الشمس والرياح.. طريق مصر للخروج من الظلام - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 6:55 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشمس والرياح.. طريق مصر للخروج من الظلام

تحقيق- مى قابيل وعلياء حامد
نشر في: السبت 1 نوفمبر 2014 - 9:49 ص | آخر تحديث: السبت 1 نوفمبر 2014 - 9:49 ص

• الطاقة المتجددة تحل أزمة الكهرباء وتفتح الباب لفرص العمل

نظام لتشغيل الإضاءة والمراوح والتليفزيون والكمبيوتر بـ 3 آلاف جنيه للشقة

«الخلايا الشمسية» هى المستقبل فى إنتاج الكهرباء.. و«CPS» مكلفة ولها عيوبها

تشغيل مدارس فى الإسكندرية بالطاقة الشمسية يسد عجز الكهرباء فى المحافظة

المدير التنفيذى لـ«العربية للطاقة المتجددة»: التعريفة الجديدة جاذبة للاستثمار وتحتاج آلية تراعى التضخم والأسعار العالمية

تنفيذ محطة شمسية يستغرق ما بين 4 شهور وسنة والمحطة النووية تحتاج 10 سنوات

جلال عثمان: نستورد وقودا لنحرقه فى محطات الكهرباء كأننا نحرق العملة الصعبة

فوق سطح منزلها فى إحدى المدن الجديدة على أطراف القاهرة، وضعت نظاما شمسيا يتيح لها الإضاءة وتشغيل بعض الأجهزة الكهربائية إذا انقطع التيار، لتستقل ببيتها المكون من ثلاثة طوابق ــ تضم أبناءها وأحفادها ــ عن حالة الظلام التى سادت فى مصر فى الشهور الأخيرة.

وينتج نظام الكهرباء الشمسى الذى تشغله أنهار حجازى، رئيس وحدة ترشيد الطاقة بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، 5 كيلو وات فى الساعة تكفى احتياجات الطوابق الثلاثة، خاصة بعد تغيير وجدات الإضاءة إلى لمبات LED عالية التوفير. أما تسخين المياه فتعتمد فيه على سخان شمسى يغطى احتياجاتها طوال العام تقريبا.

لم تكن حجازى الوحيدة التى لجأت للطاقة المتجددة بحكم تخصصها وموقعها فى وحدة ترشيد الطاقة، فمع تكرار انقطاعات التيار الكهربائى فى السنوات الأخيرة، التى وصلت لذروتها فى الصيف الماضى، بدأت محاولات للخروج من أسر الشبكة من جانب أفراد وشركات لجأوا لتركيب نظم شمسية فوق أسطح المنازل ليوفروا احتياجاتهم من الطاقة بأنفسهم، كما ظهرت مبادرات شبه حكومية لتحويل المدارس والمبانى الرسمية لأماكن منتجة للكهرباء. فقد فتحت أزمة الكهرباء الباب أمام استخدام الطاقة المتجددة باعتبارها «الحل»، وليست مجرد رفاهية مكلفة للحفاظ على البيئة. وأعلنت الدولة عن أسعار شرائها الكهرباء المنتجة من مصادر متجددة، لتشجيع المستثمرين والأفراد على اقتحام هذا المجال بقوة، بعد أن ثبت أنه الطريق الأسرع والأقل تكلفة على المدى الطويل فى سد العجز المتزايد فى الطاقة.

«الشروق» التقت بمتخصصين فى نظم الطاقة المتجددة، من الباحثين والعاملين فى شركات عامة وخاصة، للتعرف على طرق الاستفادة من الطاقة المتجددة، وجدواها الاقتصادية، والمدى الزمنى المطلوب لمساهمتها فى حل أزمة الطاقة فى مصر.

 مركز البحوث يصمم نظما شمسية للبيوت تواجه انقطاع التيار

«نحن كدولة مثل رجل قارب على الإفلاس ولديه فقط ألف جنيه، فعليه أولا أن يرشد الإنفاق حتى تكفيه هذه الأموال لأطول فترة ممكنة، وفى نفس الوقت يجب أن يبحث عن بديل آخر يعتمد عليه. لكننا لا نفعل هذا فى الكهرباء»، هكذا يلخص عصام الشناوى، الأستاذ المساعد بقسم الطاقة الشمسية فى المركز القومى للبحوث، أزمة الكهرباء فى مصر، معتبرا أن البديل الأهم هى الخلايا الشمسية، لأنها «المستقبل بالنسبة لإنتاج الكهرباء».

ويضرب الشناوى المثل بالمصالح الحكومية، حيث تشغل كثير من المكاتب التى يعمل فيها الموظفون نحو 16 لمبة «نيون»، كل منها بقدرة 60 وات، وبالتالى يصل استهلاك هذا المكتب إلى حوالى كيلووات فى الساعة، أى إن استخدام المكتب لمدة عشر ساعات يستهلك عشرة كيلووات. «أما لو كان مكتبا لأحد المسئولين فيكون به 24 كشافا على الأقل، لخدمة شخص واحد فقط، بما يوازى 24 كيلووات فى اليوم. ولنا أن نتخيل كم مرة يتكرر هذا فى مختلف الجهات».

يقتضى الترشيد إذن «استبدال الـ16 كشافا بلمبتين LED عالية التوفير، فينخفض استهلاك المكتب إلى الخُمس (من كيلو إلى 200 وات فقط)»، كما يوضح الشناوى، مضيفا أن البعض يخاف من تكلفة تلك اللمبات، ولكن «إذا كانت اللمبة النيون بخمسة أو ستة جنيهات، واللمبة الموفرة من الأنواع الجيدة تتراوح بين15 إلى 30 جنيها، فإن لمبات الـ LED قد يصل سعرها لمائة جنيه، لكنها توفر كهرباء بثمنها وأكثر».

وبذلك لو تم تغيير أنظمة الإنارة فى المصالح الحكومية وفى أعمدة الشوارع وفى لوحات الإعلانات فإن هذا يوفر ربع الطاقة المستخدمة، وسيكون كافيا لتخفيف الأحمال دون قطع للكهرباء.

مستقبل الكهرباء فى الخلايا الشمسية بالتوازى مع الترشيد يجب البحث عن مصدر جديد للطاقة يساهم فى سد العجز الذى تعانيه مصر، كما يقول الشناوى. «وإذا كان هذا البلد فى أعلى منطقة لسطوع الشمس فى العالم، فلماذا لا نستخدم الخلايا الشمسية، التى تنتج الكهرباء بكفاءة لمدة 25 عاما على الأقل، ولا تسبب تلوثا، ولا تحتاج لماكينات وتروس وصيانة؟».

تغطى تلك الأنظمة الشمسية تكاليفها فى بضع سنوات، كما يوضح الأستاذ المتخصص فى الخلايا الشمسية، «فأعمدة الإنارة بالشوارع مثلا تسترد تكاليفها خلال ما بين 4 و 5 سنوات على الأكثر، ثم تعمل عشرين عاما بالمجان».

ويقول الشناوى إن هناك خلايا شمسية تجريبية فى مركز البحوث تعمل بالفعل منذ 28 سنة، رغم أن تقنيتها قديمة جدا عما يتم تصنيعه حاليا، «أرفض أن اتخلص منها رغم أن عمرها الافتراضى انتهى، لأنها مازالت تنتج كهرباء، لذلك أعرضها على المتخصصين الذين يزورون المركز لعمل قياسات عليها».

ولا تحتاج الخلايا إلى صيانة، فالأبحاث العلمية، التى يشير إليها الشناوى، تقول إنه يكفى نزول الأمطار من 3 إلى 4 مرات سنويا لتنظيفها، بينما التجربة العملية فى مصر توضح أن الشبورة والندى تكون أكثر من الأمطار فى بعض الأيام.

مشكلة الخلايا الشمسية فقط فى المساحة التى تحتاجها، لكنها الأرخص على المدى الطويل، وهى المستقبل بالنسبة لإنتاج الكهرباء، كما يؤكد أستاذ الطاقة الشمسية. أما التكنولوجيات الأخرى، مثل المركزات الشمسية (CSP)، والتى تقوم على تركيز الشمس على منطقة معينة لتبخير المياه، ليدخل البخار على التوربينات ويولد الكهرباء، «فهى ليست بنفس كفاءة الخلايا الشمسية، ولها عيوب كثيرة، منها أنها تحتاج نظاما لتتبع الشمس، ولها تكاليف تشغيل وصيانة مرتفعة، على عكس الخلايا الشمسية، كما لم تحدث بها طفرة تكنولوجية وسعرية مثل تلك التى شهدتها الخلايا فى السنوات الأخيرة».

ومن الجدير بالذكر أن دولة مثل قطر فى إطار الإعداد لكأس العام 2022 أنشأت ملاعب معتمدة فى التكييف والإنارة على الخلايا الشمسية، مع العلم أن هذه الملاعب مفتوحة، كما يشير عصام الشناوى.

وقد ساهمت أزمات الوقود فى لفت نظر بعض المستثمرين لأهمية الطاقة المتجددة، «فالمسئولون عن محطات الهواتف المحمولة التى تعمل بالديزل، وهو أرخص من الخلايا الشمسية بمراحل، بدأوا يطلبون تركيب خلايا عندما حدثت أزمات الوقود المتكررة، لأن التكلفة الزائدة لشراء تلك الوحدات لا تقارن مع خسائر غياب الوقود وانقطاع الخدمات»، كما يشير أستاذ الطاقة الشمسية.

«مستثمر لديه 70 فدانا زراعيا فى المنيا، أكد لى أنه خلال الثلاث سنوات الماضية أنفق 2.3 مليون جنيه سواء للبنزين والسولار اللذان شحا فى الأسواق وارتفع سعرهما بشكل كبير، أو لماكينات الرى التى تتلف. وعندما وضعنا له نظام يعمل بالطاقة الشمسية لم تتجاوز تكلفته مليون جنيه، مقابل نظام يعيش على الأقل 25 سنة» بحسب ما يرويه الشناوى، مشيرا إلى أن هناك تفكيرا جديا لدى المركز القومى للبحوث فى إقامة نظام طاقة شمسية فى مزرعة تابعة له فى النوبارية لا تقل مساحتها عن 50 فدانا.

حلول انقطاع التيار:

كثير من البيوت والفيلات اتجه أصحابها مع زيادة انقطاعات الكهرباء إلى تركيب الخلايا الشمسية، كما يقول الشناوى، «فى بيتى لدى خليتين شمسيتين تنتجان كيلو وربع فى اليوم، استخدمها عند انقطاع الكهرباء فى إضاءة البيت كله، وتشغيل التليفزيون والمراوح».

«ممكن أعمل نظام شمسى يتكلف 30 ألفا أو 300 ألف أو 3 ملايين جنيه، المهم أن يعرف المستخدم ما الذى يحتاج إلى تشغيله عندما تنقطع الكهرباء. النظام البسيط يوفر كهرباء للإضاءة وتشغيل المراوح والتليفزيون»، كما يوضح أستاذ الطاقة الشمسية، أما الثلاجة والغسالة والمكواة فهى أكثر استهلاكا، لذا يتطلب تشغيلها نظاما أكبر، والبعض يطلب تشغيل التكييف وهذا له أيضا تكلفته حسب حجم النظام الشمسى الذى يتم تركيبه وقدرته».

إذا كانت هناك عمارة مكونة من 20 شقة مثلا، سيتم تركيب نظام شمسى يكفى لكى تضىء كل شقة 5 لمبات موفرة، ومروحة وتليفزيون، وكذلك لاب توب أو كمبيوتر، فهذا النظام يتكلف من 60 إلى 70 ألفا، أى إن كل شقة ستدفع من 3 إلى 3.5 ألف جنيه لتستفيد من نظام يصل عمره إلى 25 سنة.

فى المقابل يقوم البعض بشراء مولدات كهرباء (جنيريتور) لمواجهة انقطاع التيار، رغم إن عمره الافتراضى المضمون لا يتجاوز عاما واحدا، وسيحتاج عاملا مخصوصا لتشغيله وصيانته وفضلا عن تكلفة السولار الذى يحتاجه باستمرار لتشغيله، أما المولد المجمع الذى يكفى 20 شقة يبلغ 250 ألف جنيه ويسبب ضوضاء قوية.

هذا النظام لديه وحدة تخزين طاقة مصممة لتغطية انقطاع الكهرباء من 3 إلى 4 ساعات كل يوم، أما لو انقطع التيار بالنهار فيعمل النظام مباشرة من خلال الشمس، ولا يقترب من الطاقة المخزنة على البطارية، كما يوضح أستاذ الطاقة الشمسية، مضيفا أن التوصيلات التى يحتاجها هذا النظام «فى منتهى البساطة، ويمكن إدخالها على لوحة المفاتيح الكهربائية، وعند انقطاع الكهرباء ترفع مفتاح فقط ليعمل النظام الشمسى».

يحتاج إنتاج 5 كيلووات فى الساعة من الطاقة الشمسية مساحة ما بين 4 و 6 أمتار مربعة، «فإذا قمنا بتركيب نظام شمسى لعمارة من عشرين شقة، سيحتاج إلى مساحة من 25 إلى30 مترا مربعا»، كما يقول الشناوى.

التسخين وتطبيقاته

بينما تعتبر الطفرة فى استخدام الطاقة الشمسية لإنتاج الكهرباء حديثة نسبيا، فإن الاستخدامات الأقدم ترتبط بالمكون الحرارى للشمس. فالسخان الشمسى الذى يقوم بتسخين المياه من أقدم التطبيقات فى هذا المجال، ويعمل فى مصر منذ سنوات طويلة.

ويعتبر السخان الشمسى أكثر توفيرا على المدى الطويل، فإذا كانت هناك وحدة سكنية يعيش فيها من 6 إلى 8 أفراد، تبعا للمثال الذى يضربه الشناوى، يمكنهم استخدام سخان شمسى بسعة 150 لترا، تتراوح تكلفته ما بين 5 و 7 آلاف جنيه، ولا يقل عمره عن 15 سنة. «ولو حسبنا تكلفة الكهرباء خلال هذه الفترة باستخدام السخان الكهربائى العادى نجد أن ثمنه يسترد فى سنتين أو ثلاثة».

ويوضح أستاذ الطاقة الشمسية أن السخان الشمسى عادة ما يحتوى بين مكوناته على سخان كهربائى، ليعمل فى حالات الطوارئ، فمثلا فى الشتاء إذا غابت الشمس ثلاثة أو أربعة أيام، ودرجة الحرارة قلت عن مستوى معين، يبدأ العمل بالكهرباء، لكن الأبحاث توضح أن متوسط عمل هذا المكون لا يزيد عن 30 يوما فى السنة.

وهناك ايضا مقطر المياه الشمسى، الذى يحلى مياه البحر بنسب معينة بحيث تكون صالحة للشرب، وتعتمد فكرته على تسخين المياه المالحة، ثم تكثيف البخار الناتج عن غليانها للحصول على المياه العذبة، كما يوضح الأستاذ المساعد بمركز البحوث، «نسخن بالشمس ونرفع درجة الحرارة فتتبخر المياه، ليعاد تكثيفها على سطح بارد. ويمكن لمُقطر بمساحة متر مربع أن يوفر 5 لترات من المياه النظيفة الصالحة للشرب فى اليوم».

أما المجفف الشمسى، فهو أحد التطبيقات الحرارية التى يتم الاعتماد عليها فى المزارع، لتجفيف بعض المحاصيل.

ومن الشمس.. مدارس وأعـمدة إضـــاءة تنتج الكهرباء

التحول إلى إنتاج الكهرباء بدلا من استهلاكها كان هدفا نجح مدحت شكرى، خبير الطاقة الشمسية ومدير إحدى الشركات العاملة فى هذا المجال، فى تحقيقه سواء فى المدارس التى أصبحت مكتفية ذاتيا من الطاقة، وتصدر الفائض منها للشبكة العامة، أو أعمدة الإنارة التى نجحت فى توليد كهرباء من الشمس تعادل 4 أضعاف ما تستهلكه.

فعلى سطح مدرستى محمد على الزخرفية فى الشاطبى، والرمل الثانوية بنات بالإسكندرية تم تركيب وحدات للطاقة الشمسية تكفى لتشغيل المدرسة بالكامل، كبداية لمشروع طموح يخفف الضغط على محطات الكهرباء ويستفيد من المدارس الحكومية فى توليد طاقة للمناطق التى تتواجد فيها، تماشيا مع اتجاه عالمى آخذ فى التزايد لتشغيل المبانى الحكومية بالخلايا الشمسية.

«المدرسة الأولى كانت مكونة من 37 فصلا، تم تحويل كل اللمبات العادية التى كانت موجودة فيها، ويبلغ عددها 220 لمبة، إلى اللمبات عالية التوفير للكهرباء (LED)»، كما يحكى شكرى، مشيرا إلى أن هذه الخطوة هبطت باستهلاك المدرسة من 12.8 كيلو وات فى الساعة إلى 4.8 كيلو وات، أى تخفيض يزيد على 60%.

وتتميز اللمبات الـLED، بالإضافة إلى توفيرها الكبير للكهرباء، بأنها أكثر إنارة من اللمبات الموفرة الحلزونية المتعارف عليها، كما أنها صديقة للبيئة حيث يمكن إعادة تدوير التالف منها، كما يوضح شكرى، مضيفا «من يريد التوفير عليه أن يستخدمها. صحيح هى أغلى لكن عمرها أطول 10 مرات من العادية، فهى تعمل 50 ألف ساعة مقابل 5 آلاف ساعة فى اللمبات الموفرة العادية». الخطوة التالية التى قام بها مدير شركة إنفينيتى للنظم الشمسية هى تركيب نظام شمسى فوق سطح المدرسة ينتج 5 كيلووات فى الساعة، طوال فترة سطوع الشمس، ليغطى احتياج المدرسة بالكامل، ثم تدخل هذه الطاقة على شبكة الكهرباء الرئيسية، لتزود المنطقة المحيطة بها بالكهرباء الزائدة عن الاحتياج، «وبدلا من استهلاكها للكهرباء المدعمة أصبحت هى تعطى للشبكة، فتوفر فى الإنتاج والوقود والدعم».

«المدرسة تأخذ إجازة يومى الجمعة والسبت وبالتالى يتم تحويل الطاقة طوال اليوم للمبانى المحيطة بها، أما الأثر الأكبر فيظهر فى الصيف عندما تغلق المدارس أبوابها وتتحول الكهرباء المنتجة بالكامل للشبكة الرئيسية»، كما يقول المهندس الذى بدأ حياته العملية فى المؤسسة العسكرية، وبالتالى تسد العجز الذى تواجهه الدولة فى الصيف بسبب زيادة الأحمال على الشبكات الكهربائية.

ويوضح شكرى كيف تمت تجربة هذه العملية «بعد أن أدخلنا الكهرباء على الشبكة أردنا أن نرى ما سيحدث عند إغلاق الأنوار فى المدرسة، وكنا قد ركبنا عدادا للنور بالسالب والموجب، فوجدنا العداد يغير اتجاهه ليعرض الأرقام بالسالب، مما يعنى أنها تزود الشبكة بالكهرباء ولا تأخذ منها شيئا».

ويتيح الاتصال بالشبكة العامة من جهة أخرى أن تحصل المدرسة على احتياجاتها إذا زادت لأى سبب عما ينتجه نظامها الشمسى، فإذا استهلكت المدرسة 7 كيلو وات على سبيل المثال، ستأخذ الخمسة الأولى من النظام الشمسى ثم تستكمل الاثنين الباقيين فقط من الشبكة، أما لو كان الاستهلاك 5 كيلو فقط فهذا يعنى أنها ستعتمد بالكامل على الطاقة الشمسية.

وبلغت تكلفة تحويل المدرسة الأولى للعمل بالطاقة الشمسية 80 ألف جنيه، كما قال شكرى، موضحا أن هذا المبلغ يشمل تغيير لمبات فصولها الـ 37، وتركيب نظام شمسى ينتج 5 كيلو وات/ ساعة، أما المدرسة الثانية، التى يبلغ عدد فصولها نحو 20 فصلا، فتكلف تحويلها 60 ألف جنيه.

«استخدمنا أحدث التكنولوجيات ليكون التيار الناتج عن الطاقة الشمسية متماشيا مع التيار فى الشبكة الرئيسية، فيأخذ منها ويعطيها، وأصبح بإمكاننا تركيب نظام شمسى متصل بأى نوع من الشبكات، فى أى مكان، بأى جهد»، كما يقول شكرى مشيرا إلى أن هذا النظام لا يحتاج لأى شكل من الصيانة، فلا توجد به أزرار أو أى شىء ميكانيكى، كما أن عمره الافتراضى يصل إلى 25 عاما قبل أن تتراجع الكفاءة إلى 80% فقط.

وأوضح خبير الطاقة الشمسية أن محافظ الإسكندرية، اللواء طارق المهدى، متحمس للطاقة الشمسية، وهدفه تحويل 1800 مدرسة حكومية فى الإسكندرية للعمل بهذا النظام، بالتعاون مع مستثمرين من القطاع الخاص، ليتم إنتاج 90 ميجاوات/ ساعة، وهو ما يعادل إنتاج محطة الكهرباء التى تحتاجها المحافظة لسد العجز لديها.

هذه الفكرة تم تطبيقها كذلك على عواميد الإنارة فى الشوارع، بعد أن عرضها مدحت شكرى على رئيس شركة كهرباء شمال القاهرة، وبالفعل تم تركيب نظام شمسى لعمودين بجوار مقر الشركة على سبيل التجربة، يضخان الكهرباء المنتجة من الطاقة الشمسية للشبكة طوال النهار، ويأخذان فى المقابل احتياجهما من الكهرباء من الشبكة ليلا.

«باستخدام العداد الذى يحسب الخارج والداخل من الكيلووات (in – out)، ظهر أن العمود أدخل للشبكة 39 كيلوا وات طوال النهار، واستهلك ليلا 9 كيلو وات فقط، أى أنه قدم بالنهار ثلاثة أضعاف ما أخذه ليلا، بالتالى وفر تكلفة إضاءة الشارع تماما، وجعلها مجانا، وأصبح العمود مصدرا للكهرباء»، كما يقول مدير إنفينيتى. «حصلت على موافقة رئيس مجلس الإدارة على هذه التجربة بعد أن أخرجته من الروتين المالى، وقلت له إنى مستعد أن أقوم بها على نفقتى الخاصة»، كما يروى شكرى عن تجربته، التى استغل فيها المرافق المتاحة بالفعل. فهناك اهتمام قائم حاليا بتركيب الأعمدة الشمسية المزودة بالبطاريات، التى تستطيع تخزين الطاقة نهارا لاستعمالها ليلا، كما يتم فى بعض طرق شرم الشيخ مثلا، «لكننى رأيت ان نستفيد بالموارد الموجودة فعلا والبنية التحتية القائمة والمتثملة فى الشبكة. أما الاعمدة المزودة بالبطاريات «off grid» فتكون فائدتها كبيرة فى المناطق البعيدة التى لم تصل اليها الشبكة»، فالمقارنة فى تلك الحالة ستصبح بين تكلفة البطاريات الشمسية مرتفعة الثمن نسبيا، وبين تكلفة مد خطوط كهرباء جديدة وتحميل أحمال إضافية على الشبكة.

ونقل شكرى عن رئيس شركة كهرباء شمال القاهرة، مصطفى رحيم، قوله «أنا مايفرقش معايا هاتطلع وات واحد ولا 100 كيلووات، المهم أنها تزود الشبكة بالكهرباء».

وينتظر شكرى موافقة رئيس الوزراء على تكرار تلك التجربة على 100 عمود إنارة، لقياس إمكانية تعميمها على نطاق واسع، موضحا أن إحلال نظم الإنارة القديمة بأخرى موفرة ومعتمدة على الطاقة الشمسية يستغرق ما بين 3 أشهر و 6 أشهر بحسب طول الطريق.

«الطريق الدائرى طوله 105 كيلوات، وإذا حسبنا الاتجاهين يصبح 210 كيلوات، به مئات الآلاف من الأعمدة، لو تم وضع وحدة شمسية 300 وات على كل عمود، أصبح هناك ما يعادل محطتين أو ثلاثا بالميجا وات تدخل على الشبكة موزعة على طول الطريق الدائرى. والميزة أنه يدخل على الضغط المنخفض مباشرة، وبهذا يوفر طوال النهار كهرباء مجانية»، هذا ما يتطلع له شكرى، الذى يوضح أن سعر عمود الإضاءة بهذا النظام المتصل بالشبكة يتراوح بين 7 و 8 آلاف جنيه بعمر افتراضى 25 عاما. يقول شكرى إن استخدام هذه النظم ينتج كهرباء «ليس لها أى آثار مضرة بالصحة، وهذه تقدر بأموال، وبعد 25 سنة تقل كفاءة النظام الشمسى إلى 80%، ويمكن وقتها إدخال بعد الإحلالات البسيطة عليه لتعود للكفاءة الكاملة ويبقى 25 سنة أخرى».

الهيئة العربية للتصنيع تبدأ إنتاج الألواح الشمسية قبل نهايـــةالعام واتفاق مع شركة ألمانية لصناعة توربينات الرياح محليا

مشروع الطاقة المتجددة الناجح يتطلب بيع الكيلووات من الكهرباء المنتجة من الطاقة الشمسية فى حدود من 60 إلى 70 قرشا، أو من 50 إلى 55 قرشا للمولدة من الرياح، بحسب تقدير سمير درويش، المدير التنفيذى للشركة العربية للطاقة المتجددة، التابعة للهيئة العربية للتصنيع، «حتى يكون قادرا على تغطية تكلفته خلال سنوات عمره الافتراضى التى تزيد على 20 سنة».

لذلك تعتبر التعريفة التى وضعتها الحكومة مؤخرا جاذبة للاستثمار، كما يؤكد درويش، لأنها تشترى الكهرباء المنتجة بالطاقة المتجددة من المنتجين بأسعار أعلى من سعر التكلفة، وبالتالى يصبح بامكانهم استرداد رأس المال الذى استثمروه خلال 6 أو 7 سنوات فقط، والتمتع بالأرباح صافية بعد ذلك.

وكانت الحكومة قد أعلنت خلال الشهر الماضى عن تعريفة مميزة لشراء الكهرباء المنتجة من مصادر الطاقة المتجددة، تبدأ من 84 قرشا للكيلووات من الطاقة الشمسية و68 قرشا للكيلووات من الرياح، وذلك لتشجيع المنتجين من القطاع الخاص والعائلى على الدخول فى المجال.

«هذه التسعيرة جاذبة للاستثمار الآن، ولكن يجب أن تضاف إليها آلية تراعى معدل التضخم وقيمة العملة المحلية ومتوسط الأسعار العالمية للطاقة سواء المتجددة أو التقليدية، حتى تظل جاذبة مع تغير العوامل المختلفة»، كما يوضح درويش.

المتجددة أرخص من التقليدية

إنتاج الكهرباء من المحطات التقليدية العاملة بالوقود البترولى يكلف الدولة مبالغ أكبر من تلك التى يمكن أن تتحملها لو اعتمدت أكثر على الطاقة المتجددة، لأن الفرق بين السعر العالمى لمنتجات البترول وبين السعر المدعوم الذى تشتريها به محطات الكهرباء يصل فى المتوسط إلى 50 قرشا فأكثر، «وهو ما يجعل طاقة الرياح والشمس أكثر جدوى اقتصادية وأرخص من كل أنواع المحطات التقليدية، عدا تلك العاملة بالفحم» كما يقول درويش. ميزانية الدولة تحملت العام الماضى 35 مليار جنيه وقودا بتروليا لتشغيل محطات الكهرباء فقط، ويرى رئيس الشركة العربية أن «جزءا من هذا الدعم يجب أن يوجه للطاقة المتجددة، وهذا يسهل تحقيقه لو تمت محاسبة الكيلووات المنتج من المصادر المتجددة بما يوازى التكلفة الفعلية لنظيره المنتج بالوقود البترولى».

وتعتبر التكلفة الإنشائية لمحطات الطاقة المتجددة مرتفعة لكن حساب تكلفة الوقود الذى يتم استهلاكه فى المحطات التقليدية يجعل إجمالى تكلفة المتجددة أقل على مدى عمرها، كما يوضح درويش، «فإنتاج كيلووات من الكهرباء بالطاقة الشمسية يتطلب ما بين 10 آلاف و11 ألف جنيه (تختلف حسب موقع المحطة)، أى أن تكلفة الميجاوات تصل إلى 11 مليون جنيه، لكن هذا المبلغ يتم استرداده فى 7 سنوات، بينما المحطة تعيش 25 سنة، إذن تظل توفر طاقة مجانية من دون تكاليف وقود أو صيانة لمدة 17 عاما، وهذا يعتبر ربحا صافيا».

ويرى درويش أن إعطاء دفعة للطاقة المتجددة يمكن أن يتم تمويله من رفع الدعم المقدم حاليا لغير المستحقين، «فهناك مصانع كثيرة كثيفة الاستهلاك للكهرباء، وفى نفس الوقت عالية الربحية، وليس من العدل أن تحصل على الكهرباء مدعومة، ثم تبيع سلعها بالأسعار العالمية، (الأسمنت مثلا يباع بنفس سعره فى اوروبا بينما الكهرباء يحصل عليها بثلث أو ربع تكلفة نظيره فى تلك البلاد)». كذلك الأمر بالنسبة للمراكز التجارية والمحلات والمناطق السياحية التى تحقق أرباحا ولا تحتاج فعليا لدعم حكومى، بالإضافة للشرائح العليا من المستهلكين.

خلق فرص عمل

لا يساهم استخدام مصادر الطاقة المتجددة فقط فى حل الأزمة التى تعيشها مصر، وبدون أضرار بيئية، وإنما يفتح الباب كذلك لتوفير فرص عمل كثيرة، كما يرى رئيس الشركة التابعة للهيئة العربية للتصنيع، من خلال الصناعات المغذية التى تنشأ مع التوسع فى الطلب عليها، حيث يبدأ تجميع الألواح الشمسية محليا، بعد استيراد الخلايا الضوئية من الخارج، وتصنيع الهياكل المعدنية محليا، مما يؤدى لتشغيل الطاقات الكبيرة المعطلة فى الصناعات المعدنية. كما يتم تدريب أعداد كبيرة من الشباب لإنشاء مكاتب متخصصة فى تركيب المحطات الشمسية فوق أسطح المنازل.

ويستغرق تنفيذ محطة شمسية بطاقة 50 أو 100 ميجاوات ما بين 4 و 8 شهور، حسب خبرة الفريق القائم على تركيب المحطة، أما إذا كان الهدف توليد 1 جيجاوات (1000 ميجا) فيمكن توزيعها على أكثر من مكان، كما يقول درويش، «وهذا يوفر وقتا من ناحية، لأنى أستطيع أن أعمل فى خمس محطات على التوازى كل منها 200 ميجا، ومن ناحية اخرى يسهل تغذية الشبكة من عدة أماكن فيوزع الحمل. حتى إذا أردنا تركيب محطة تنتج 600 ميجاوات مثل المحطات التقليدية العاملة بالوقود فإنها لن تستغرق أكثر من سنة واحدة».

إذا قارننا هذه الخصائص بالمحطات العاملة بالطاقة النووية مثلا، نجد أنها تستغرق وقتا أطول يصل إلى عشر سنوات، كما إنها لا تخدم البعد الاجتماعى فى التنمية بدرجة كبيرة، لأنها يجب أن تقام فى أماكن نائية، ومن جهة أخرى فإن مساهمة الإنتاج المحلى فيها لن تكون كبيرة، لأنها عالية التقنية ومن ثم ستكون معظم مكوناتها مستوردة، وأخيرا فإنها غير آمنة بيئيا بالمقارنة بالطاقة المتجددة.

تصنيع الألواح والتوربينات

وقد بدأت فى 2006 بوادر أزمة الطاقة تلوح فى مصر، وتزامن مع ذلك حدوث طفرة كبرى فى تطبيقات الطاقة المتجددة على مستوى العالم، سواء فى أوروبا أو الشرق الأقصى، تحسبنا لارتفاع اسعار البترول، وتخوفا من مشكلات التلوث البيئى وأثره على التغيرات المناخية.

وحدثت زيادة كبيرة فى معدلات تركيب المحطات الشمسية بشكل خاص، سواء فى الدول الغنية أو الفقيرة، بسبب تراجع تكلفتها إلى الثلث خلال السنوات الأخيرة، كما يوضح مدير الشركة العربية للطاقة المتجددة.

«بدأنا ندرب كوادرنا فى دول حققت تميزا فى هذا المجال مثل ألمانيا وأسبانيا والهند، لكى نكون مجموعة من الفنيين والمهندسين المتخصصين. ثم أقمنا أول محطة شمسية فى عام 2009، ودخلت بالفعل على شبكة الكهرباء فى 2010، وهى تنتج 600 كيلووات فى الساعة، تكفى لتشغيل مصنع صغير، أو إنارة ما بين 700 و 1000 شقة بدون تكييفات. وتعمل المحطة منذ 4 سنوات، وتعد أكبر محطة موجودة فى مصر حتى الآن للطاقة الشمسية»، كما يوضح درويش.

وتعاونت الهيئة العربية للتصنيع، وهى هيئة مصرية مملوكة للدولة وتديرها لجنة عليا يرأسها رئيس الجمهورية، مع وزارة الكهرباء فى مبادرتها لتركيب محطتين شمسيتين فوق مبناها لتغطية احتياجاتها من الكهرباء بقدرة 80 كيلووات، ثم توسعت المبادرة بعد ذلك لتشمل كل المبانى الحكومية، وتضم المرحلة الاولى منها 1000 مبنى حكومى، يتم تزويده بمحطات بقدرة من 20 إلى 80 كيلووات.

«حاليا نقوم بتنفيذ مشروعين لإنارة طريق السلام فى شرم الشيخ، وطرق فى أسوان وإدفو، بالأعمدة الشمسية المعتمدة على نفسها وغير المتصلة بالشبكة»، كما يقول مدير الشركة العربية التابعة للهيئة.

وقد أنشأت الهيئة خط إنتاج للألواح الشمسية (الفوتوفولتية)، على أربع مراحل، المرحلة الأولى منه تستهدف إنتاج ألواح بقدرة 20 ميجاوات، وسيبدأ الإنتاج قبل نهاية العام الجارى، و«نتوقع أن نصل للطاقة الكاملة خلال العام المقبل. ويوجه الإنتاج للتصدير للسوق الخارجى فى البداية، إلى أن يصبح هناك طلب محلى كافٍ».

أما بالنسبة لطاقة الرياح التى بدأ العمل عليها فى مصر منذ الثمانينيات، فإن هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة تنتج حاليا 540 ميجاوات من الرياح، من توربينات تم إنشاؤها بمنح أو قروض ميسرة، وهناك مزرعتان يتم تأسيسهما حاليا فى منطقة جبل الزيت.

وقد تواصلت الهيئة العربية للتصنيع مع الشركات العالمية التى تنتج توربينات الرياح، و«عقدنا اتفاق نقل معرفة فنية مع شركة ألمانية، بهدف إنتاج 100 توربينة سنويا، تغطى ربع الاحتياج السنوى لمصر من طاقة الرياح، طبقا لخطة الطاقة 2020، وتم تركيب أكبر توربينتين فى الزعفرانة، وتشغيلهم بالكامل عن طريق الهيئة»، كما يقول درويش.

ويجرى حاليا بناء أول ورشة لتصنيع توربينات مصرية تصل لنسبة 80% فى عمق التصنيع المحلى بنهاية تنفيذ مراحل الرخصة، وهى ثلاث مراحل، الأولى 20 توربينة، والثانية 50، والثالثة 100 توربينة، كما يقول رئيس الشركة العربية للطاقة المتجددة. «وتعطى تلك المراحل فرصة لاستيعاب التكنولوجيا التى حصلنا عليها، وبعد الـ50 الاولى سنقوم بتصنيع المولد الكهربائى، ثم نصنع المحول الذى ينقل الطاقة من التوربينة للشبكة».

ألمانيا تنتج من الطاقة الشمسية ما يعادل كل إنتاج مصر من الكهرباء

«إنتاج ألمانيا من الكهرباء المولدة عن طريق الخلايا الشمسية زاد بمقدار 30 جيجاوات خلال السنوات الثلاثة الماضية، وهذا الرقم يوازى تقريبا كل إنتاج مصر من الكهرباء»، هكذا بدأ جلال عثمان، عضو الجمعية العالمية للطاقة الشمسية، حديثه مع «الشروق» موضحا المدى الذى يمكن الوصول إليه فى الاعتماد على هذا المصدر المتجدد للطاقة.

وتؤدى السياسات المتبعة فى مجال الطاقة لحرق أطنان من الوقود لتوليد الكهرباء، كما يقول عثمان، «نستورد وقود لنحرقه فى محطات الكهرباء، وكأننا نحرق العملة الصعبة، بينما يمكن أن توفر علينا الطاقة المتجددة هذا النزيف. فالعجز فى الإنتاج يصل فى المتوسط إلى 3 جيجاوات (3 آلاف ميجاوات فى الساعة)، ويمكننا أن نسده من الطاقة الشمسية، بدلا من الخطط التى تضعها الحكومات المتعاقبة لإنشاء محطات تقليدية جديدة تحرق مزيدا من المنتجات البترولية لمواجهة فترات الذروة».

«على مصر أن تضع خطة تدريجية لمواجهة الزيادة المستمرة فى الاستهلاك بتوليد كهرباء من الشمس والرياح»، كما يوضح خبير الطاقة المتجددة الذى يشغل أيضا منصب نائب رئيس الجمعية الدولية لطاقة الرياح، وبذلك يمكن توجيه الوقود للمحطات الحرارية التقليدية القائمة، دون زيادة فى الكميات المطلوبة منه سنويا، «ومع الوقت عدد كبير من المحطات التقليدية سيتم تكهينه نتيجة التقادم. وبذلك نزيد الاعتماد تدريجيا على طاقة الشمس والرياح وفقا لخطة منظمة».

«المشكلة أن هناك عقد زواج مع المحطات الحرارية لا يتيح التفكير فى غيرها»، كما يقول عثمان مشيرا إلى أن تمويل المحطات الجديدة يمكن أن يأتى من الخليج تماما كما يحدث مع المحطات التقليدية، «فإذا كانت مصر تحصل على تسهيلات مالية من صندوق الانماء العربى مثلا لإنشاء محطات كهرباء تقليدية، فلماذا لا تحصل على تسهيلات بنفس القيمة لإقامة محطات شمسية، تعيش لأكثر من 20 عاما مقبلة بدون وقود؟».

وكان الرئيس عبدالفتاح السيسى قد أعلن خلال فترة الدعاية الانتخابية له كمرشح للرئاسة عن خطة لإنشاء محطات ضخمة لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية بقدرة 10 آلاف ميجا وات، وهو ما انتقده عثمان قائلا إن «ربنا خلق الطاقة الشمسية موزعة بالتساوى على الجميع، فلماذا أقوم بتجميعها فى نقطة واحدة ثم أعيد توزيعها مرة أخرى على الناس؟»، مشيرا إلى أنه من الأفضل بناء 200 محطة بطاقة 50 ميجا وات (بما يعادل العشرة آلاف ميجا وات المذكورة)، وبنفس التكلفة، لكنها موزعة على أماكن تواجد المستهلكين المختلفة، فلا تتطلب مد كابلات كثيرة للاستفادة منها، كما يتيح بناءها بالتوازى سرعة كبيرة فى فى توفير تلك الطاقة، ويتيح من جهة أخرى خيار البناء على مراحل بحسب توافر الموارد.

وأكد خبير الطاقة المتجددة على ضرورة الاهتمام بعدد من العوامل عند بناء المحطات منها اختيار أماكن بنائها بحسب الحمل الكهربائى للمنطقة والطبيعة الجغرافية وكثافتها السكانية، ثم انتقاء التكنولوجيا المناسبة للمكان الذى تقام فيه، وكيفية الربط بينها وبين المحطات الحرارية التقليدية، كما أشار لضرورة التنسيق مع التخطيط العمرانى، وهيئة الاستشعار عن بعد، والتوافق مع خطط الدولة للتنمية السكانية والزراعية، حتى يتحقق فعلا الهدف المرجو منها.

وأوصى عثمان بالمزج بين الطاقة الشمسية وطاقة الرياح للاستفادة القصوى من كلا المصدرين المتوفرين، فضلا عن تقليل الحاجة لتخزين الطاقة الشمسية، التى ترفع من التكلفة، لأن طاقة الرياح فى المساء يمكن أن توفر جزءا مما تتيحه الشمس فى الصباح. «ومع مرور الوقت نقلل الاعتماد على الوقود الأحفورى ونتحول للطاقة المتجددة».

ويعتمد التحول إلى الطاقة الشمسية بالأساس على وجود رؤية واضحة وإرادة لتنفيذها، فالسعودية بكل ما لديها من احتياطيات نفطية تخطط للاعتماد على الطاقة المتجددة بنسبة 50% فى تغطية استهلاكها فى عام 2030، أما الصين فمنذ 10 سنوات لم يكن لديها سوى قدر محدود من طاقة الرياح، والآن تولد ما يقرب من 90 جيجاوات، كما يوضح عثمان مشيرا إلى أن «الكميات الأولية من الألواح الشمسية وتوربينات الرياح المطلوبة يمكن استيرادها من الخارج، ثم مع التوسع فى الاعتماد على هذه الطاقة نبدأ فى تصنيعها محليا، ونقيم برامج للتعليم والتدريب، تخلق فرص عمل ضخمة فى هذا المجال».



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك