موجات تسونامي العاتية التي اجتاحت بريطانيا قديما - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 7:42 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

موجات تسونامي العاتية التي اجتاحت بريطانيا قديما


نشر في: الخميس 7 أبريل 2016 - 6:03 م | آخر تحديث: الخميس 7 أبريل 2016 - 6:04 م

منذ ما يقرب من ثمانية آلاف سنة خلت، اكتسحت موجات مد عاتية (تسونامي)، وصل أقصى ارتفاع لها على الشاطئ إلى 25 مترًا، جزرًا اسكتلندية بالإضافة إلى الشريط الساحلي بسرعة 80 ميلًا في الساعة. وربما قد تسبب في حدوثها التغير المناخي. فهل من الممكن أن تحدث مرة أخرى؟

في أحد أيام الخريف، في جزر شيتلاند باسكتلندا، كانت مراكب الصيد تسحب الشباك المليئة بالأسماك، بينما يلعب الأطفال على الشاطئ. ثم حدث ما حدث: جدار من الماء يصل ارتفاعه عند بعض النقاط إلى 25 مترًا فوق منسوب مياه البحر المعتاد، بارتفاع يكفي ليغطي مبنى مكونًا من سبعة طوابق. بل وربما كانت هذه الموجة، التي وصلت سرعتها إلى نحو 35 مترًا في الثانية، ما يعادل 80 ميلًا في الساعة، أيضًا تحمل مواد أسمنتية.

ولكن على عكس موجات تسونامي التي حدثت في المحيط الهندي سنة 2004، لم توجد كاميرات آنذاك لتسجل ما خلفته هذه الموجات العاتية من دمار، ولا كانت هناك شبكة إنترنت لنشر أخبارها. ولكن في المقابل، حين انحسر الماء، لم يترك سوى آثارًا على الأرض لم يكتشفها أحد إلا بعد مُضيّ ثمانية آلاف سنة آخرى.

واليوم، تتضافر جهود علماء الجيولوجيا والحفريات والآثار لجمع الأدلة من أجل معرفة ما حدث تحديدًا، وما له من مآلات، واحتمالات وقوع حدث مشابه مرة أخرى.

يقول دكتور جون هيل، من جامعة امبريال كولدج لندن بالمملكة المتحدة، إن هذا التسونامي، الذي اجتاز بموجاته العارمة بحر الشمال، سنة 6200 قبل الميلاد، ليمحو الشريط الساحلي من النرويج إلى اسكتلندا تمامًا، نتج عن الانهيار المفاجئ لما يقرب من 180 ميلًا، ما يعادل 290 كيلومترًا من الجرف القاري بالقرب من النرويج.

وبسبب إزاحة الرواسب التي تغطي مساحة قدرها 3000 متر مكعب، امتد أثر ما يعرف باسم انزلاق "ستوريجا" إلى ما بعد شطآن اسكتلندا بكثير. ووصلت الموجة الناتجة عن ذلك إلى جزر غريندلاند.

ويقول هيل، حتى يومنا هذا، يعدّ هذا الانزلاق ثالث أكبر انزلاق تحت البحر عرفناه في العالم، وأكبر انزلاق عُرف أنه أدى إلى توليد تسونامي. إلا أن هذا الانزلاق لم يكن إلا حدث من ضمن سلسلة من الأحداث الهائلة والتغيرات السريعة التي تميزت بها نهاية العصر الجليدي الأخير على كوكب الأرض، الذي امتد من 110 ألف سنة إلى ما يقرب من 120 ألف سنة مضت.

يقول فينسنت غافني، عالم آثار بجامعة برادفورد: "في هذه الحقبة تغير العالم بالفعل، حيث تشكّل العالم الحديث ماديًا وثقافيًا".


فقد غطت الثلوج، في المنطقة التي كانت أكثر تأثرًا بالثلوج والأنهار الجليدية، في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، جميع أنحاء كندا الحديثة وشمالي الولايات المتحدة، وأجزاء كبيرة من آسيا وروسيا وشمالي أوروبا وبريطانيا.

ثم أعقب العصر الجليدي عصر دافئ منذ نحو 20 ألف سنة. وعلى الرغم من أن أسباب ارتفاع درجة الحرارة مافتئت موضع أخذِ وردّ، إلا أنه بدأ يلوح في الأفق دليل على أن ارتفاع درجة حرارة الأرض الناتج عن التغيرات الموسمية في الطاقة الشمسية ربما يكون قد تفاقَم بسبب الزيادة الطبيعية في انبعاث غازات الدفيئة في الجو.

ومع ذوبان الجليد، تحولت بريطانيا من منطقة تغطيها سهول التندرا الجليدية في وسط قارة أوروبا، إلى مساحة تغطيها الغابات، تضم برزخًا أكبر من حجم مساحة هولندا، كان يُسمى دوجرلاند، يمتد عبر ما يسمى حاليًا بحر الشمال.

وربما كان هذا المكان جذابًا إلى أقصى درجة للعيش فيه، فهو سهل منخفض يتميز بالبحيرات ومصبات الأنهار والغابات والمستنقعات الملحية، بحسب الخرائط التي رسمها غافني وغيره من الباحثين والتي جمعوها معًا بالاستعانة ببيانات المسح الزلزالي الخاصة بشركات البترول.

يقول هيل، إن ذوبان الجليد كانت له مآلات أخرى. ففي أمريكا الشمالية، نتج عن ماء الجليد المنصهر بحيرة هائلة الحجم تقترب من حجم البحر الأسود. ومنذ زهاء 8 آلاف و200 سنة، انحسرت آخر الكتل الجليدية التي كانت تحجز المياه، مما أدى إلى انفجار البحيرة وفيضانها على شمال الأطلسي. وعلى مدار السنوات المئة اللاحقة، ارتفعت مناسيب البحر ما بين 6.6 إلى 13.1 قدمًا، ما يعادل 2 إلى 4 أمتار.

وبالطبع في أعقاب ارتفاع مناسيب البحر، غرقت في النهاية دوجرلاند، التي بتنا نطلق عليها "أطلانتس البريطانية"، لتغدو بريطانيا جزيرة إلى أبد الأبدين. يقول غافني مازحًا "كان هذا أول خروج لبريطانيا من القارة الأوروبية، حين غادرنا القارة".

ويوافق جلّ العلماء على أنه عندما حدث التسونامي، كان ارتفاع مناسيب المياه قد حوّل دوجرلاند وبريطانيا، بالفعل إلى جزيرة.

ولكن عندما ضربت موجات التسونامي دوجرلاند، وكذا شواطئ النرويج واستكتنلدا وجزر البحر الشمالي، مثل جزر شتلاند، من المرجح أن تكون قد دمرت المستوطنات التي اقيمت على الشاطئ في العصر الحجري الأوسط.

ربما كان الأثر الذي خلفته موجات التسونامي أكثر فداحة وضررًا لأنها قد حدثت على الأرجح في فصل الخريف. ففي عام 2000، وجدت سو داوسون، الأستاذة بجامعة دوندي، نوى ثمار الكرز البري في رواسب موجات التسونامي، مما يدل على حدوثها في فصل الخريف، وقد أيّد هذا الاكتشاف ما عثر عليه الباحثون النرويجيون فيما بعد من عظام أسماك وطحالب خضراء.


وقد كتب مؤلفو دراسة عن أجزاء الطحالب الخضراء في رواسب التسونامي سنة 2014، إن التوقيت مهم، لأن الجماعات التي تعتمد على الصيد وقطف الثمار تذهب إلى الجبال البعيدة عن الشاطئ من أجل الصيد في فصل الصيف، وتعود إلى الشاطئ في فصل الخريف.

وكتب كل من نوت ريدغرين وستاين بوندفيك، مؤلفا الدراسة: " في أواخر شهر أكتوبر، كان مستوطنو الشريط الساحلي لبحر الشمال وبحر النرويج في العصر الحجري الأوسط يمكثون بالقرب من مستوطناتهم المقامة على شاطئ البحر."

وأضافا: "ولا شك أن الأمواج العاتية التي ظهرت من دون سابق إنذار وأهلكت هؤلاء الناس ومستوطناتهم، كانت مروّعه. ومن المؤكد أن الخسائر في المؤن والبنية التحتية والأدوات قد أسفرت عن مشاكل فادحة، وربما قضى الناجون نحبَهم مع قدوم أول شتاء".

هل يمكن أن يتكرر هذا النوع من الأحداث مرة أخرى؟ تقول داوسون، وهي من كبار الباحثين في العالم في الوقت الحالي في مجال رواسب التسونامي الناتج عما يعرف بانزلاق "ستوريجا"، إن أوروبا تشهد بالفعل موجات تسونامي بصورة متكررة أكثر مما يظن الناس.

وتابعت: "بدأنا ندرك أن هذه الظاهرة يتكرر حدوثها أكثر مما كنا نعتقد في الماضي. وفي الحقيقة كان الحدث الرئيسي انزلاق ستوريجا الهائل. ولكن ثمة دليل في جنوب غرب إنجلترا على حدوث موجات تسونامي سنة 1755 دمّرت مدينة لشبونة.

وقد وجدنا في جزر شيتلاند دليلا على حدوث موجات تسونامي عاتية مرتين، كان مركزهما داخل الجزر، كانت المرة الأولى في سنة 5000 قبل الميلاد والمرة الثانية سنة 1500 قبل الميلاد تقريبًا. فضلًا عن وجود مستندات تاريخية تثبت ظهور موجات عاتية وأشياء من هذا القبيل ربما ترقى إلى مستوى موجات التسونامي، ولكنها لم تُخلّف أي آثار لرواسب على الأرض".

ويقول الباحثون إنه في الفترات التي تشهد تغيرًا مناخيًا شديدًا، تزداد احتمالات وقوع أحداث من قبيل انزلاق ستوريجا.

وتقول الدكتورة جينيفر ستانفورد، المتخصصة في دراسة ما طرأ على المحيط من تغيرات، وبحث الانزلاقات الأرضية تحت البحر في بحر النرويج مع المركز الوطني لعلوم المحيطات بساوثهامبتون، إنه على مدار السنوات 45,000 الأخيرة، حدث نحو 70 في المئة من انهيارات المنحدرات القارية غربي النرويج، إبان حقبة الانحسار الجليدي الأكبر على الإطلاق، منذ 16 ألف إلى 4 آلاف سنة مضت.

تقول ستانفورد: "أنت تُحمّل الجرف القاري ما لا يطيق من رواسب، حتى ينوء بالحمل وينهار. وهذا هو السبب الأرجح، بالأساس، ولكننا لسنا متأكدين بنسبة 100 في المئة."


وربما لعبت الزيادة الهائلة في حجم المياه دورًا في خلخلة الجرف القاري، أو ربما يكون هذا بسبب زلزال، أو إزالة غاز الميثان، أو مجموعة من الأسباب المختلفة.

واليوم، قد تعاود بعض هذه العوامل الظهور من جديد. تقول داوسون: "تُناقَش حاليًا مسألة أن هذه الانهيارات الأرضية قد تكون أكثر تواترًا من ذي قبل بسبب التغير المناخي".

وتابعت: "فإن ارتفاع درجة حرارة المحيط ربما يؤدي إلى ذوبان هيدرات الغاز الموجود في الجليد الذي يشتمل على ميثان، مما قد يُخلخل الرواسب في نهاية الأمر. فإن ذوبان الغطاء الجليدي يزيد من احتمالات تواتر الزلازل العنيفة".

وأضافت: "وإذا انتقلنا إلى القرن الحادي والعشرين، وبما أنك تلاحظ وجود مجموعة من كل هذه التغيرات، فإن هذا قد يسفر عن وقوع انزلاقات أرضية تحت البحر والتي بدورها قد تولّد موجات تسونامي عاتية.

ولهذا نجري هذه الأبحاث التي نحن بصددها، من أجل تحديد مدى تواتر هذه الانزلاقات الأرضية وتوقيتها. وأنت ترى الآن زيادة في معدل حدوث موجات تسونامي الأصغر حجمًا حول جزر غرينلاند، وما يصاحبها من انفصال للجبال الجليدية وما يترتب عن ذلك من انهيارها وتوليد أمواج".

ويقول هيل، إنه إذا أدت الخلخلة إلى حدوث انزلاق أخر في حجم انزلاق ستوريجا، فإن العواقب ستكون وخيمة. وأضاف: "إذا وقع حدث في مثل حجم انزلاق ستوريجا في أرخبيل سفالبارد النرويجي أو في غرينلاند، فإن وقعه سيكون أشد بمراحل على المملكة المتحدة من غيرها، لأنه سيكون مواجهًا لنا. وقد ترى حينئذ أمواجًا طولها 10 أمتار ويزيد تضرب مدنًا مثل إدنبره ونيوكاسل".

وتابع: "بيد أن احتمالات وقوع هذا الأمر ضئيلة من الناحية الفلكية. فليس من المتوقع أن تحدث. ولكن قد تحدث على الأرجح انزلاقات أصغر حجمًا".

يقول العلماء إنه من الجدير بالذكر أن الناس تأقلمت، ليس فقط على الحياة في أعقاب انزلاق ستوريجا، بل أيضًا في منطقة من أوروبا ما فتئ الماء يغرق أجزاء أكبر من أراضيها. فإن غرق دوجرلاند لم يعرقل بناء المستوطنات ولم يوقف المجتمع.

تقول داوسون: "الدرس المستفاد من أسلافنا في العصر الحجري هو أنهم تأقلموا بصورة لا تخطئها العين. ربما قُتل البعض وفُقدت مجتمعات بأكملها، ولكن بقي منهم على قيد الحياة عدد كاف لمواصلة الحياة إلى العصر الحجري الأوسط. إن فكرة التأقلم مع تغير المناخ رسالةٌ هامة حقًا يمكننا أن نستقيها من الماضي حتى نستفيد منها في الوقت الحاضر".



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك