سميــــــح القاســـــــــــم .. روح المقاومة حين تزأر شعرًا - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 6:36 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سميــــــح القاســـــــــــم .. روح المقاومة حين تزأر شعرًا

سميح القاسم
سميح القاسم
سامح سامى
نشر في: الخميس 21 أغسطس 2014 - 9:15 م | آخر تحديث: الخميس 21 أغسطس 2014 - 9:15 م

سيد الأبجدية.. الشاعر القديس.. مغنى الربابة.. شاعر الشمس.. قيثارة فلسطين

ألقاب كثيرة نالها الشاعر الفلسطينى الكبير سميح القاسم (1939ــ2014): سيد الأبجدية، شاعر المقاومة العربية، «قيثارة فلسطين» و«متنبى فلسطين»، «شاعر العرب الأكبر»، «شاعر العروبة بلا منازع وبلا نقاش وبلا جدل»، «الشاعر القديس»، «الشاعر المبدع، المتجدد دائما والمتطور أبدا»، و«مغنى الربابة وشاعر الشمس».

ولد القاسم لعائلة درزية فى مدينة الزرقاء بالأردن 11 مايو 1939، وتعلم فى مدارس الرامة والناصرة. وتعلم فى إحدى المدارس، ثم انصرف بعدها إلى نشاطه السياسى فى الحزب الشيوعى قبل أن يترك الحزب ليتفرغ لعمله الأدبى الذى بلغ أكثر من 70 عملا فى الشعر والنثر والمسرح، بدأها بقصائد «مواكب الشمس» 1958، ثم « أغانى الدروب» 1964، و«دمى على كفى» 1967. أسس صحيفة «كل العرب»، ورئيس تحريرها

الفخرى. وله مع الشاعر الكبير الفلسطينى محمود درويش مراسلات، عرفت بـ«كتابات شطرى البرتقالة»، من أعذب الرسائل الأدبية، نشرت فى منتصف الثمانينيات من القرن الماضى، فى جريدة الاتحاد تحت العنوان نفسه.

حصل القاسم على عدة جوائز، منها جائزة «غار الشعر» من إسبانيا، وعلى جائزتين من فرنسا عن مختاراته التى ترجمها إلى الفرنسية الشاعر والكاتب المغربى عبداللطيف اللعبى، وحصل على جائزة البابطين، وحصل مرتين على «وسام القدس للثقافة» من الرئيس ياسر عرفات، وحصل على جائزة نجيب محفوظ من مصر، وجائزة «السلام»، وجائزة الشعر الفلسطينية.

وفى السطور الآتية نعرض آراء شعراء ونقاد عن الشاعر سميح القاسم الذى رحل عن الدنيا الثلاثاء الماضى، وذلك عقب تدهور خطير فى حالته الصحية قبل أسبوعين، حيث كان يعالج فى مستشفى صفد فى منطقة الجليل بالأراضى المحتلة، من مرض سرطان الكبد.

موسى حوامدة:

تجربة شعرية كبيرة ومسيرة نضالية تخللتها أغلب محطات النكبة الفلسطينية

الثورة الفلسطينية منحت الشعراء الذين كتبوا عن الثورة حرزا ومناعة من النقد، وبات كل من ينتقد شاعرا كتب عن فلسطين كأنه خارج على القانون ــ لغاية اليوم لم يكتب نقد حقيقى عن تجربة الشعراء الفلسطينيين، وكل ما كتب تقديس للموضوع الرئيسى وهو الحق الفلسطينى وكأن الموضوع طغى على كل شىء آخر، وبالطبع لعل الشعراء أنفسهم استغلوا الأمر وشعروا بأنهم فى حصانة عن النقد فكانوا يكتبون وكأنهم فوق النقد وتبين أنهم كانوا محقين، فالعقلية العربية لا تميز بين الحب والنقد/ بين الموضوع وطريقة التعبير وحتى اليوم هناك حساسية فى طرح الأمر، وكأن الكتابة اليوم عن رحيل سميح القاسم لا تسمح إلا بترديد نفس العبارات التى كنا نرددها عن شعراء المقاومة، وهى مفهومة فى باب الحزن والرثاء ولكنها غير مفهومة فى باب التحريز والتحصين.

لا نقول ذلك تقليلا من حزننا على فراق سميح القاسم ولا تقليلا من أهميته الشعرية والإنسانية، ولكن فرق بين البكاء والتباكى، فرق بين الحزن الحقيقى، والحب الحقيقى الذى يؤمن بالنقد الموضوعى ولا يرى شاعرا أو كاتبا فوق النقد.

ولسميح القاسم تجربة شعرية كبيرة ومتشعبة ومسيرة نضالية تخللتها أغلب محطات النكبة الفلسطينية مرورا بقيام إسرائيل وحرب الـ67 وبقية الحروب التالية والصراع العربى الصهيونى، هذه التجربة وتجارب بقية شعراء المقاومة لم يتم تناولها إلا من باب الإطراء والإعجاب بأن هناك من يكتب بالعربية داخل الـ48، وبعد ذلك برز صوت سميح القاسم كشاعر مقاومة، وظلت تحربته الشعرية تراوح مكانها فى بنية التفعيلة، وفى نفس المباشرة ومع ذلك كرس اسمه كشاعر مقاومة فلسطينية وحافظ على بقائه داخل الكيان الصهيونى.

شعبان يوسف:

خمسون عاما من الحضور المقاوم

عندما تعرفنا على شعراء المقاومة فى نهاية عقد الستينيات وأوائل السبعينيات، كنا كأننا اكتشفنا حلولا سحرية لمعضلات فنية ونضالية وسياسية، وكان فى ذلك الوقت الشعراء الثلاثة محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد ــ هكذا كانت تتردد أسماؤهم بهذا الترتيب الصارم ــ يتناوبون الشهرة بأشكال كثيرة، وكأنهم انبثقوا فجأة من ظلمة الأسوار التى كانت تفرضها إسرائيل على أصواتهم، ولكنهم بمعاونة جهود مثقفين ومقاتلين وكتاب مثل غسان كنفانى، تسربت قصائدهم من الأرض المحتلة، وبعد ذلك صارت أسماؤهم معروفة بشكل شبه أسطورى، وكان النقاد والصحفيون يسعون لالتقاط أى خبر، وكان كل شاعر من هؤلاء له تميزه الخاص، وكان لسميح القاسم أسطورته الخاصة كذلك، وكان قريبا من قلوب المصريين، حيث قصيدته التى اشتهرت بيننا عن السد العالى كانت تفيض بمشاعر دافقة نحو عمال السد، ومشروع السد، كذلك رسالته إلى نجيب محفوظ، ولم تكن قصائده رغم قوة صوتها، قصائد تقريرية، بل كانت تعمل على التجريب والتجديد والتطوير، وهذه كانت معركة سميح ورفاقه، تخليص فكرة الناس عنهم باعتبارهم يتبعون السياسة، أو أنهم ملحق فنى للقضية الفلسطينية، لذلك كانت قصائد سميح تنهل من التاريخ والجغرافيا، وكانت تتجاوز فكرة الأرض المحلية ليدافع عن الانسان المقهور فى العالم كله، فغنى لمصر وأفريقيا وثوار فيتنام، وظلت أشعاره تتطور بشكل مضطرد عبر جدارية شعرية طويلة، امتدت منذ أواخر الخمسينيات فى العقد الماضى حتى رحيله، واستطاع رغم مطاردة العدو الصهيونى له، أن يجود فى أشكال القصيدة، فكانت مقاومة الأوضاع السياسية والاجتماعية تقف جنبا إلى جنب مع مقاومة الكتابة الرديئة، والشعر الذى يتسول القضية حتى ينتشر، وكانت اسرائيل تعمل على ترويج وتسويق شعراء آخرين، ولكن سميح عبر مجلته «الجديد»، التى كان ينشر أشعاره فيها، استطاع أن يتجاوز أسوار الوطن حتى يعرفه العالم أجمع، وظل مثالا نموذجيا للشاعر المقاتل والمجدد فى آن.

مصطفى رجب:

اختـــــــار النضـــــــال فــــــــــوق

أرض وطنــــــــــــــه المحتــــــــــــــلرحل سميح القاسم، الشاعر الدرزى الفلسطينى المناضل الذى ولد بمدينة الزرقاء بالأردن عام 1939م. ولكنه تلقى تعليمه فى المدن الفلسطينية: الجليل، ثم والنَاصرة، وقد عمل لبعض الوقت بالتدريس حتى قامت السلطات الصهيونية باستبعاده من عمله بسبب قصائده، فانضوى تحت لواء الحزب الشيوعى الفلسطينى، وواصل نضاله السياسى، ودفع من عمره ثمنا لنضاله سنوات فى سجون الاحتلال. كما كتب سميح القاسم عدة روايات ومسرحيات وكتب كلها تصب فى مسيرة توجهه النضالى، حتى صار مع معاصره وصديقه محمود درويش من أبرز رموز شعر المقاومة فى الأرض المحتلة، وقد احتفت به وبأشعاره كل الأوساط الأدبية فى الوطن العربى، ودرست أعماله الأدبية فى الجامعات فى رسائل وبحوث عدة. ولعل من أشهر قصائده التى يكاد كل عربى من المحيط للخليج يحفظها قصيدته الشهيرة (الانتفاضة).

رحم الله سميح القاسم الذى اختار النضال فوق أرض وطنه التاريخية، واعتقل وسجن، وطورد فى لقمة عيشه، على حين اختار غيره اللجوء للدول الأكثر أمنا واستقرارا، واكتفى من اختار النضال منهم أن يقاوم بالميكروفونات. ولكن من بعيد! وأخلد آخرون إلى الثراء والنعيم وتناسوا وطنهم وأهاليهم من عرب 1948 الرابضين القابضين على جمر التشبث بالأرض والعرض.

يوسف القعيد:

أصابته الدهشة عندما زار القاهرة لأول مرة

الشاعر الفلسطينى الكبير سميح القاسم زار مصر فى أول زيارة له لعاصمة دولة عربية، وقد أصابه الدهشة والذهول من القاهرة، وقد سجلت معه فى مجلة المصور رحلته الأولى للقاهرة، ورأيت تصميمه أن يرى ضريح الشاعر الفلسطينى معين بسيسو الكائن فى مدافن مدينة نصر، وكيف كان يصلى ويقرأ الفاتحة، وعرفت يومها كيف هى محنة الفلسطينى، وأنه حالة خاصة، ولاحظت على القاسم أنه كان مولعا بزيارة الأضرحة، فزار السيدة نفيسة والسيدة زينب، رغم أن المعروف عنه انتماؤه للحزب الشيوعى، مثل صديقه محمود درويش، الذى حاول بعض المثقفين، كعادتهم، إثارة الجدل بينهما، حول مسألة من أكثر وطنية الذى ظل بفلسطين كالقاسم أم الذى تركها وسافر للخارج كمحمود درويش لتوصيل القضية عالميا، إلا أنها كانا أكبر من هذه المسألة، فأبدعا سويا كتاب «رسائل بين شطرى البرتقالة».

وقد استمرت صلتى به منذ هذه الراحلة، وحزنت كثيرا على رحيله؛ لأن بموته يرحل آخر شاعر للقضية الفلسطينية.

قصيدة سميح القاسم

عن السد العالى

عروس النيل

أسمعُهُ.. أسمعُهُ!

عبرَ فيافى القحط، فى مجاهلِ الأدغال

يهدرُ، يَدْوى، يستشيط

فاستيقظوا يا أيها النيام..

ولْنبتنِ السدود قبل دهمة الزلزال

تنبهوا.. بهذه الجدران

تنزل فينا من جديد نكبة الطوفان!

<<<

لمن تُزَيّنونَها.. حبيبتى العذراء!

لمن تبرّجونها؟

أحلى صبايا قريتى.. حبيبتى العذراء!

حسناؤنا.. لمن تُزَفّ؟

يا ويلكم، حبيبتى لمن تُزَفّ

لِلطّمْيِ، للطحلب، للأسماك، للصّدف؟

نقتلها، نُحْرَمُها، وبعد عام

تنزل فينا من جديدٍ نكبةُ الطوفان

ويومها لن يشفع القربان

يا ويلكم، أحلى صبايا قريتى قربان

ونحن نستطيع أن نبتنيَ السدود

من قبل أن يداهمنا الطوفان!

سميــــــح القاســـــــــــم .. روح المقاومة حين تزأر شعرًا

توب رئيسي

مين ثقافة

صورة سميح قاسم

كتب ــ سامح سامى

سيد الأبجدية.. الشاعر القديس.. مغنى الربابة.. شاعر الشمس.. قيثارة فلسطين

ألقاب كثيرة نالها الشاعر الفلسطينى الكبير سميح القاسم (1939ــ2014): سيد الأبجدية، شاعر المقاومة العربية، «قيثارة فلسطين» و«متنبى فلسطين»، «شاعر العرب الأكبر»، «شاعر العروبة بلا منازع وبلا نقاش وبلا جدل»، «الشاعر القديس»، «الشاعر المبدع، المتجدد دائما والمتطور أبدا»، و«مغنى الربابة وشاعر الشمس».

ولد القاسم لعائلة درزية فى مدينة الزرقاء بالأردن 11 مايو 1939، وتعلم فى مدارس الرامة والناصرة. وتعلم فى إحدى المدارس، ثم انصرف بعدها إلى نشاطه السياسى فى الحزب الشيوعى قبل أن يترك الحزب ليتفرغ لعمله الأدبى الذى بلغ أكثر من 70 عملا فى الشعر والنثر والمسرح، بدأها بقصائد «مواكب الشمس» 1958، ثم « أغانى الدروب» 1964، و«دمى على كفى» 1967. أسس صحيفة «كل العرب»، ورئيس تحريرها

الفخرى. وله مع الشاعر الكبير الفلسطينى محمود درويش مراسلات، عرفت بـ«كتابات شطرى البرتقالة»، من أعذب الرسائل الأدبية، نشرت فى منتصف الثمانينيات من القرن الماضى، فى جريدة الاتحاد تحت العنوان نفسه.

حصل القاسم على عدة جوائز، منها جائزة «غار الشعر» من إسبانيا، وعلى جائزتين من فرنسا عن مختاراته التى ترجمها إلى الفرنسية الشاعر والكاتب المغربى عبداللطيف اللعبى، وحصل على جائزة البابطين، وحصل مرتين على «وسام القدس للثقافة» من الرئيس ياسر عرفات، وحصل على جائزة نجيب محفوظ من مصر، وجائزة «السلام»، وجائزة الشعر الفلسطينية.

وفى السطور الآتية نعرض آراء شعراء ونقاد عن الشاعر سميح القاسم الذى رحل عن الدنيا الثلاثاء الماضى، وذلك عقب تدهور خطير فى حالته الصحية قبل أسبوعين، حيث كان يعالج فى مستشفى صفد فى منطقة الجليل بالأراضى المحتلة، من مرض سرطان الكبد.

موسى حوامدة:

تجربة شعرية كبيرة ومسيرة نضالية تخللتها أغلب محطات النكبة الفلسطينية

الثورة الفلسطينية منحت الشعراء الذين كتبوا عن الثورة حرزا ومناعة من النقد، وبات كل من ينتقد شاعرا كتب عن فلسطين كأنه خارج على القانون ــ لغاية اليوم لم يكتب نقد حقيقى عن تجربة الشعراء الفلسطينيين، وكل ما كتب تقديس للموضوع الرئيسى وهو الحق الفلسطينى وكأن الموضوع طغى على كل شىء آخر، وبالطبع لعل الشعراء أنفسهم استغلوا الأمر وشعروا بأنهم فى حصانة عن النقد فكانوا يكتبون وكأنهم فوق النقد وتبين أنهم كانوا محقين، فالعقلية العربية لا تميز بين الحب والنقد/ بين الموضوع وطريقة التعبير وحتى اليوم هناك حساسية فى طرح الأمر، وكأن الكتابة اليوم عن رحيل سميح القاسم لا تسمح إلا بترديد نفس العبارات التى كنا نرددها عن شعراء المقاومة، وهى مفهومة فى باب الحزن والرثاء ولكنها غير مفهومة فى باب التحريز والتحصين.

لا نقول ذلك تقليلا من حزننا على فراق سميح القاسم ولا تقليلا من أهميته الشعرية والإنسانية، ولكن فرق بين البكاء والتباكى، فرق بين الحزن الحقيقى، والحب الحقيقى الذى يؤمن بالنقد الموضوعى ولا يرى شاعرا أو كاتبا فوق النقد.

ولسميح القاسم تجربة شعرية كبيرة ومتشعبة ومسيرة نضالية تخللتها أغلب محطات النكبة الفلسطينية مرورا بقيام إسرائيل وحرب الـ67 وبقية الحروب التالية والصراع العربى الصهيونى، هذه التجربة وتجارب بقية شعراء المقاومة لم يتم تناولها إلا من باب الإطراء والإعجاب بأن هناك من يكتب بالعربية داخل الـ48، وبعد ذلك برز صوت سميح القاسم كشاعر مقاومة، وظلت تحربته الشعرية تراوح مكانها فى بنية التفعيلة، وفى نفس المباشرة ومع ذلك كرس اسمه كشاعر مقاومة فلسطينية وحافظ على بقائه داخل الكيان الصهيونى.

شعبان يوسف:

خمسون عاما

من الحضور المقاوم

عندما تعرفنا على شعراء المقاومة فى نهاية عقد الستينيات وأوائل السبعينيات، كنا كأننا اكتشفنا حلولا سحرية لمعضلات فنية ونضالية وسياسية، وكان فى ذلك الوقت الشعراء الثلاثة محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد ــ هكذا كانت تتردد أسماؤهم بهذا الترتيب الصارم ــ يتناوبون الشهرة بأشكال كثيرة، وكأنهم انبثقوا فجأة من ظلمة الأسوار التى كانت تفرضها إسرائيل على أصواتهم، ولكنهم بمعاونة جهود مثقفين ومقاتلين وكتاب مثل غسان كنفانى، تسربت قصائدهم من الأرض المحتلة، وبعد ذلك صارت أسماؤهم معروفة بشكل شبه أسطورى، وكان النقاد والصحفيون يسعون لالتقاط أى خبر، وكان كل شاعر من هؤلاء له تميزه الخاص، وكان لسميح القاسم أسطورته الخاصة كذلك، وكان قريبا من قلوب المصريين، حيث قصيدته التى اشتهرت بيننا عن السد العالى كانت تفيض بمشاعر دافقة نحو عمال السد، ومشروع السد، كذلك رسالته إلى نجيب محفوظ، ولم تكن قصائده رغم قوة صوتها، قصائد تقريرية، بل كانت تعمل على التجريب والتجديد والتطوير، وهذه كانت معركة سميح ورفاقه، تخليص فكرة الناس عنهم باعتبارهم يتبعون السياسة، أو أنهم ملحق فنى للقضية الفلسطينية، لذلك كانت قصائد سميح تنهل من التاريخ والجغرافيا، وكانت تتجاوز فكرة الأرض المحلية ليدافع عن الانسان المقهور فى العالم كله، فغنى لمصر وأفريقيا وثوار فيتنام، وظلت أشعاره تتطور بشكل مضطرد عبر جدارية شعرية طويلة، امتدت منذ أواخر الخمسينيات فى العقد الماضى حتى رحيله، واستطاع رغم مطاردة العدو الصهيونى له، أن يجود فى أشكال القصيدة، فكانت مقاومة الأوضاع السياسية والاجتماعية تقف جنبا إلى جنب مع مقاومة الكتابة الرديئة، والشعر الذى يتسول القضية حتى ينتشر، وكانت اسرائيل تعمل على ترويج وتسويق شعراء آخرين، ولكن سميح عبر مجلته «الجديد»، التى كان ينشر أشعاره فيها، استطاع أن يتجاوز أسوار الوطن حتى يعرفه العالم أجمع، وظل مثالا نموذجيا للشاعر المقاتل والمجدد فى آن.

مصطفى رجب:

اختـــــــار النضـــــــال فــــــــــوق

أرض وطنــــــــــــــه المحتــــــــــــــلرحل سميح القاسم، الشاعر الدرزى الفلسطينى المناضل الذى ولد بمدينة الزرقاء بالأردن عام 1939م. ولكنه تلقى تعليمه فى المدن الفلسطينية: الجليل، ثم والنَاصرة، وقد عمل لبعض الوقت بالتدريس حتى قامت السلطات الصهيونية باستبعاده من عمله بسبب قصائده، فانضوى تحت لواء الحزب الشيوعى الفلسطينى، وواصل نضاله السياسى، ودفع من عمره ثمنا لنضاله سنوات فى سجون الاحتلال. كما كتب سميح القاسم عدة روايات ومسرحيات وكتب كلها تصب فى مسيرة توجهه النضالى، حتى صار مع معاصره وصديقه محمود درويش من أبرز رموز شعر المقاومة فى الأرض المحتلة، وقد احتفت به وبأشعاره كل الأوساط الأدبية فى الوطن العربى، ودرست أعماله الأدبية فى الجامعات فى رسائل وبحوث عدة. ولعل من أشهر قصائده التى يكاد كل عربى من المحيط للخليج يحفظها قصيدته الشهيرة (الانتفاضة).

رحم الله سميح القاسم الذى اختار النضال فوق أرض وطنه التاريخية، واعتقل وسجن، وطورد فى لقمة عيشه، على حين اختار غيره اللجوء للدول الأكثر أمنا واستقرارا، واكتفى من اختار النضال منهم أن يقاوم بالميكروفونات. ولكن من بعيد! وأخلد آخرون إلى الثراء والنعيم وتناسوا وطنهم وأهاليهم من عرب 1948 الرابضين القابضين على جمر التشبث بالأرض والعرض.

يوسف القعيد:

أصابته الدهشة عندما

زار القاهرة لأول مرة

الشاعر الفلسطينى الكبير سميح القاسم زار مصر فى أول زيارة له لعاصمة دولة عربية، وقد أصابه الدهشة والذهول من القاهرة، وقد سجلت معه فى مجلة المصور رحلته الأولى للقاهرة، ورأيت تصميمه أن يرى ضريح الشاعر الفلسطينى معين بسيسو الكائن فى مدافن مدينة نصر، وكيف كان يصلى ويقرأ الفاتحة، وعرفت يومها كيف هى محنة الفلسطينى، وأنه حالة خاصة، ولاحظت على القاسم أنه كان مولعا بزيارة الأضرحة، فزار السيدة نفيسة والسيدة زينب، رغم أن المعروف عنه انتماؤه للحزب الشيوعى، مثل صديقه محمود درويش، الذى حاول بعض المثقفين، كعادتهم، إثارة الجدل بينهما، حول مسألة من أكثر وطنية الذى ظل بفلسطين كالقاسم أم الذى تركها وسافر للخارج كمحمود درويش لتوصيل القضية عالميا، إلا أنها كانا أكبر من هذه المسألة، فأبدعا سويا كتاب «رسائل بين شطرى البرتقالة».

وقد استمرت صلتى به منذ هذه الراحلة، وحزنت كثيرا على رحيله؛ لأن بموته يرحل آخر شاعر للقضية الفلسطينية.

قصيدة سميح القاسم

عن السد العالى

عروس النيل

أسمعُهُ.. أسمعُهُ!

عبرَ فيافى القحط، فى مجاهلِ الأدغال

يهدرُ، يَدْوى، يستشيط

فاستيقظوا يا أيها النيام..

ولْنبتنِ السدود قبل دهمة الزلزال

تنبهوا.. بهذه الجدران

تنزل فينا من جديد نكبة الطوفان!

<<<

لمن تُزَيّنونَها.. حبيبتى العذراء!

لمن تبرّجونها؟

أحلى صبايا قريتى.. حبيبتى العذراء!

حسناؤنا.. لمن تُزَفّ؟

يا ويلكم، حبيبتى لمن تُزَفّ

لِلطّمْيِ، للطحلب، للأسماك، للصّدف؟

نقتلها، نُحْرَمُها، وبعد عام

تنزل فينا من جديدٍ نكبةُ الطوفان

ويومها لن يشفع القربان

يا ويلكم، أحلى صبايا قريتى قربان

ونحن نستطيع أن نبتنيَ السدود

من قبل أن يداهمنا الطوفان!



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك