حب عن بعد: ليس فصلا مناسبا للحب - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 7:10 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حب عن بعد: ليس فصلا مناسبا للحب


نشر في: السبت 23 فبراير 2019 - 4:44 ص | آخر تحديث: السبت 23 فبراير 2019 - 4:44 ص

مدونة بي بي سي عربي طلبت من شباب وشابات أن يكتبوا عن علاقات حب عن بعد مروا بها. أمل خليف من تونس (32 عاما) أمضت أسابيع في استخراج وثائق رسمية لتلتقي حبيبها في القاهرة. في السطور التالية تكتب عن رحلة قصيرة بدأت في مطار قرطاج، وانتهت بالعودة إليه.

الساعة المعلقة ببهو مطار قرطاج تشير إلى السادسة صباحا، عيناي تمسحان الشاشة الكبيرة بحثا عن رقم شباك تسجيل المسافرين إلى القاهرة.

حرة من حقيبتي، تذكرتي في يدي. يغمرني إحساس رائع بالحماس والخفة.

المسنجر ينقرني، وجه حبيبي مبتسما: أنا في انتظارك، بسرعة.

قلبي يرف من الفرح، خطواتي راقصة، وابتسامة طفولية ترتسم على وجهي. كم لذيذ هذا الشوق، مسكرة هذه اللهفة، الحماسة تنفض عن روحي غبار الليالي الوحيدة، الانتظار والملل.

ساعات فقط وسأتمكن أخيرا أن أعانقه وأشتم رائحته. ساعات فقط. هل يمكن للزمن أن يسرع؟ أتمنى من أعماق قلبي ألا تتأخر الطائرة. يا رب.. يا رب..

انتبهت أن دوري، في صف المنتظرين عند أمن الحدود، يقترب. بأصابع مرتجفة بحثت عن نسخة التصريح الأبوي للسّفر، فنحن في تونس نحتاج موافقة الأب للسفر لمن دون الخامسة والثلاثين من العمر. أخذت نفسا عميقا استعدادا للشوط الأخير في هذه الرحلة.

بدأت الاستعداد للرحلة منذ ثلاثة أسابيع حتى حصلت أخيرا على إجازة وقررت السفر للقاء حبيبي في القاهرة، حيث يسكن. بدأ الأمر بجمع الأوراق اللازم إرفاقها مع طلب التأشيرة، واقتنصت فرص الهرب من الدوام لإكمالها: كشف الحساب المصرفي، شهادة العمل، حجز تذكرة الطائرة، وحجز الفندق.

ألقى الموظف في القنصلية نظرة على كشف حساب البنك، ثم أعاده إلي. لا أملك المبلغ الأدنى المطلوب، حاولت أن أعترض، لم يخبرني أحد بالحد الأدنى، طيب هل يمكن أن يقبل الطلب ثم أستكمل الأوراق في وقت لاحق؟ منذ متى جدّت هذه الإجراءات؟

"هذا ردّ الخارجية المصرية على تشديد تونس إجراءات منح التأشيرات"، فسّرت لي امرأة كانت تقف أمامي. كان يجب أن ينهي الجميع تقديم طلباتهم لأنتقل مع مجموعة إلى صالة أخرى ليتم دراسة وضعنا.

جاء دوري. دخلت مكتب السيد (س) وورائي امرأة لم تيأس من محاولة إقناعه:

- يا سي (س) أنا ذاهبة لمعالجة أسناني

- تريدين إقناعي أن معالجة أسنانك تتطلب أكثر من ستة أشهر!

انحنت المرأة على المكتب، وفتحت فاها لتريه أسنانها المركبة

- ركبت هذا الجزء، ولا يزال ذاك الجزء.

- وأنت يا أمل لماذا تريدين العودة إلى مصر؟

- سياحة، أحب مصر.

- لست مقتنعا بذلك، تكرار زيارتك مريب أمنيا.

شعرت بنوع من التسلية لغرابة الحوار، كأنني نادية الجندي في أحد أفلام التسعينات. أحاول أن أشرح للسيد (س) أنني لا أمثل أي خطر على الأمن القومي المصري أو التونسي، أنني لا أمثل أي خطر إطلاقا، أنني مجرد ساذجة تبحث عن الحب وتتصيد لحظات اللهفة عن مسافة ألفي كيلومتر.

لم يقتنع السيد (س)، لكنه لم يحب أن يصرفني مكسورة الخاطر، فقبل طلبي وقال "التساهيل على الله".

"الموافقة الأمنية لا بد منها"، هكذا داعبتني أمي في المساء على الهاتف. "كيف سأقنع والدك؟ لماذا تعودين إلى مصر". افتعلت ابتسامة حتى يصلها صوتي خفيفا: "قولي له إني أحضر ورشة كتابة". "متى تعقلين؟" زفرت أمي بتعب وعتب.

حقيبتي بدت أثقل مما كانت عليه هذا الصباح، جررتها إلى البوابة الأخيرة في المطار قبل أن يستوقفني عنصر الأمن ويتفحص جواز سفري: "لماذا تزورين مصر يا أمل؟ ثلاث مرات على الأقل في سنة!"

أصابني شيء من الذهول ولم أعرف ماذا أجيب

"لماذا تزورين مصر حضرتك؟

"صديقتي متزوجة بمصري وأحب أن أقضي إجازاتي معها".

"اسمها؟ أين تسكن؟"

الهواء يداعب رقبتي وذراعي، جسدي يرتجف من التوتر.

القاهرة ممتدة، واسعة وضخمة، مثيرة ومخيفة.

قبل أن يتمكن منى الإحساس بالضياع التقطت عيناي ابتسامة أحفظها وأميزها من بين وجوه كثيرة. قلبي يرقص من الفرح.

ذراعان تحيطان بي ورائحة أحبها تسحبني إلى قوقعة مطمئنة ودافئة. أخيرا، وصلت. تمر لحظات اللهفة خفيفة وخاطفة من المتعة الخالصة، فقاعات ملونة أركض خلفها وأستمتع بأني لا أدركها. ألتصق بجسده كأنه وصلة كهرباء، الحب يجدد الخلايا التالفة ويشحن جسدي المرهق.

أسترخي على الكنبة، وأتأمل الرجل قبالتي بإعجاب ورضا، أشكر نفسي على شجاعتها، أنها لم تحرمني هذه اللحظات.

قلبي يخفق بحماسة أعرفها، منذرة بأوان الخطر. عقلي يعرف نزقي ويضخ في دمي جرعات زائدة من القلق لأنتبه.

"والآن؟ ماذا سنفعل؟"، أقول له.

"أعرف أنك تنتظرين خطوة مني. يمكننا أن نبدأ خطوة، خطوة. تنتقلين هنا، ثم نسكن معا.

لست مستعدا لمشاركة حياتي بشكل كامل الآن. يمكننا التدرج في العلاقة".

''يمكننا" "يمكننا"، "يمكننا".

أبتسم بسخرية. "تتحدث بأريحية، كما يليق برجل".

"كيف ذلك.."

"لست متأكدة ما إن كانت السفارة ستمنحني تأشيرة المرة المقبلة. لست متأكدة إن كان أبي سيمنحني التصريح بالسفر كل مرة. لست متأكدة أني أريد السفر كل مرة".

شحب وجهه: "تريدين أن نتزوج؟"

"تحتاج أن أطمئنك؟ لا، لا أريد أن أتزوج".

"أشعر بالذنب الآن، لا أريد أن تشعري بالضغط".

"لماذا الذنب؟"

"لا أعرف، لم انتبه أن عليك ضغوطا أخرى".

"لم تنتبه أني امرأة، أم أننا هنا؟"

صمتنا مجددا.

"لماذا يجب أن يكون كل شيء بهذه الصعوبة والتعقيد. على الحب أن يكون سهلا".

"لا أحب تلك النظرة الحزينة بعينيك"

"لست حزينة".

الصمت يخيم بيننا مجددا، أغطس في مقعدي.

"أمل، نحن في إجازة، جئنا لنستمتع".

"أجل. نحن في إجازة".

في رأسي مقاطع للوركا: "ما الإنسان دون حرية يا ماريانا؟ قولي لي كيف أستطيع أن أحبك إذا لم أكن حراً؟ كيف أهبك قلبي إذا لم يكن ملكي؟"

الرصاصات التي وجهت إلى رأس لوركا، تصيب فقاعات الأحلام الملونة في الجو. ليس فصلا ملائما للحب ولا بأس بذلك.

قبل أن تسحبني أفكاري أبعد من ذلك، قفزت إلى حضنه: "نذهب لنرقص؟"

كان التكييف معقولا في ممرات المطار، ومع ذلك أحسست بالبرد وأنا أعبر أمن الحدود. في قاعة انتظار المسافرين ألقيت نظرة على جواز سفري والتأشيرة.

يغمرني إحساس عميق بالاغتراب والوحدة. انتهت الإجازة وحان الوقت لكي أعود.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك