مشاركة مجتمعية تزيل الظلم وتحقق العدالة - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 6:09 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مشاركة مجتمعية تزيل الظلم وتحقق العدالة

نشر فى : الخميس 24 أبريل 2014 - 6:25 ص | آخر تحديث : الخميس 24 أبريل 2014 - 6:25 ص

إن إزالة المظالم تمثّل المدخل العملى والواقعى للاقتراب من تحقيق العدالة، وبالتالى يجب أن يكون بندا مستقلا فى جدول أعمال الحياة السياسية العربية، وبالتالى منطقيا أن يطرح السؤال التالى:

ما الوسيلة الأنفع والأجدى لإزالة المظالم ودحر الظالمين؟ جواب التاريخ والمنطق يؤكد أن الوسيلة الأنجع هى وسيلة المشاركة الشعبية المجتمعية المنظّمة الفاعلة. ذلك أن أمرا خطيرا ومصيريا كأمر إزالة الظلم وتحقيق العدالة لا يمكن تركه فقط للمشرّع أو لسلطة الحكم أو للحزب القائد أو للقائد الملهم أو للجيش الوطنى، وإنما يحتاج أولا وفى الأساس لإرادة شعبية مجتمعية تتجسد فى مؤسسات وتنظيمات وحراكات، وعند الضرورة فى ثورات، إرادة تفرض نفسها ومطالبها على كلّ أولئك من مشرعين وسلطات وقيادات.

•••

ومع الأسف فإن وجود مثل تلك الإرادة والمشاركة الشعبية المجتمعية مازال متعثّرا فى مجتمعات أمة العرب لسببين: الأول بسبب ابتلاع سلطات الدولة لمجتمعاتها لإبقائها كسيحة عاجزة تابعة، والثانى بسبب عدم الوعى الشعبى بأهمية وجود مثل تلك الإرادة وتنظيمها نتيجة لانتشار الجهل والتخلف الفقهى والحضارى ونتيجة لقلّة الخبرة بسبب غياب الممارسة الديمقراطية عبر القرون من تاريخ العرب.

والنتيجة لكل ذلك هو وجود ما يصفه علماء اجتماع العرب بأزمة المجتمع المدنى. فالإرداة والمشاركة الشعبية المجتمعية تحتاج، لكى تكون إرادة ومشاركة فى بناء الدولة، أن تتمثّل أولا وبقوة وبفاعلية فى مؤسسات مجتمع مدنى غير مأزوم.

•••

والمجتمع المدنى مأزوم لأن إنسان ذلك المجتمع قد حولته سلطات الاستبداد والاستغلال عبر القرون إلى كائن مهمّش مغلوب على أمره، غير قادر على الاندماج بحيوية واستقلالية فى حياة مجتمعه بسبب حرمانه من حقوقه الإنسانية من جهة وبسبب وضع كل العراقيل والعقوبات فى وجه تنظيماته، وعلى الأخص تنظيماته السياسية والنقابية والمهنية، من جهة ثانية.

وبالتالى جعل تلك التنظيمات غير مستقلة وعاجزة عن التأثير فى الحياة العامة.

ومن أجل أن نكون منصفين فإن سبب عجز المجتمع المدنى العربى لا يقع على أخطاء وخطايا سلطات الدولة العربية وإنما أيضا يقع على أخطاء وخطايا مؤسسات المجتمع المدنى العربى. ففواجع الانقسامات الحزبية والطائفية والقبلية والصراعات الشخصية والفئوية فى الحياة العربية معروفة، وهى جزئيا مسئولة عن ضعف المجتمع المدنى أمام قوة سلطة الدولة وجبروتها.

•••

من هنا وجب التذكير، ووطننا العربى يموج بأحداث متلاطمة خطيرة مصيرية فى هذه اللحظة من تاريخنا، التذكير بأن تحقق شعار العدالة الذى طرحته بقوة جماهير ثورات وحراكات الربيع العربى، وضمنيا شعار محاربة وإزالة المظالم ودحر الظالمين، بأن تحقق ذلك لن يتم، ولا حتى يبدأ، قبل إخراج المجتمع المدنى من أزمته الحالية إلى حالة استرداده لعافيته ولحيويته. كل ثورات وحراكات الدنيا، عبر القرون، قامت بها مجتمعات معافاة ونشطة. ما المطلوب إذن؟

أولا: بالرغم من كل الكتابات والخطابات والأفعال المحدودة طيلة القرن الماضى لا يزال الوعى الشعبى العربى بفداحة ومأساة وضعه وبأهمية وأساليب مشاركته الذاتية والاعتماد على نفسه أولا وقبل كل شىء، لا يزال ذلك الوعى غير ناضج ومتزن، بدليل ما نراه يوميا فى مجتمعات حراكات الربيع العربى من تطلعات شعبية لهذا الفرد أو تلك المؤسسة لتوجيهه ولقيادته وإنقاذه. هناك حاجة هائلة لبناء هذا الوعى.

ثانيا: أثبتت مؤسسات المجتمع المدنى العربى ضعفها وهوانها على نفسها، بسبب تاريخها التنظيمى المفجع وانقساماتها وعدم وعيها الكافى بحساسية وخطورة المرحلة التاريخية الحالية، وبالتالى حاجتها الملحة السريعة لتجديد وبناء وتنظيم نفسها على المستويين القطرى والقومى حتى تصبح فاعلة وقادرة على التفاعل والتناغم مع جماهير الشعب العربى. من دون ذلك لن يستطيع المجتمع المدنى العربى دحر مناورات وأساليب الدولة العميقة العربية التى بنت قوتها وجبروتها عبر القرون.

•••

أفضل توضيح لما نعنيه هو ما شاهدناه من عجز مؤسسات المجتمع المدنى فى مجتمعات الربيع العربى، حتى عندما وصل بعضها إلى السلطة، فى أن تجرى عمليات الإصلاح والتغييرات المطلوبة فسقط من سقط ويترنح من يترنح.

المشاركة الشعبية المجتمعية العربية المطلوبة، لحلحلة إشكاليتى تجذر الظلم وغياب العدالة، يجب أن تكون مباشرة، من خلال الانخراط فى بناء مؤسسات مجتمع مدنى فاعل مستقل، ثورى فى مشاعره إصلاحى جذرى فى مطالبه. أما المشاركة بواسطة الممثلين الشرعيين وغير الشرعيين فى مؤسسات الحكم والتشريع والقضاء فقد تكون مكمَّلة للإرادة التشاركية المجتمعية الشعبية المباشرة، لكنّها حتما لن تكون كافية لإحداث التغييرات الكبرى المطلوبة فى حياة العرب، خصوصا فى وضعنا المأساوى المفجع الحالى.

مطلوب على الأخص من شباب وشابات وفقراء ومظلومى ومهمشى العرب أن يعوا هذه الحقيقة ويفعلوا هم، هم وليس من خلال غيرهم، يفعلوا شيئا لدحر الظلم والاقتراب من العدالة.

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات