حماية الدولة وقتل الوطن - رباب المهدى - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 8:10 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حماية الدولة وقتل الوطن

نشر فى : السبت 31 أغسطس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 31 أغسطس 2013 - 8:00 ص

من المشاهد الكلاسيكية فى الأفلام العربية القديمة مشهد الطبيب خارجا من غرفة العمليات ليقول جملته الشهيرة «ضحينا بالجنين علشان الأم تعيش» ثم ظهرت السخرية من هذه المقولة لتصبح «ضحينا بالأم والجنين علشان الدكتور يعيش». أتذكر هذه المقولة كلما سمعت أبواق الدعاية الفجة تبرر عودة ممارسات القمع والقتل والتحريض بدعوى الحفاظ على الدولة فى مواجهة الإخوان. والحقيقة أن هذه الممارسات لا تحمى سوى جهاز القمع وليس الدولة وبالتأكيد لا تحمى المجتمع أو الوطن كمكان للعيش المشترك وإعلاء قيم المواطنة من عدل ومساواة.

هناك مجموعة من الحقائق نسيناها أو تناسيناها فى ظل الغضب الشعبى على الإخوان وهو عضب مستحق فالإخوان كانوا من الصلف والعناد ومحاولة تسخير الدولة وأليات القمع لخدمة مشروعهم بشكل جعل التعاطف معهم مستحيل، ولكن هناك فرق بين التعاطف مع الإخوان وهى عاطفة لا يملكها معظمنا وبين الإصرار على شكل دولة ووطن يلبى طموحاتنا.

 فمحاربة الدولة الأمنية وممارسات القمع لا يصب فى مصلحة الإخوان ولكن فى مصلحة ثورة كان شعارها الكرامة الإنسانية وأهم أيقوناتها شاب قتل من تعذيب الشرطة (خالد سعيد)، وكان من ضمن أسباب الثورة على حكم الإخوان بقيادة محمد مرسى هو تواطئهم مع الداخلية فى قتل ثوار مثل جيكا والجندى وأبوضيف. ولنتذكر أنه فى التسعينيات من القرن الماضى حينما شن نظام مبارك ما أسماه الحرب على الإرهاب ــ وهو نفس المصطلح الذى يستخدمه النظام الحاكم الآن ــ وفى ظل عنفوان الداخلية وصغر عدد الجماعات المسلحة مقارنة بعدد جماعة الإخوان المسلميين، كان ثمن هذه «الحرب» ليس فقط أرواح كثير من المصريين مسلمين ومسيحيين عزل ولكن ثأر واسع فى الصعيد بين الأهالى وجهاز الشرطة، وتعميم لأستخدام التعذيب فى أقسام الشرطة كجزء أصيل من الآمن الجنائى وليس فقط محاربة الإرهاب، وإنقضاض على هامش الديموقراطية فمنعت صحف ومنع نظام انتخاب عمداء الكليات وعمد القرى وأغلقت جمعيات أهلية حقوقية وحوصرت الأحزاب فى مقارها كان كل ذلك تحت شعار لا صوت يعلو على صوت المعركة مع الإرهاب. وحتى فى هذه الفترة لم يكن الحل الأمنى وحده كافيا بل أضطر النظام للالتجاء لحلول سياسية مثل المراجعات.

●●●

 هناك ثورة قامت فى ٢٥ يناير ٢٠١١ ولم يكن الإخوان وقتها فى الحكم، أسباب هذه الثورة من غياب للعدالة الأقتصادية وغياب دولة العدل والقانون والفقر وأنهيار نظامى التعليم والصحة مازالت قائمة. وتظل خطيئة الإخوان الكبرى هى أنهم تعاموا عن هذه المشاكل طمعا فى توطيد دعائم حكمهم. وبالتالى فمحاولة اختزال مشاكل مصر فى الخلاص من الإخوان هو إعادة إنتاج لنفس خطابهم وممارساتهم فى الحكم ولكن مع استبدال الشعارات الدينية مثل تطبيق الشريعة بشعارات قومية فارغة مثل مصر فوق الجميع والحفاظ على الدولة والأمن القومى. والحقيقة أن هذه الشعارات ليست فقط جوفاء ولكنها شعارات خطيرة لأن مصر مثل أى بلد لا تكون بغير مواطنيها وليست فوق أو تحت البشر الذى يسكنها ولكن قيمتها تنبع من قدرة هؤلاء المواطنين على العيش بكرامة ومساهمتهم فى الحضارة الإنسانية وأمنها القومى لا يهدده فقط الإرهاب المسلح ولكن أيضا التحريض المجتمعى الذى مارسه نظام الإخوان ضد الشيعة والمسيحيين ويمارسه النظام الحالى وإعلامه ضد كل رأى مخالف. كما أن الدولة القومية، هذا الاختراع الحديث نسبيا فى تاريخ البشرية إنما أخترعت لتيسير حياة البشر (حتى ولو بشكل جزئى طبقا لبعض النظريات) وليس لعبادتها.

الخوف هنا ليس على الإخوان المسلمين ولكن على وطن يصبح فيه الدفاع عن حقوق الإنسان تهمة (كما يروج الإعلام) وتصبح فيه المبادئ سبة ويصبح فيه الخوف من الإخوان وعودتهم للحكم مصوغا لإضاعة كل ما طلبت به الثورة وما جعل المصريين يثورون على حكم الإخوان. الخطر ليس عودة الإخوان للحكم لأن الجموع التى خرجت ضدهم فى ٣٠ يونيو لن تسمح بذلك مرة أخرى ولكن الخطر الأشد هو استغلال أجهزه القمع للإخوان كحصان طروادة الذى عن طريقه تتم عسكرة الدولة والمجتمع بشكل يصعب معه الحديث عن أى مسار ثورى ديمقراطى فمن تعيين ١٨ محافظ من اللواءات لاستعانة وزارة التربية والتعليم بمستشاريين من العسكريين لحملة التحريض والتخوين التى يشنها الإعلام.

●●●

ولكن ما العمل إذا فى ظل إصرار الإخوان وحلفائهم على استخدام العنف تارة واستدعاء خطاب الشرعية الزائف مرات؟ أولا علينا التمسك بدعم خيار المسار الديمقراطى الذى طرحة الجناح المدنى فى النظام الحالى بقيادة د.زياد بهاء الدين، فهذا المسار أكبر من فكرة المصالحة مع الإخوان أو محاولة إدماجهم فى الحياة السياسية (التى مازالت غير ممكنة) ولكنه مسار يؤكد على ما بدأناه فى ٢٥ يناير ٢٠١١ وتحالف الإخوان مع المجلس العسكرى لإسقاطه. هو مسار بناء دولة فى خدمة مواطنيها والخروج بالديمقراطية لما هو أبعد من فكرة الصناديق الانتخابية (وإن كان يشملها)، مسار سياسى يضمن أن تكون هناك قواعد تمكننا من محاسبة كل مخطئ دون اللجوء لفكرة العقاب الجماعى وتضمن أن تكون هناك مؤسسات لا يملكها فصيل بعينه. وعلى الرغم من أن هذا المسار يظل مجرد خطوط عامة إلا أنها مسئولية القوى السياسية ترجمته لمطالب وآليات محددة ورفع سقف طموحاتها بعيدا عن تصور أن ما تحتاجه مصر هو فقط الحل الأمنى. أما القوى الثورية فعليها تنظيم صفوفها بعيدا عن الإخوان وحلفائهم ولكن ليس بعيدا عن المبادئ التى قامت عليها ثورة ٢٥ يناير فلم يكتب علينا أن يكون خيار هذه الثورة بين نظام أمنى بائس أو نظام إخوانى أبأس ولكن بلورة خيار ديمقراطى جذرى بعيدا عن دولة الطوائف التى شجعها الإخوان ودولة الأمن التى أسسها مبارك هى مسئولية هذه القوى.

البشر قبل الدولة وبعدها.

 

أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الامريكية

التعليقات