإعلام.   

 

القاهرة كانت تشهد لقاءات لأى زائر من أعضاء الكونجرس مع الرئيس السابق حسنى مبارك، وأتبع خطى مبارك كل وزراء الخارجية فى عهده. وفى الوقت ذاته لم تعبر دوائر السلطة وصنع القرار فى واشنطن عن أى اهتمام حقيقى بزيارات أى من أعضاء مجلسى الشعب والشورى للولايات المتحدة، ولم يعرف أن أحدا منها قابل الرئيس الأمريكى أو حتى وزير الخارجية أثناء زياراتهم. 

 

ولم يقتصر التزلف والمبالغة فى التعامل مع أعضاء الكونجرس أنفسهم فقط، بل امتد ليشمل المساعدين لهم. ولكل عضو فى الكونجرس عشرات المساعدين ممن يبلغ سنهم أحيانا عشرين عاما فقط، والأمر كذلك بالنسبة للجان المختلفة فى مجلسى النواب والشيوخ، إذ يصل عدد العاملين بهذه اللجان لعدة آلاف من المساعدين.

 

ويتحدث بعض المساعدين الصغار ممن أقابلهم فى واشنطن باستغراب من حجم الحفاوة والاهتمام التى يلقونها فى القاهرة من مستضيفيهم ومن يقابلونهم من كبار المسئولين المصريين.

 

من ناحيته لم يترك الكونجرس فرصة أثناء حكم الرئيس السابق حسنى مبارك، أو بعد سقوطه، إلا وهدد وطالب بضرورة اتباع مصر سلوكا معينا وإلا فسيوقف المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر. من اعتقال أيمن نور، أو سجن الدكتور سعد الدين إبراهيم، مرورا بضرورة تأمين حدود إسرائيل، ووقف التعامل مع حماس، ووصولا إلى ضرورة التدخل لوقف العداء للسامية وإسرائيل فى الصحف المصرية. وخلال فترة حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، طالب أعضاء بالكونجرس بضرورة وقف المساعدات على أثر تفجر قضية المنظمات الأمريكية العاملة فى مصر فى بدايات هذا العام، ومحاكمة بعض العاملين فيها. ثم وصلت شروط الكونجرس إلى المطالبة بشرط  العلانية والرقابة المدنية على ميزانيتى الشرطة والجيش المصريين كشرط لتلقى مساعدات عام 2013.

 

•••

 

وعلى النقيض من الدور المحورى الذى يلعبه الكونجرس فى السياسة الأمريكية إذ يمثل السلطة التشريعية ذات الاختصاصات الواسعة والتى من أهمها ما يتعلق بالموافقة على الميزانية العامة للدولة، وعلى تقديم المساعدات الخارجية، يكون للكونجرس دور هامشى فيما يتعلق بالعلاقات الاستراتيجية والاستخباراتية بين واشنطن وغيرها من العواصم الهامة التى تجىء القاهرة على رأس قائمتها. ويلعب الدور الرئيسى فى هذه الملفات البيت الأبيض ووزارة الدفاع وأجهزة الاستخبارات.

 

ويدل إبقاء الرئيس الأمريكى باراك أوباما على نفس مستوى المساعدات المفترض تقديمها لمصر العام المقبل 2013 عند 1.3 مليار دولار للمساعدات العسكرية و250 مليون دولار للمساعدات الاقتصادية، على عدم استعداد واشنطن للمخاطرة بمصالحها فى المنطقة بوقف مساعداتها لمصر. ولم يقتصر الأمر على الرئيس الديمقراطى أوباما، فالجمهورى جورج بوش ومن قبله الديمقراطى بيل كلينتون ومن قبله الجمهوريان جورج بوش الأب ورونالد ريجان لم يوقفوا المساعدات لمصر. وجاء تحذير رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسى للكونجرس واضحا إذ عبر عن معارضته الكبيرة لأى قطع فى المساعدات العسكرية لمصر، «أقول لكم إننى لا أعرف إلى أين سيأخذنا ذلك!». واشنطن تخشى خسارة الحليف المصرى، وذلك على الرغم مما نشهده من تهديدات الكونجرس المتكررة بقطع المساعدات العسكرية لمصر، لم تجرؤ واشنطن على هذه الخطوة قبل الثورة، ولن تقدم عليها بعدها. لم يستوعب الكونجرس بعد ما يراه صدمة نتائج أول انتخابات حرة فى التاريخ المصرى، والتى نتج عنها فوز أحزاب سياسية ذات توجهات إسلامية مثل الإخوان والسلفيين بأغلبية البرلمان، وفوز رئيس من قادة جماعة الإخوان المسلمين بالرئاسة.

 

•••

 

واليوم يدرك الكونجرس الأمريكى أنه يواجه مستقبلا مختلفا فى علاقاته بمصر. لقد نجحت ثورة مصر فى فرض معادلة جديدة أصبحت فيها جموع الشعب المصرى أهم لاعب فى الحياة السياسية الجديدة. ويطرح هذا كله عدة تساؤلات حول ضرورة تغيير نمط علاقة الدولة المصرية وأجهزتها الدبلوماسية بالكونجرس، كى تصبح فى النهاية علاقة ندية قائمة أساسا بين برلمانيين منتخبين. محاولات البحث عن أصدقاء داخل الكونجرس هو بحث عن سراب! مفتاح الكونجرس الخاص بمصر موجود بصورة رئيسية فى أدراج مكاتب منظمة آيباك. وحتى بين أكثر أعضاء الكونجرس حكمة مثل جون ماكين (جمهورى ــ أريزونا) وجو ليبرمان (مستقل ــ كونيتيكت) وجون كيرى (ديمقراطى ــ ماساشوستس) فيؤكدون أهمية حفاظ مصر على «التزاماتها تجاه إسرائيل» كشرط للحكم على أفعال مصر تحت حكم الرئيس الإخوانى محمد مرسى.

 

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات