وتأتى هذه المناسبة هذا العام تزامنا مع تنفيذ مشروع مصرى جديد قومى عملاق تتابع فيه الخطوات التنفيذية لشق قناة السويس الجديدة أحدث مجرى مائى فى العالم المتوقع افتتاحها فى شهر أغسطس القادم.

وقد أدرك المصريون أهمية النيل منذ أقدم العصور، فأقيمت مشروعات التخزين السنوي مثل خزان أسوان وخزان جبل الأولياء على النيل للتحكم فى إيراد النهر المتغير، كما أُقيمت القناطر على النيل لتنظيم الري على أحباس النهر المختلفة .

لكن التخزين السنوي لم يكن إلا علاج جزئيا لضبط النيل والسيطرة عليه، فإيراد النهر يختلف اختلافا كبيرا من عام إلى آخر إذ قد يصل إلى نحو 151 مليار متر مكعب أو يهبط إلى 42 مليار متر مكعب سنويا ، وهذا التفاوت الكبير من عام لآخر يجعل الاعتماد على التخزين السنوي أمرا بالغ الخطورة حيث يمكن أن يعرض الأراضي الزراعية للبوار في السنوات ذات الإيراد المنخفض، لذا اتجه التفكير إلى إنشاء سد ضخم على النيل لتخزين المياه في السنوات ذات الإيراد العالي واستخدامها في السنوات ذات الإيراد المنخفض، فكان أول مشروع للتخزين المستمر على مستوى دول حوض النيل يتم تنفيذه داخل الحدود المصرية، وتجاوز ماعداه من المشروعات الهندسية المعمارية واختارته الهيئات الدولية حينئذ كأعظم مشروع هندسى شيد فى القرن العشرين عابرا به كافة المشروعات العملاقة الاخرى مثل مطار “شك لاب كوك “فى هونج كونج ، و”نفق المانش” الذى يربط بين بريطانيا وفرنسا .

حيثيات تفوق السد العالى علي 122 مشروعات عملاقا في العالم ، جاءت لما حققه من فوائد عادت علي الجنس البشري بالخير والنماء ، حيث وفر لمصر رصيدها الاستراتيجي في المياه بعد أن كانت مياه النيل من أشهر الفيضانات التى تذهب سدي في البحر الأبيض عدا خمسة مليارات متر مكعب يتم احتجازها. 

حمي السد العالي مصر من كوارث الجفاف والمجاعات التى تسببها الفيضانات المتعاقبة وتتسبب فى آثار مدمرة تنفق الدولة عليها الكثير من الأموال لإزالتها، بالإضافة إلى دورة في التنمية الزراعية والصناعية واستصلاح الأراضي وزيادة الرقعة الزراعية ، وتحويل نظام الرى الحياض إلي ري دائم وزيادة الانتاج الزراعي ، التوسع في زراعة الأرز ، وتوليد طاقة كهربائية تستخدم في إدارة المصانع وإنارة المدن والقرى ، وضمان التشغيل الكامل المنتظم لمحطة خزان أسوان بتوفير منسوب ثابت علي مدارالسنة ، وتنمية الثروة الاقتصادية من خلال زيادة الثروة السمكية عن طريق بحيرة السد العالي وتحسين الملاحة النهرية طوال العام.

سد أسوان العالي أو السدّ العالي هو سد مائي على نهر النيل في جنوب مصر، أنشئ في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، وساعد الخبراء السوفييت في بناءه ، ويبلغ طوله 3600 متر، وعرض قاعدته 980 متر، عرض قمته 40 مترا، وارتفاعه 111 مترا، حجم جسمه 43 مليون متر مكعب من أسمنت وحديد ومواد أخرى، ويمكن أن يمر خلال السد تدفق مائي يصل إلى ١١ الف متر مكعب من الماء في الثانية الواحدة. 

بدأ بناء السد العالى في عام 1960 وقدرت التكلفة الإجمالية بمليار دولار شطب ثلثها من قبل الاتحاد السوفييتي ، وعمل في بنائه 400 خبير سوفييتي وأكمل بناؤه في 1968 ، وبعد عامين تم تثبيت آخر 12 مولد كهربائي وتم افتتاحه رسميا في عام 1971.

خطوات مشروع بناء السد العالى بدأت بأن تقدم المهندس المصري اليوناني الأصل ” أدريان دانينوس ” إلي مجلس قيادة الثورة (1952 ) بمشروع لبناء سد ضخم عند أسوان لحجز فيضان النيل وتخزين مياهه وتوليد طاقة كهربائية منه ، وبدأت وزارة الأشغال العمومية ( وزارة الري والموارد المائية حاليا) وسلاح المهندسين بالجيش ومجموعة منتقاة من أساتذة الجامعات فى إجراء الدراسات اللازمة حول هذا المشروع واستقر الرأي علي أن المشروع قادر علي توفير احتياجات مصر المائية.

وفى أوائل عام 1954 تقدمت شركتان هندسيتان ألمانيتان بتصميم للمشروع، وقامت لجنة دولية بمراجعته وأقراره ووضع مواصفات وشروط التنفيذ، وطلبت مصر من البنك الدولي تمويل المشروع، وبعد دراسات مستفيضة للمشروع أقر البنك الدولي جدوي المشروع فنيا واقتصاديا، في ديسمبر 1955 تقدم البنك الدولي بعرض لتقديم معونة بما يساوي ربع تكاليف إنشاء السد، ثم سحب البنك عرضه بسبب الضغوط الاستعمارية.

وفي ديسمبر عام ١٩٥٨ تم توقيع اتفاقية بين روسيا (الاتحاد السوفيتي سابقا) ومصر لإقراض مصر 400 مليون روبل لتنفيذ المرحلة الأولي من السد، وفي مايو 1959 قام الخبراء السوفييت بمراجعة تصميمات السد واقترحوا بعض التحويرات الطفيفة التي كان أهمها تغيير موقع محطة القوي واستخدام تقنية خاصة في غسيل وضم الرمال عند استخدامها في بناء جسم السد . 

وفى ٩ يناير ١٩٦٠ بدأ العمل في تنفيذ المرحلة الأولي من السد ، وشملت حفر قناة التحويل والأنفاق وتبطينها بالخرسانة المسلحة وصب أساسات محطة الكهرباء وبناء السد حتي منسوب 130 مترا، في 27 أغسطس 1960 تم التوقيع علي الاتفاقية الثانية مع روسيا (الاتحاد السوفيتي سابقا) لإقراض مصر 500 مليون روبل إضافية لتمويل المرحلة الثانية من السد.

وفي منتصف مايو 1964 تم تحويل مياه النهر إلي قناة التحويل والأنفاق وإقفال مجري النيل والبدء في تخزين المياه بالبحيرة، وفي المرحلة الثانية تم الاستمرار في بناء جسم السد حتي نهايته وإتمام بناء محطة الكهرباء وتركيب التربينات وتشغيلها مع إقامة محطات المحولات وخطوط نقل الكهرباء، وانطلقت الشرارة الأولى من محطة كهرباء السد العالي في أكتوبر 1967، و بدأ تخزين المياه بالكامل أمام السد العالي منذ عام ١٩٦٩، وفي منتصف يوليو 1970 اكتمل صرح المشروع وتم الاحتفال بافتتاح في15 يناير 1971.