صحافة عمومية وليست حكومية - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الأربعاء 13 أغسطس 2025 6:47 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

صحافة عمومية وليست حكومية

نشر فى : الخميس 25 يونيو 2015 - 11:10 ص | آخر تحديث : الخميس 25 يونيو 2015 - 11:10 ص

فى ألمانيا الحكومة هى التى تنفق على الصحافة العمومية لكنها لا تستطيع أن تمنع حرفا واحدا من النشر حتى لو كان ضد مصلحتها. ولذلك يطلق عليها الصحافة العمومية لأنها تنطق باسم العامة وباسم الدولة وليس باسم الحكومة، وبالتالى فإن مصطلح الصحافة الحكومية غير متداول بالمرة وربما لو قلته لأحد لسألك ماذا تعنى؟!

فى كل عام تسدد الحكومة ممثلة فى وزارتى الخارجية والتعاون الدولى ميزانية الاعلام العمومى سواء كان إعلام الخدمة العامة فى الداخل او الاعلام الموجه فى الخارج، إضافة إلى بعض المساهمات الشعبية، ورغم ذلك فإن الحكومة لا تملك حق مراقبة كيف يتم انفاق هذا المال. الذى يملك ذلك هو البرلمان الاتحادى فقط.

الذى يدير هذا الاعلام العمومى مجلس امناء مكون من ١٧ عضوا يتم اختيارهم من البرلمان بواقع ممثليين للفئات الاساسية فى المجتمع مثل النقابات والمؤسسات الدينية والغرف التجارية والصناعية واحد ممثلى العمال وومثل واحد للحكومة والهيئات الثقافية وبقية مؤسسات المجتمع. البرلمان الاتحادى او البوندستاج هو الذى يملك تقييم ومحاسبة هذا المجلس. وهل حقق اهدافه المتفق عليها ام لا وكذلك الميزانية.

العملية بأكملها تتم فى مناخ حقيقى من الشفافية وكل مواطن ألمانى يستطيع الدخول إلى موقع دويتش فيللا الممثلة للإعلام العمومى ويعرف بالتغاصيل كل شىء عن الميزانية والاهداف الموضوعة فلا يوجد شىء تحت الترابيزة يمكن اخفاؤه او «الصهينة» عليه!
الأمر لا يرتبط فقط باستقلال الاعلام العمومى عن الحكومة قولا وفعلا بل هناك ايضا ضوابط متعددة تضمن ان يكون الصحفى العامل فى هذه الوسائل مهنيا فعلا ومعبرا عن الحقيقة قدر المستطاع. الزميل ناصر شروف المشرف على القسم العربى فى مؤسسة دويشف فيللا قال لى ــ خلال المنتدى الدولى للإعلان المنعقد حاليا فى بون ــ انهم يقولون لأى صحفى بالمؤسسة قبل أن يبدأ العمل إن دوره أن يكون صحفيا وليس سياسيا أو ناشطا، وعليه ان يطبق المعايير المهنية كاملة واذا خالف ذلك هناك مستويات متعددة تكتشف ذلك وتصوبه.
من حق الصحفى ان يكتب معبرا عن رأيه طالما انه يحمل توقيعه كمقال رأى، لكن عندما يكتب خبرا فليس مسموحا له بالمرة ان يكون منحازا. يقولون للصحفى ايضا عليك الا تجعل القارئ او المشاهد يتولد عنده الانطباع بأنك تقود هناك حملة ممنهجة لتغيير رأيه او أنك تتعمد مثلا تشويه صورة تيار او مؤسسة او دولة.

طبعا ألمانيا لم تصل إلى هذا الوضع النموذجى فجأة او بين يوم وليلة. هى دفعت ثمنا غاليا للوصول إلى هذة الصيغة، وهى تتشدد فى الشفافية وإبعاد سطوة الحكومة عن الاعلام حتى لا تعيد انتاج تجربة هتلر مرة اخرى. بل ان سطوة البرلمان الاتحادى على الاعلام ليست كاملة، حتى لا يسىء استغلال سلطته ويوكل جزء من هذه الصلاحيات إلى البرلمانات الفيدرالية او المحليات. المجتمع الألمانى صار ناضجا وهناك توازن حقيقى بين السلطات والمؤسسات واللوبيات وبالتالى لا تستطيع سلطة ان تجور على اخرى او تنقلب عليها.
قد يسأل سائل: هل يمكن أن يكون اعلامنا القومى او الحكومى مثل النموذج الألمانى؟
السؤال مشروع لكنه حلم بعيد المنال بحكم ظروفنا الصعبة وتراكم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وسطوة العصبية القبلية والدينية وهشاشة الأحزاب، لكن علينا الا نتوقف عن الحلم ونسعى بكل السبل ليكون لدينا توازن حقيقى فى المجتمع. وقتها سيتحول الحلم إلى حقيقة.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي