خليل الوافي: ربيع الشعر لا يختلف كثيرا عن الربيع العربي - منبر الشروق - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 5:21 م القاهرة القاهرة 24°

خليل الوافي: ربيع الشعر لا يختلف كثيرا عن الربيع العربي

نشر فى : الأربعاء 21 مارس 2012 - 12:10 م | آخر تحديث : الأربعاء 21 مارس 2012 - 12:20 م
لا مجال للحديث عن صدمة الحداثة في الشعر وأثرها البالغ في المتن الثقافي الذي تأثر بشكل كبير في تغيير مفهوم الأنماط السائدة
لا مجال للحديث عن صدمة الحداثة في الشعر وأثرها البالغ في المتن الثقافي الذي تأثر بشكل كبير في تغيير مفهوم الأنماط السائدة

لم يعد الشعر قادرا على تحمل مسؤوليته في مخاطبة الوجدان العربي، كما كان في فترات أوجه إشعاعه الأخاذ في شبه الجزيرة العربية، وامتداده عبر قرون متلاحقة، عرف فيها الشعر العربي تحولات وجدالات حادة للحفاظ على الشكل والبناء للقصيدة العمودية.

 

وسرعان ما تغير مفهوم الكتابة الشعرية بعد صدمة الحداثة الغربية التي اثرت بشكل كبير في بنية الشعر ومسالك التعبير وخصوصية التربة الشعرية، التي وجدت نفسها تنساق نحو شعرية النص، والقطع مع أصناف الماضي والانغماس في تجربة مهووسة بالتحرر المطلق من القوالب الجاهزة.

 

والأنماط التراثية التي لا تنسجم والمرحلة الانتقالية التي أحدثتها تشوهات العولمة على الصعيد الثقافي، وفي مناحي أخرى من ضروب المثاقفة، وطمس هوية الثقافات المحلية التي تزخر بها الأقطار العربية في التنوع والفرادة والجمالية الراسخة في التنوع التراثي، والإبداعي الذي تزخر به هذه الفنون مجتمعة.

 

ولا مجال للحديث عن صدمة الحداثة في الشعر، وأثرها البالغ في المتن الثقافي الذي تأثر بشكل كبير في تغيير مفهوم الأنماط السائدة، التي تتلاشى ومتطلبات المرحلة الانتقالية التي دشنتها نازك الملائكة وبدر شاكر السياب في منتصف القرن الماضي.

 

وأعقبتها محاولات جريئة في أنساق السرد المختلفة، أفرزت فيما بعد قصيدة التفعيلة والشعر الحرة، وأخرى سميت بقصيدة النثر التي أحدثت انقلابا عميقا في مسار الكتابة الشعرية الحديثة، وسال من أجلها الحبر الغزير بين رافض وآخر مقتنع بحركية التاريخ في التغيير.

 

واستقبال الوافد الجديد الذي ترعرع في مناخ لا ينسجم والتربة الصحراوية الجافة حيث تغتزل معاني وبطولات، وقصص الشعر الجاهلي بكل تركيبته الضاربة في عمق الذات العربية التي كانت تضع الشعر في مراتب عالية، وطقوس قدسية في أسواق الكلام البديع والذوق الراقي الجميل، والتي تمتاز بها المنطقة العربية.

 

لكن أثر التغيرات التي وقعت في منظومة الوعي الفكري والثقافي عند الشاعر الحداثي الذي استهلك تيمات الانزياح النصي عن الموروث الثقافي التقليدي، جعلته ينساق وراء كل ما هو جديد، يضع قطيعة ابستمولوجية مع الماضي، والركض وراء المحدث والمتغير، ودخلنا إلى عالم شعري لا يؤمن بقاعدة الأشياء، ولا تحت اسم معين سرعان ما يقفز في تجريب أشكال تعبيرية لا تختلف عن ما كان يكتبه بالأمس القريب.

 

الشعر معروف بثورته المتصاعدة في القصائد الثورية ضد الاستعمار الأجنبي، وتحريك الهمم في حركات التحرير، ومقاومة المحتل ولم ينحصر دوره هنا، بل تجاوز حدود الواقع المرير ليخاطب الوجدان والقلوب المتعطشة لتذوق معاني الحب والإخلاص وحب الوطن وتربية النفس على فعل الخير والسمو بالمشاعر الإنسانية إلى مراتب متقدمة.

 

وصقل الروح الوطنية في النفوس ورفع معنويات الجنود في ساحة المعارك وتربية الأجيال على تذوق الشعر وفتح المجال أمامه ليعبر عن هموم الناس وتفعيل منظومة القيم النبيلة ضمن مقرارات التربية والتعليم، وعدم المصالحة مع الشعر يضعونه في درجات متأخرة في الوعي الأخلاقي بقضايانا المصيرية، التي نحتاج فيها إلى الكلمة الهادفة، والصورة التي تحمل معاني الإنسان في الدفاع عن التوابث الراسخة ومعانقة أسباب النجاح في مجالات الحياة المختلفة.

 

الشاعر لم يعد ابن بيئته، بل تجاوز حدود المكان وجغرافيا الأحداث، وانصهر في عوالم تختلف عن واقعه المحلي والتطلع لمشاكسة هموم الآخرين بدافع قومي أو من خلال تعاطف إنساني مع قضايا الناس في مواطن مختلفة، وإحساسه النبيل بالتأثر ورد فعله حول ما يجري من حوله، ودفع الشعر الحديث إلى رفع شعار التحدي، ومواكبة التحولات الشعرية وانتقل يحفل بالأقنعة والمرايا والأصوات المتداخلة.

 

كما عبرت عن ذلك خالدة سعيد في إحدى مداخلاتها في مجلة فصول، وأمام هذا الانقلاب النصي عن أشكال القول المتداولة ما يزال الشعر الحديث يبحث عن نفسه ضمن حركة الثورة المعرفية والمعلوماتية، والتطورات المتسارعة لفك القيود على أسباب النشر بشكل سريع لا ينتظر الحصول على موافقة جهة بعينها، بقدر ما يحتاج إليه، هو وضع أصبعه على الزر ليدخل عالم النشر والقراءة من أوسع أبوابه.

 

الشعر منفي في وطنه، ولا يحتاج إلى من يحتفى به، يعيش غريبا ويموت غريبا، هو الشاعر العربي الذي يعيش غربته الأسطورية في غياب وسائل الدعم، وتباطؤ المؤسسة الثقافية في إشعاع ثقافة الشعر والأدب في شتى دروب الحياة الاجتماعية والتربوية والسياسية.

 

وكأن السلطة في خصام دائم مع أشكال التعبير الإبداعي الذي يخدم مصالح البلاد، وتعزيز ثقافة الحوار التي تختزلها الذاكرة الثقافية، وتعرضها للحرمان والتهميش والتمييز بين مثقف السلطة والمثقف الحر الثائر.

 

يرفض سلوك السلطة ويكشف عيوبها. وحقيقة التوجهات الفكرية التي تعتمدها سياسات الاهتمام بالحقل الثقافي لأكثر من دولة عربية وتشجيع الرقص والغناء وتوفير جميع الوسائل لإنجاح المهرجانات الفنية دون ذكر ولو فقرة على الهامش تحتفي بالشعر والشعراء.

 

إننا نعيش عصر الانحطاط الثقافي في زمن الكلمات المبتذلة في أسواق المجون وثقافة العري والاهتمام بمحاسن المراة واختيار الجميلات والحسنوات، ويظل الشاعر المغمور يتسول لقاء في نادي أو في مركز ثقافي، ويدق أبواب النشر والتعريف به ويصطدم بواقع معروف مسبقا في توفير مبالغ خاصة لتسديد نفقات الطباعة والنشر والتوزيع.

 

وتضيع القيمة الفكرية والجمالية والإصرار على معالجة قضايا الأمة بروح من المسؤولية التي تميز الشاعر العربي في التقاط نبض الشارع، والتحليق في كواكب المحبة والتأخي في أحلى صور الإبداع، التي نلمسها في القصائد التي ترقب الأتي بكل تفاؤل وتوقا لاكتشاف خبايا الذات ومكامن الرغبة الجامحة في الحصول على الأفضل.

 

وتوسيع المخيلة الإبداعية عند الشعراء الشباب، وتحريك دور النقد والنقاد في رسم معالم التجربة الشعرية ضمن مسارها الصحيح وتوسيع حركة النقاش الأدبي حول النصوص الشعرية المتراكمة تنتظر دورها من أجل قراءة نقدية تساهم في صقل المواهب.

 

والرفع من قيمة اللغة العربية التي تعيش حربا، تدافع عن وجودها في أرض تتكلم عربي، كما لخصها المرحوم السيد مكاوي في إحدى أغانيه الملتزمة، والحفاظ عليها من الغزو الثقافي الغربي، وبكل القيم الوافدة، والمستوردة ثقافيا، مثل المجلات والكتب والجرائد، وإعلام سمعي ـ بصري هائل يعمل على توجيه الثقافة في تجاه واحد، يخدم مصلحة الغرب في طمس الهوية العربية بكل موروثها الأدبي، وتاريخها العريق في خدمة الثقافة العربية التي تحتاج جهود جبارة لإعادة النظر في طرق تصحيح المسار، وفتح الآفاق الرحبة أمام الشاعر العربي.

 

الشعر لا يخضع لمنطق التخلف والتقدم، هو قائم باستمرار في نقض واقع منفلت، تتحكم فيه أيادي خفية تحدد ملامحه بثقل السياسة، ومفاتيح صناعة القرار الذي يقصي الشعر خارج دائرة المشاركة، والتهميش لعناصر الوعي الانتقالي الذي تؤمن به الكتابة الشعرية، وينضاف إليه المأزق الذي يعيشه الشعر في ظل ربيع الثورة، وغياب الثقف العربي في المشهد الحركي الذي غير مفهوم الاحتجاج.

 

وظل المثقف خارج زمن التحولات الشعبية، التي اندلعت داخل الشارع العربي، وجاءت بعض التصريحات مخيبة لآمال الجماهير العريضة، والتي أحدثت فجوة عميقة بين المواطن العادي والمثقف السلبي، وخير مثال ما جاء به أدونيس -إدوار أحمد سعيد - حول موقفه من الثورة السورية، وتخوفه السوريالي من المد الإسلامي في الوطن العربي.

 

وفرض مظاهر العلمانية على شعوب المنطقة التي تعتمد على الإسلام ضمن التوابث الأساسية في الحضارة العربية، حيث كانت إطلالته في برنامج حواري مع الإعلامية زينة اليازجي، وفي ضوء إنطلاق العام الثاني من الأحداث في سوريا، والتراكمات المأساوية التي حدثت طيلة هذه الفترة، فإن أدونيس يبدو خارج النص العربي، وخارج زمن الثورة.

 

ولم يكن مسؤولا أمام التاريخ، وأمام الذاكرة العربية، والثابت المتحول في صدمة الشعب السوري حيال خذلان المثقف لمسؤوليته في نصرة الحق، والدفاع عن حقوق الإنسان في أبعادها الأخلاقية.

 

والإبداع هو شعور بالحياة، دائم التجدد في سيرورة الوجدان، والانفعالات المسؤولة لتصحيح الأخطاء، والتنبيه إلى خصوصية الفعل الشعري في منطقة تزخر بلغة فضفاضة تحتمل كل الممكنات، وإلهام يفوق أحلام الشعراء في تهذيب أذواق البشر.

 

والشعر باق، يفرض وجوده رغم الحصار المضروب عليه من نواحي كثيرة، وهو يستمد قوته من إصراره القوي في ترسيخ مبادئ الحق ومحاربة الظلم والدفاع عن قيمة الإنسان التي تعتبر محور الوجود كله.

شارك بتعليقك