فلسفة فرض الضرائب فى مصر - عمر الشنيطى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 3:00 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فلسفة فرض الضرائب فى مصر

نشر فى : السبت 31 أكتوبر 2015 - 1:45 ص | آخر تحديث : السبت 31 أكتوبر 2015 - 1:45 ص

أثارت ضريبة تذاكر السفر موجة من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعى. الواقع أن تلك الضريبة معمول بها منذ فترة والقرار جاء لزيادة تلك الضريبة بشكل محدود التأثير على أسعار التذاكر، إضافة إلى أنه لا يسافر خارج مصر إلا نسبة ضئيلة من السكان. تشير موجة الاعتراض إلى خوف الناس من تطبيق حزمة من الضرائب فى الفترة القادمة مما يؤثر على دخل الناس الحقيقى، بينما ــ على التوازى ــ قامت الحكومة فى مطلع العام بتخفيض الضريبة على الشركات وتوحيدها لتقف عند ٢٢٫٥٪ فقط مما يوحى بغياب رؤية ضريبية متوازنة.

النظر للمالية العامة للدولة يوضح ارتفاعا كبيرا فى عجز الموازنة. فقد سجل البيان الختامى للعام المالى الماضى عجزا قدره ١٢٫٣٪ بينما كان المستهدف ١٠٪ فى بداية العام على الرغم من قيام الحكومة بخفض دعم الطاقة وانخفاض أسعار البترول بشكل كبير خلال العام. كما أن الشهرين الأولين من العام المالى الحالى قد شهدا إجمالى عجز وصل إلى ٦٨ مليار جنيه. فإذا استمر الحال على ذلك النحو، فإن العجز النهائى لهذا العام المالى سيتراوح بين ٣٥٠ــ٤٠٠ مليار جنيه وهو أعلى بكثير من المستهدف وسيزيد من عبء تمويل عجز الموازنة محليا. وإذا كانت الحكومة عملت على خفض النفقات وعلى رأسها الدعم فى العام الماضى، فإنها بالتأكيد ستلجأ هذا العام لزيادة الإيرادات الضريبية عن طريق فرض ضرائب جديدة ورفع كفاءته تحصيل الضرائب.

جدير بالذكر أن الحصيلة الضريبية تمثل قرابة ٦٨٪ من إجمالى إيرادات الموازنة لكنها على الناحية الأخرى تمثل ٤٩٪ من إجمالى المصروفات و١٥٪ فقط من الناتج المحلى هذا العام وهى نسب متواضعة مقارنة بدول مماثلة. كما أن الاقتصاد غير الرسمى يمثل نسبة لا يمكن الاستهانة بها تقدر بنحو نصف الاقتصاد الرسمى وبطبيعة الحال لا يتم تحصيل ضرائب من ذلك القطاع مما يجعل من الضرورى العمل على دمجه وتحصيل ضرائب منه ولعل ذلك هو الهدف الأساسى من تطبيق ضريبة القيمة المضافة التى تم الإعلان عنها أخيرا. لكن هناك الكثير من المخاوف من تطبيق تلك الضريبة لما لها من أثر سلبى على ارتفاع الأسعار.

***
وبما أن الحكومة عليها العمل على زيادة الضرائب والتى مازالت فى مستويات منخفضة مقارنة بحجم الاقتصاد لخفض عجز الموازنة، فإن الفترة القادمة ستشهد بلا شك تطبيق للعديد من الضرائب الجديدة وكذلك العمل على توسيع القاعدة الضريبية (الأفراد والمؤسسات التى تدفع ضرائب) لزيادة الحصيلة الضريبية فى النهاية. وهذا التوجه الحتمى يطرح سؤالين هامين.

الأول: ما هى فلسفة النظام الضريبى فى مصر؟

يتعامل الناس فى مصر مع الضرائب على أنها شر لا بد منه. وتنبنى هذه النظرة على فكرة أن الضريبة حق للدولة وعلى المواطن أن يدفعها طالما يعيش فى الدولة أو يحمل جنسيتها بدون ربط الضرائب بمستوى الخدمات. ولعل هذا التصور هو السبب وراء تهرب الكثير من الأفراد والشركات من دفع الضرائب طالما كان ذلك متاحا. لكن تلك النظرة ليست بالضرورة النظرة الصحيحة. فالمواطن يقوم بدفع قيمة الخدمات الخاصة من أكل وشرب وملابس بشكل مباشر. بينما من المفترض أن الضريبة المحصلة هى ثمن الخدمات العامة من طرق وكبارى وأمن حيث تستخدم الحكومة الضرائب لتقديم تلك الخدمات. ومن هذه الزاوية، كلما شعر المواطن بتحسن الخدمات كلما انخفضت رغبته فى التهرب الضريبى.

من ناحية أخرى، الضريبة تعتبر إحدى وسائل السياسية المالية التى تستطيع الدولة استخدامها لتشجيع الاقتصاد وإعطاء ميزة تنافسية لبعض القطاعات مثل تشجيع المشروعات المتوسطة والصغيرة وتشجيع الشركات فى الصعيد وتشجيع مشروعات الطاقة المتجددة وهو ما يغيب عن السياسة الضريبية حاليا. مما سبق يتضح أن الضرائب يمكن النظر لها على أنها أكثر من مجرد شر لا بد منه لكن فى واقع الحال الفكرة الطاغية على المشهد المصرى هى فكرة حق الدولة فى فرض الضرائب وهو بالتأكيد أمر سلبى يحتاج لإعادة النظر سواء فى هيكلة النظام الضريبى أو فى التواصل مع المواطنين.

الثانى: ما هو توزيع العبء الضريبى على طبقات المجتمع؟

مع الحاجة لزيادة الحصيلة الضريبية، قامت الحكومة أخيرا بتخفيض الضريبة على الشركات عند مستوى ٢٢٫٥٪ آملة أن يؤدى ذلك لتشجيع الشركات على الاستثمار مما يؤدى لتحفيز النمو وخلق فرص عمل وزيادة أرباح الشركات بشكل كبير يزيد من الحصيلة الضريبية النهائية على الرغم من خفض نسبة الضريبة. وعلى الرغم من أن هذه النظرية ثبت قابلية تطبيقها فى مصر فى منتصف العقد الماضى إلا أن هناك علامات استفهام حول إمكانية تكرار نفس التجربة الآن فى ظل تراجع الاستثمارات الأجنبية بسبب وضع الاقتصاد العالمى المتقلب ووضع المنطقة السياسى الملتهب. ولذلك فإن خفض نسبة الضريبة الآن قد يكون له أثر سلبى على الحصيلة الضريبية بينما الأثر الإيجابى سيحتاج عدة سنوات للظهور.

من ناحية أخرى، سيكون على الحكومة العمل على زيادة الحصيلة الضريبية من فئات أخرى فى المجتمع ومن الواضح أن إحدى هذه الوسائل هى ضريبة القيمة المضافة والتى من المتوقع أن تضم جزءا من الاقتصاد غير الرسمى للحصيلة الضريبية وتحد من التهرب الضريبى بشكل فعال لكن ذلك سيأتى على حساب ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية فى السوق والتى يزداد أثرها كلما انخفض دخل الفرد نظرا لعدم قدرة محدودى الدخل على امتصاص ارتفاعات الأسعار. كما أن ارتفاع الأسعار سيؤدى لتآكل القوة الشرائية للطبقة المتوسطة والتى كانت العماد الذى يستند عليه الاقتصاد فى التصدى للتحديات الاقتصادية الكبيرة التى شهدها فى السنوات الأخيرة.

إذًا، التصور الضريبى الحالى سيحفز المستثمرين وسيؤدى لزيادة الحصيلة الضريبية على المدى المتوسط والبعيد بينما يخفض من القوة الشرائية للطبقة المتوسطة على المدى القصير. وفى وقت أصبح فيه لا مناص من زيادة الإيرادات الضريبية للسيطرة على عجز الموازنة، قد يكون من الحكمة إعادة النظر فى فلسفة النظام الضريبى والعمل على توزيع عبء الضرائب على فئات المجتمع بشكل متوازن دون المزيد من المساس بدخل الطبقة المتوسطة والإفقار لمحدودى الدخل.

 

عمر الشنيطى المدير التنفيذي لمجموعة مالتيبلز للاستثمار
التعليقات