«الشروق» تنشر شهادة الفريق عبدالمنعم خليل عن العملية 9000 للجيش المصرى فى اليمن (1) - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 5:58 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حاربنا مرتزقة من كل مكان.. ولم نكن نعرف العدو من الصديق

«الشروق» تنشر شهادة الفريق عبدالمنعم خليل عن العملية 9000 للجيش المصرى فى اليمن (1)

اللواء عبد المنعم خليل  تصوير_روجيه أنيس
اللواء عبد المنعم خليل تصوير_روجيه أنيس
خالد أبوبكر
نشر في: الجمعة 10 أبريل 2015 - 10:25 ص | آخر تحديث: الجمعة 10 أبريل 2015 - 10:38 ص

• حشد التأييد للثورة كان يتم بقوة السلاح أو بقوة الريال وأحيانًا بقوة الذهب

• واجهت تمرد قبائل أرحب وجيحانة بأوامر من المشير عبدالحكيم عامر

• كلما حاصرنا قبيلة يرفع أهلها الأعلام البيضاء ومعهم عجول وخراف لإثبات الولاء

• السادات أول من اقترح إرسال قوات مصرية لليمن لإجبار القبائل على الولاء للثورة

• مصر أنشأت جسرًا جويًا وبحريًا عبر آلاف الكيلومترات لنقل الرجال والعتاد والأسلحة والمهمات والتعيينات والذهب إلى المسرح اليمنى

• قطع الطرق على «الأرتال» الإدارية الخاصة بإمداد قواتنا بالذخائر والأسلحة والتعيينات والمياه كان من أخطر الصعاب التى واجهتنا

• العقيد طيار حسنى مبارك كان المسئول عن الدعم الجوى للقوات نتيجة ظروف القتال الرهيب وتوزيع قواتنا فى المناطق الجبلية الوعرة

 

مرة أخرى يعود اليمن لتصدر المشهد العربى بمشكلاته الداخلية، التى لها ارتباطات حصرية بموازين القوى فى الإقليم، ذلك أن هذا البلد بحكم موقعه الاستراتيجى الذى يحزم ويطوق الجزيرة العربية من الجنوب، ويطل على مضيق باب المندب، الذى يتحكم فى جزء كبير من حركة التجارة بين الشرق والغرب، يغرى دوما القوى الإقليمية والدولية لمحاولة بسط النفوذ فيه واختبار القوة على أراضيه.

ومنذ أن بدأت عملية «عاصفة الحزم» التى تقودها السعودية بمشاركة مصر و7 دول عربية أخرى بالإضافة إلى باكستان؛ لمواجهة انقلاب الحوثيين الموالين لإيران على شرعية نظام الرئيس اليمنى عبدربه منصور هادي؛ فى محاولة لتعزيز النفوذ الإيرانى فى هذا البلد العربى المهم، عاد إلى أذهان المصريين تلك التجربة التى خاضتها مصر دعما للثورة اليمنية سنة 1962، والتى اضطرت على إثرها بالدفع بالقوات المسلحة المصرية لنصرة هذه الثورة الوليدة، التى قامت لإزاحة نظام ملكى كان ينتمى للعصور الوسطى.
ورغم مرور عشرات السنين على هذه التجربة، إلا أن معالجات جادة لتقييمها لم تحظ بالاهتمام الكافى، واعتبرتها أنظمة الحكم المختلفة صفحة وطويت بما لها وما عليها، وهذا ليس بجديد على حكومات تخشى على الدوام مواجهة الحقائق؛ فتهيل عليها التراب، ضاربة بعرض الحائط حقوق الأجيال جميعا فى معرفة حقيقة ما جرى فى الحقب المختلفة لاستخلاص الدروس والعبر.

ستعرض «الشروق» شهادة الفريق عبدالمنعم خليل، عن الحرب التى خاضها الجيش المصرى فى اليمن، وهو قائد عسكرى مرموق، خاض هذه الحرب من موقع رئيس عمليات القوات المصرية التى قاتلت على أرض هذا البلد الشقيق.
ما يميز هذه الشهادة أنها كاشفة إلى حد بعيد عن الصعوبات التى واجهها قائد ميدانى مصرى على المسرح اليمنى، الذى يختلف عن المسرح المصرى على صعيد طبيعة الخصم والأرض وربما الطقس، وكلها عوامل أساسية تدخل فى حسابات القادة عند تقديرهم للموقف أثناء القتال أو التخطيط له. كما تكشف إلى أى مدى أدى تدافع الحوادث إلى تورط مصرى كامل فى اليمن بعد أن كان الهدف فى البداية محدودا جدا، عبر عنه حجم القوات المحدود الذى ذهب للأراضى اليمنية، ثم ما لبث أن أخذ فى الزيادة حتى وصلنا إلى انتشار للقوات المصرية فى معظم الأراضى اليمنية.
ونؤكد ونحن نعرض لشهادة الفريق خليل عن حرب اليمن ــ التى عرضها فى كتابه المهم «حروب مصر المعاصرة فى أوراق قائد ميدانى»، الصادر عن دار المستقبل العربى ــ على أن دافعنا الرئيسى لنشرها فى هذا التوقيت هو إيماننا بحق أجيال لم تعاصر هذه الحقبة المهمة من تاريخنا فى معرفة شهادة عن تجربة مصر فى اليمن فى ستينيات القرن الماضى خصوصا ونحن نوشك ربما على اتخاذ قرار مماثل .

أما ما يخص إرسال قوات برية مصرية ضمن عملية «عاصفة الحزم» إلى الأراضى اليمنية فى اللحظة الراهنة بعد أن تغير العصر وتغيرت الظروف وتغيرت وسائل التدخل، فهو أمر متروك لتقدير القيادة السياسية المصرية الحالية التى بين يديها المعلومات والبيانات الكافية والدقيقة الكفيلة بإعانتها على أن تتخذ من القرارات ما يحافظ على الأمن القومى المصرى، والعبرة دوما بالنتائج، والحكم للتاريخ. كل ما نرجوه من خلال عرض هذه الشهادة هو ان نتدبر التاريخ ونفهمه ونحن بصدد التعامل مع الحاضر أو المستقبل.
وفيما يلى نص ما جاء فى شهادة الفريق خليل فى كتابه تحت عنوان «مصر وثورة اليمن.. العملية ٩٠٠٠ ــ ١٩٦٢ ــ ١٩٦٧».

كانت القاهرة خلال شهر أغسطس ١٩٦٢ على علم بوجود تنظيم للضباط الأحرار فى اليمن يقوده العقيد على عبدالمغنى، وأن هذا التنظيم يرتب للقيام بانقلاب على حكم الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين الطاغية كما كانوا يسمونه هناك، وكان أنور السادات على علاقة ببعض اليمنيين هنا وهناك، وكان تقدير مصر الرسمى فى حالة حدوث ثورة يمنية ضد حكم الإمام أحمد هو أن السعودية فى الشمال والإنجليز فى عدن فى الجنوب قد يقفون ضد الثوار ويدعمون موقف الإمام أحمد، ولما توفى خلفه ابنه الأمير محمد البدر ولى العهد وفى صباح يوم ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢ أذاعت صنعاء أن العميد عبدالله السلال قاد الانقلاب ضد الأمير محمد البدر ــ إمام اليمن الجديد ــ واستولى الجيش اليمنى على السلطة بعد معركة مسلحة قيل إن الإمام البدر قد قتل فيها.

واعترفت مصر بالنظام الجمهورى فى اليمن، وقرر جمال عبدالناصر التعرف على الموقف فى اليمن على الطبيعة فأرسل السادات ومعه كمال رفعت عضوى مجلس الثورة لاستطلاع الموقف ومعهما وفد من ضباط العمليات، ولما عاد السادات من صنعاء بعد ٣٦ ساعة كان تحمسه للتدخل المصرى فى اليمن واضحا؛ فقد اقترح إرسال سرب من الطائرات المصرية إلى اليمن، فهو وحده كفيل بإجبار القبائل على التجمهر (أى تأييد الجمهورية، التى جاءت على أنقاض الملكية). وكانت هذه الفكرة بداية التدخل الإجبارى الجوى والبرى والبحرى بالرجال والعتاد والسلاح والمال والذهب وكل شىء.
وكان الأمير الحسن عم الإمام محمد البدر قد عاد إلى السعودية، حيث اتخذ نجران قاعدة لإمداد القبائل بالذهب والريالات والسلاح والذخيرة والمعدات، للوقوف مع الملكية ضد الثورة، وكان الذهب له بريقه الخاص فى جذب النفوس إلى تحقيق ما تريده اليد التى تعطى.

من اليمنين: أنور السادات وعبد الله السلال وعبد الرحمن البيضاني والضابط المصري كمال رفعت

ومع بداية الثورة لمع بريق الذهب مع قبائل الشمال وهاجمت صعدة عاصمة الشمال مما أجبر رجال الثورة على تحريك قوة من الجيش اليمنى تقدر بنحو كتيبة مشاه للدفاع عن صعدة، ودارت معارك هناك كان نتيجتها بعض القتلى وعلى رأسهم العقيد على عبدالمغنى الذى قيل عنه إنه المحرك والقائد الحقيقى للثورة اليمنية ضد الإمام.
وهذا القتال الذى حدث فى الشمال ونتائجه دعا المشير السلال ورجال الثورة إلى طلب معاونات أكثر من مصر، واستجابت مصر وجاءت القوات تحملها الطائرات وسفن الاسطول المصرى الحربى والتجارى إلى صنعاء والحديدة فى سياق لدعم الثورة اليمنية.
وكان القتال فى اليمن ضد القبائل التى لم تؤيد الجمهورية يحرك قواتنا إلى حيث ترغم هذه القبيلة أو تلك على التجمهر وإعلان الولاء بقوة السلاح أو بقوة الريال وأحيانا بقوة الذهب! أو تصمد ضد هذا التيار الجديد لأن ذهب الأمير الحسن ربما يكون أكثر لمعانا وأسلحته أشد فتكا.
وحاربت قواتنا فى اليمن أصنافا كثيرة من البشر ومرتزقة من كل مكان.. وكنا لا نعرف العدو من الصديق هل هذا جمهورى؟ أم ملكى؟

 

العملية ٩٠٠٠
قامت ثورة اليمن فى ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢ وطلب مجلس قيادة الثورة اليمنية مساعدات عسكرية من الجمهورية العربية المتحدة (اسم مصر فى ذلك الوقت) وبدأت مصر بعد ٣٠ سبتمبر ١٩٦٢ فى الاستجابة لهذه الطلبات وأرسل المشير عبدالحكيم عامر نائب رئيس الجمهورية والقائد العام للقوات المسلحة اللواء أ.ح على عبدالخبير ومعه بعض الضباط من الصاعقة والمظلات وغيرهما إلى اليمن لمقابلة أعضاء مجلس القيادة ومعرفة مطالبهم، وبدأت مصر فى إرسال بعض سرايا من رجال الصاعقة والمظلات للمعاونة فى حماية الثورة فى أول أيامها، ثم تطور الموقف بسرعة غير متوقعة وكلف اللواء أ.ح على عبدالخبير وهو فى اليمن بتولى مسئولية مساندة الثورة وبدأ يفكر فى تكوين قيادة صغيرة لتعاونه للقيام بالمهمة المكلف بها فقد يحتاج الأمر إلى مزيد من القوات المصرية ترسل إلى اليمن.
وقد اختار اللواء أ.ح سعدى نجيب رئيسا للأركان، ثم اختارنى مديرا للعمليات، واختار العقيد أ.ح نوال سعيد مديرا للإمداد والتموين والعقيد محمد تمام مديرا للتنظيم والإدارة وشئون الأفراد، وسافرنا نحن الثلاثة فى طائرة «انتينوف» إلى مطار صنعاء وصلناه فجر يوم ١٨ أكتوبر ١٩٦٢ وقابلنا اللواء أ.ح على عبدالخبير فى المكان الذى اختاره مؤقتا للقيادة، وهو منزل ريفى صغير فى صنعاء قرب مبنى مركز قيادة الثورة برئاسة المشير السلال، وبدأنا العمل منذ وصلنا كل فى اختصاصه، وكان مكانى دائما مع اللواء على عبدالخبير نعمل فى المندرة فى مدخل المنزل والاستراحة فى المقعد أعلى الدار وسارت الأمور هكذا عدة أيام وخلال هذه الفترات كان يحضر لزيارتنا يوميا أو عدة مرات فى اليوم المشير السلال حاملا رشاش تومى قصير وهو بملابسه الرسمية، ومعه حرسه من الأخوة اليمنيين بالبنادق والخناجر والرشاشات، وكان يطلب ان تقوم الطائرات المصرية بضرب منطقة كذا أو منطقة كذا لأنها لم تتجمهر (أى تؤيد الملكية). كما كان يطلب قوات لإرسالها إلى مناطق نفوذ قبائل اليمن المتعددة لإرغامها على التجمهر وإعلان الولاء للثورة.

اللواء أنور القاضي والمشير عبد الحكيم عامر وبينهما عبد الرحمن البيضاني نائب رئيس مجلس الثورة اليمنية

وفعلا تم ارسال كتيبة صاعقة إلى صرواح، وبقيت كتيبة صاعقة وكتيبة مظلات فى صنعاء للدفاع عن مقر السلال ومركز قيادة الثورة وقيادتنا وأرسلنا الكتيبة ٧٧ مظلات إلى عمران.
وكان الموقف قد تطلب التقدم إلى مأرب عاصمة مملكة سبأ القديمة، وتم اسقاط سرية مظلات قبل غروب شمس يوم ٢٢ أكتوبر ١٩٦٢ شرقى صرواح، وتقدمت كتيبة صاعقة من صنعاء برا للاتصال بها وتدعيمها ولكن للأسف الشديد تشرد عدد كبير من رجال المظلات فى عملية الاسقاط، حيث لا توجد خرائط واضحة لليمن وحتى الخرائط التى أمكن الحصول عليها لا توضح إلا المعالم الرئيسية وكلها جبال ووديان ومرتفعات وخيران.
وللأسف أيضا وقعت عناصر كتيبة الصاعقة فى تقدمها إلى صرواح فى كمين عند رأس العرقوب واضطررنا إلى إصدار أوامر لها بالعودة إلى جيحانة، ولكنها وصلت صنعاء ثم أصدرت لها الأوامر مرة أخرى بالعودة إلى جيحانة على طريق صنعاء ــ رأس العرقوب ــ صرواح ــ مأرب وكانت كل الاتصالات بالبرق المدنى وبالطبع باليمنى والله أعلم كيف كانت تصل التعليمات.

وفى ٢٨ أكتوبر ١٩٦٢ وصل المشير عبدالحكيم عامر إلى صنعاء واخترنا له منزلا مواجها للدار التى كنا نتولى إدارة العمليات منها وهو بجوار مبنى السفارة المصرية، وعقدنا مؤتمرنا (اجتماعنا) وكان الفريق أنور القاضى قد سبقه إلى اليمن فى مهمة ويعود بعدها للقاهرة، ولكن صدرت الأوامر له ان يتولى قيادة القوات العربية (يقصد القوات المصرية، حيث ان مصر كانت اسمها الجمهورية العربية المتحدة) فى اليمن والتى أصبح يتدفق عليها يوميا وحدات وأسلحة ومعدات من القاهرة. وفى المؤتمر الذى عقده المشير فى استراحته كان كل ما يدور هو كيفية معاونة ثورة اليمن وتأمين قواتنا.
وحضر المؤتمر بعد ذلك المشير السلال وبعد أيام قلائل انتقلنا إلى مبنى أكبر يستوعب عددا أكبر من أسرة القيادة التى بدأت تنمو وتنمو إلى عشرات الضباط ومئات الجنود والصف ضباط والمدنيين المصريين والعربات الحربية والمدنية والمدرعات والمركبات المصفحة!
وبدأت بشائر أفراد المظلات الذين اسقطوا فى صرواح تصل إلى صنعاء بعضهم سيرا على الأقدام وبعضهم مع أفراد من القبائل بركبون الدواب وأمرنى المشير بتوزيع ريالات لكل من يحضر جنود مظلات، وبالطبع ملايين الريالات لا تساوى شيئا أمام عودة جندى مصرى سالما إلينا. والحمد لله تم تجميع معظم أفراد المظلات عدا من استشهد أو شرد ولم يصل إلا بعد فترة طويلة.

العقيد عبد المنعم خليل ينظر في أوراقه وبجواره المشير عامر

وهكذا تورطت مصر فى اليمن وبدأت فى إنشاء جسر جوى وبحرى ضخم عبر آلاف الكيلومترات لنقل الرجال والعتاد والأسلحة والمهمات والتعيينات والذهب إلى أرض اليمن التى ابتلعت خيرة وحدات القوات المسلحة وأهلكت أفرادها ومعداتها وأسلحتها وطائراتها واستنفدت أنفاسها!
وبدأت عمليات قطع الطرق على قواتنا خاصة القولات الإدارية التى كانت تتحرك لامداد القوات بالذخائر والأسلحة والتعيينات والمياه إلى بعض المناطق وبالطبع الزيوت والوقود والشحومات، وأذكر فى نوفمبر ١٩٦٢ قامت قبيلة تسمى «بنى مطر» بقطع طريق الحديدة ــ صنعاء عند الكيلو ١٣٥ من الحديدة، ولكن تم فتح الطريق بعد نحو ٤٨ ساعة متحملين بعض الخسائر فى الأرواح والسيارات.
وكانت الحكومة اليمنية تطلب من القيادة العربية (يقصد القيادة المصرية) مزيدا من القوات للمعاونة فى السيطرة على مناطق اليمن المتعددة والمترامية الأطراف سواء إلى صعدة شمالا أو مأرب شرقا أو تعز جنوبا أو الحديدة غربا، أو ميدى فى الشمال الغربى أو حجة فى أعلى جبال اليمن بمهمة ايقاف عمليات التسلل وتهريب الأسلحة والمعدات والأموال إلى داخل اليمن، واظهارا للقوى واجبار القبائل على إعلان الولاء للثورة.

وثبت رسميا وصول الأسلحة الآتية إلى داخل اليمن للعمل ضد ثورتها حتى نهاية عام ١٩٦٣ ــ
ــ ١٣٠ ألف بندقية أى تسليح مائة وثلاثين ألف جندى
ــ 5 آلاف مدفع رشاش متنوع الأحجام
ــ ١٣٠ مدفعا مضادا للدبابات
ــ 90 مدفع هاون خفيف
ــ 16 مدفعا مضادا للطائرات
ــ ٢٠ مليون طلقة
ــ ٨٦٠٠ لغم مضاد للدبابات.

جمال عبد الناصر

 

واضطرتنا ظروف القتال الرهيب وتوزيع قواتنا فى معظم مناطق اليمن الجبلية الوعرة إلى ضرورة دعم القوات العربية بمزيد من طائرات النقل «اليوشين» الروسية الصنع والهليكوبتر «مى 4»، و«مى 8»، ثم «مى ٦» وهى التى مكنها نقل مدافع ومعدات وسيارات ثقيلة.
وكذا أسراب من الطائرات القاذفة المقاتلة المعاونة فى تأمين قواتنا مما دعا إلى تكوين قيادة كبيرة للقوات الجوية المصرية فى اليمن.
وجاءت الحاجة إلى طائرات أكبر، ووافق المشير عامر على تخصيص عناصر من الطائرات الروسية بعيدة المدى «انتينوف/ تى يو ١٦» لتقوم من مطاراتها بمصر لتلبية طلباتنا فى اليمن والعودة إلى الوطن. وكان الاسم الكودى الذى اصطلحت القيادة العامة عليه لطلب هذه الطائرات هو «مبارك»، حيث كان يقود هذا السرب العقيد طيار أ.ح محمد حسنى مبارك.

تمرد قبيلة أرحب
فى أوائل رمضان تمردت قبيلة أرحب وقامت قوة مصرية مكونة من 3 دبابات ومعها فصائل مشاه ورشاشات بالتقدم تجاه بيت مران فى أرحب بقيادة الرائد إبراهيم العرابى لفك حصار القوات اليمنية والتى كان يقودها النقيب حمود بيدر من أعضاء مجلس قيادة الثورة اليمنى وتم تخليص القوة اليمنية والسيطرة على المنطقة بعد قتال مرير.
وفى الأيام الأولى من رمضان أيضا وكنت اشغل رئيس عمليات القوات العربية باليمن، وكان موقف القبائل مظلما ومحيرا وإذا بالمشير عامر يطلبنى ويقول لى «قبائل جيحانة قلبت وقطعت طريق الإمداد الرئيسى للقوات واحنا بنستبشر بيك يا منعم وعليك فتح الطريق واختار ما تشاء من قوات والعقيد طيار أيوب معك لمعاونتك فى استطلاع المنطقة».

تمرد قبائل جيحانة
نزلت مع العقيد طيار أيوب وركبنا معا طائرته الصغيرة ذات المقعدين وطاف بى فوق المنطقة وتمكنت من استطلاع بعض الدروب والوديان التى تلتف حول المواقع المحتمل أن يكون العدو قد احتلها وقطع منه الطريق.. وعدت إلى القيادة وإذا بالمشير يقول لى إن الوزير الزبيرى سيكون معك فى هذه المهمة أيضا اتصل به ونسق معه.. وتم تكوين قوة من 3 دبابات «ت ٥٤» من القيادة المصرية وعربة مدرعة تسمى «ب ت ر» روسية الصنع وفصيلة مشاه وبعض الرشاشات وأخذت طبيب القيادة لمرافقة القوة وبعض عربات نقل الجنود.

وكان المقدم صلاح خيرى مرافقا معى لقيادة قوات المشاه والأسلحة المعاونة وتحركنا فى اليوم التالى مع الفجر على طريق (صنعاء ــ جيحانة) وعند قرية «ريمة حميد» الصغيرة توقفنا حيث بدأ الكمين القول الإدارى المصرى منها.. وأمرت قائد الفصيلة المشاه النقيب قدرى بدر بالتقدم وتقدم القائد أمام الجنود واقتحم القرية.
وبعد تأمين القرية قررت اتخاذها قاعدة للانطلاق بباقى قواتى إلى مهمتها واخترت التقدم من الجنوب الشرقى فى المدقات التى تم استطلاعها جوا فى اليوم السابق، وما كدنا نتقدم نحو كيلومتر أو أكثر قليلا حتى قابلتنا مظاهرة ضخمة من الرجال والنساء والأطفال يرفعون الأعلام البيضاء رمزا للتسليم ومعهم 3 عجول وعدد من الخراف وهى عادة فى اليمن لإثبات الولاء للأقوى! وكان معى دليل يمنى قال إن هذه عادة يجب قبولها ولكنى اعطيتهم الأمان، وطلبت منهم العودة إلى قراهم على ان يخطرونى بأى متسلل غريب عنهم وموجود فى منطقتهم.. وعند هذه المنطقة اعتذر الوزير الزبيرى عن مواصلة التقدم معنا وعاد إلى صنعاء.
وتطوع أحد أفراد هذه القبيلة ليعمل دليلا معى ليرشدنى على مسالك المنطقة إلى جيحانة على الطريق إلى مأرب، وخلال هذه الفترة مر الوقت بسرعة وكانت الساعة تقترب من الواحدة بعد الظهر، وكنا فى شهر رمضان وكنت والحمد لله صائما كعادتى دائما، فالصيام يعطينى قوة وصمودا وجربت هذا فى حرب فلسطين عام ١٩٤٨.
وتحركت ميلا آخر وإذا بى أشاهد نفس المظهر السابق من قبيلة أخرى فى مظاهرة تضم الرجال والنساء والأطفال، وحدث ما تم مع المجموعة الأولى من أمان واطمئنان وقرأت فى عيونهم الفرح وسمعنا زغاريد النساء تدوى فى المكان.
وأمرت القوات بالتقدم.. وتقدمت أمامى ثلاث دبابات «ت ٥٤» الأمامية منها مجهزة لتفجير الألغام وتسمى دبابة دقاقة، وكنت اركب عربتى المدرعة خلف الثلاث دبابات، وفى لحظات شعرت بانفجار عنيف ودخان كثيف واتربة وتوقفت العربة فجأة ونصفها الأمامى قد تدمر، ولم أجد السائق بجوارى ولما وجدت نفسى بخير وكذا السائق والصحفى المرافق لى، قررت مواصلة التقدم بدون العربات الأخرى التى أمرتها بالعودة إلى قاعدتها.

محمد البدر

وركبت الدبابة الأولى الدقاقة مع قائدها وركب على مقدمتها من الخارج الدليل اليمنى الذى تطوع بأن يكون دليلا لنا وكان له الفضل فى إرشادنا للوصول للمنطقة التى كان بها الكمين المعادى الذى قطع طريق الامداد إلى جيحانة.. وهناك وجدت عربات القول الإدارى المعطل وقد أصيبت جميع اطارات السيارات برصاص المعتدين فتعطلت ونهبوا كل حمولتها.
ووجدت عربة اتصال لاسلكى معطلة أيضا وبها ضابط من الإشارة علمت منه بالموقف وتم تفتيش المنطقة والسيطرة عليها وتجميع السائقين وأفراد الحراسة وأخطرت قيادة القوات العربية فى صنعاء بتأمين الطريق فأصدروا الأوامر لقول إدارى آخر محمل بالاحتياجات بالتقدم إلى جيحانة ولم أغادر مكانى إلا بعد مروره ووصوله إلى جيحانة بأمان.

فى الحلقة القادمة
تفاصيل زيارة جمال عبدالناصر لليمن
حكاية القبلى الغادر الذى رفض الاستسلام للقوات المصرية
الدروس المستفادة من الحرب المصرية فى اليمن



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك