يوميات الخوف والجوع بين الأطفال السوريين في «مقابر عثمان بأكتوبر» - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 7:44 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يوميات الخوف والجوع بين الأطفال السوريين في «مقابر عثمان بأكتوبر»

حضانة أبو عماد فى مساكن عثمان تحولت إلى تجمع سورى فى انتظار الدعم <br/>تصوير - إبراهيم عزت
حضانة أبو عماد فى مساكن عثمان تحولت إلى تجمع سورى فى انتظار الدعم
تصوير - إبراهيم عزت
تحقيق- أحمد البرديني
نشر في: الجمعة 12 سبتمبر 2014 - 11:45 ص | آخر تحديث: الجمعة 12 سبتمبر 2014 - 2:30 م

على أطراف الحي السادس فى مدينة السادس من أكتوبر، تقع مساكن عثمان من ناحية طريق الواحات، لا تختلف الحياة بداخلها عن المقابر التى تبعد عنها أمتارًا قليلة، إذ تخلو المنطقة النائية من أى ملامح للخدمات الحكومية، فهي بلا مستشفى أو مدرسة أو قسم شرطة، وإن كانت واجهة المباني توحي لحظة دخولك للمنطقة بأنك في مجمع سكني يحظى سكانه بهدوء وحياة لا ينقصها شيء، يتبدد ذلك سريعًا بمجرد أن تسير بين ممراتها المتخمة بأكوام القمامة ومستنقعات المجاري التي تزكم الأنوف.

تضم (بلوكات) عثمان مزيجًا من النازحين مختلفي الجنسية، فالطرف الأول من الأسر المصرية التى هُجرت قسرًا من منطقة زرزارة بهضبة الدويقة، والآخر سوري ممن أتوا فارين من جحيم الاقتتال بسوريا، ويبلغ عددهم الآن نحو 100 أسرة، ممن يقطنون في الشقق التي استأجرتها لهم سابقًا الجمعية الشرعية وقت عملها على ملف الإغاثة.

«أصبحتُ مضطرًا إلى استبدال كوبونات البرنامج الغذائي التي تمنح للاجئين السوريين بعبوات حليب، كى يسهل بيعُها لأسدد منها إيجار السكن» هذا ما لجأ إليه يوسف محمد، المحامي السوري، ضمن محاولات بحثه الدءوب عن نافذة جديدة للرزق بعد تجميد الجمعيات الخيرية للمساعدات التي كانت تخصصها للسوريين النازحين إلى مساكن عثمان.

«انقطعت عنا الإعانات المادية للجمعيات الإسلامية منذ 5 أشهر، باستثناء السلة الغذائية التي حصلنا عليها في رمضان الماضي» يضيف الرجل الأربعيني بصوت مفعم بالأسى.

عاطف السيد، المشرف العام على قطاع الجمعية الشرعية بـ 6 أكتوبر والشيخ زايد قال لـ«الشروق»: «مشروع دعم الإغاثة السورية تفكك بعد قرار مصادرة لجنة حصر أموال الإخوان، التابعة لوزارة العدل، وأموال الجمعية الشرعية مع منظمات إسلامية أخرى».

كانت الجمعية الشرعية بدأت مشروع الإغاثة بتسع أسر تقدم لهم الإيواء والنقدية الشهرية، حتى وصل عدد الأسر التى ترعاها فى المنطقة 1193 أسرة، بتكلفة شهرية تزيد على 120 ألف جنيه، مخصص منها 70 ألفًا لإيجار الشقق.

إلا أن هذه المساعدات، بحسب السيد، تقلصت بشدة فى الشهور الأخيرة، لحد اكتفائها بتصريف الشنط الرمضانية التي توزعها الجمعيات الخيرية بصورة اعتيادية، ولكنها إذا قورنت بما كانت تقدمه الجمعية فى العامين الماضيين فإنها لا تعد شيئًا، وهو ما عزاه المسئول بالجميعة إلى ترحيل السلطة لأعداد كبيرة من السوريين تطبيقًا لقرار فرض التأشيرة على دخولهم مصر، وعدم تقديمهم الإغاثة للاجئين لأكثر من 3 أشهر.

بالقرب من الشارع المطل على مقابر عثمان، تقع حضانة «براعم الشام» التي يديرها أبوعماد مع زوجته الأزهرية، لتحفيظ الأطفال السوريين بالمنطقة القرآن و«تعليمهم المعاملة» حسبما يقول الرجل ذو البشرة القمحية والشارب الكث: «وجدتُ ضالتي في مشروع غير بعد فشل محاولاتي في أعمال أخرى، ورغم قلة روادها الذي يصل إلى حد 8 أطفال بمبلغ لا يتعدى 400 جنيه شهريًا، فهي وسيلة مقبولة».

يوسف لديه 4 أولاد أكبرهم يبلغ 11 عامًا، وهو ما يساعده من تحصيل سلات غذائية بمبلغ 1200 فى صورة حليب من قبل مفوضية اللاجئين، و1500 جنيه سنويًا من المدرسة الكاثوليكية التي يدرس بها أولاده ضمن منح اللاجئين، يعلق: «لولا هذه الفلوس ما كنتُ قدرت على جمع قوت بيتي».

الحضانة تحولت مع الأيام إلى مركز تجمع سوري بمساكن عثمان، فالأسر التي ظلت بها ولم ترحل مع نظيرتها إلى بيت العائلة، لا تخطئ طريق «براعم الشام»، أملا فى أن تجدد المساعدات ثانية بجانب السلة الغذائية التى يحصلون عليها من مفوضية اللاجئين، ما جعلهم يترددون على المكان باستمرار كى لا يفوتهم ضيوفه، وهو ما حدث مع السيدات اللاتي توقعن من هيئتنا أن نكون من «أهل الخير» قبل أن يتشجعن على كسر صمتهن بسرد حكايتهن.

«ما في أسوأ للسوريين من مساكن عثمان» تقولها هدى عمر، سيدة ثلاثينية، تجلس القرفصاء على مقربة من أولادها الثلاثة، بعد انتهاء جلسة الدرس الدينى، مشيرة فى حديثها إلى معاناة طريق الواحات الذين يصفونه بـ«طريق الموت» الذى تكثر به الحوادث والسرقات: «أضع يدى على قلبى فى كل مرة يخرج فيها أولادى لقضاء حاجاتنا من الحى السادس مستخدمين التوك توك المنفلت».

الطريق المنعرج المؤدى إلى مساكن عثمان يكلفك 15 جنيهًا فى رحلة ذهابك فقط، إذا اقتادك شاب التوك توك، الذى يعتبر الوسيلة الأولى هنا فى ظل تأخر العربات من موقف السادس، ولارتفاع أسعار الانتقال يضطر السوريون إلى قطع كيلومترات لقضاء حاجاتهم او استئجار آخر شهريًا ضمانًا لالتحاق أولادهم بالمدرسة بالحي السادس، مما يكبدهم مصاريف أخرى بجانب ضيق العيش.

وهنا تعود هدى للحديث مثيرة تساؤلا آخر بصوت مبحوح: كيف يعمل أخي بعشرين جنيهًا فى محال المأكولات بالحصري يوميًا وأجرة التوك توك ذهابًا وإيابًا قد تزيد على هذا الرقم ؟»، لذا يفضل الرجال البحث عن فرصة عمل قريبة مثل زوجها الذي خصص زاوية أسفل منزله لبيع المأكولات الشعبية بدلا من البحث عن فرصة عمل في الحى العامر بالمحال الشامية.

لا تخفى السيدة قلقها من الجرائم التي ترتكب بحق السوريين بالمنطقة، لتلتقط صديقتها كوثر طرف الحديث ضمن حلقة استغاثة في ردهة الحضانة: «منذ فترة هاجم ملثمون أسرة سورية بزعم أنهم ينتمون للأمن الوطني ويبحثون عن معارضين لنظام الأسد، لكنهم فروا بحقيبة بها 1200 جنيه، وحررت محضرًا بنقطة الحي السادس ليكتشفوا الخدعة بعدم ثبوت ذلك».

لم تكن «خديعة الأمن الوطني» هي الواقعة الوحيدة في نطاق السوريين، فلا تزال ذاكرة السوريات تحتفظ بواقعة سرقة الخاتم الذهبي من إحداهن ذات مساء من أحد أبناء المنطقة، وهو ما يثير توجسهن من التعامل بحذر مع جيرانهم المصريين، في ظل الغياب الأمني عن المنطقة المنعزلة، ليعلق أبو عماد: «نادرًا ما تجد سيارة شرطة فى منطقتنا وهو ما يجعلنا نتجنب الاشتباك مع أحد».

المشكلات الاقتصادية والأمنية التي يعاني منها السوريون بمساكن عثمان، تجعلهم يفكرون باستمرار في هجرة هذا الحي، فمنهم من يأمل أن يحوز ثقة مؤسسة فرد للإغاثة التي تتولى إيواء اللاجئين ببيت العائلة، الحى المعمور، ليُرحم من «مساكن القبور» كغيرهم من مكثوا به وقتا ثم رحلوا، وآخرون يروادهم حلم السفر إلى أوروبا مثل «صبحية الخشن»، ابنة عم يوسف، التي تمنى نفسها بأن تلحق بنجلها فى ألمانيا.

«كنا أصحاب حال ميسور بدمشق، ولم نعد نحتمل العيش بهذه الطريقة، فإذا كان لم يكتب لوطننا أن يهدأ فعلينا أن نهجر إلى عيشة أفضل بأوربا» هذا ما تراه صبحية بعد عامين من نزوحها إلى القاهرة.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك