تاريخ حدود مصر الشرقية (2): سيناء.. أرض الصراعات والفرمانات - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 11:39 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تاريخ حدود مصر الشرقية (2): سيناء.. أرض الصراعات والفرمانات

إعداد – محمود هاشم:
نشر في: الثلاثاء 28 يونيو 2016 - 11:17 ص | آخر تحديث: الثلاثاء 28 يونيو 2016 - 11:17 ص

• فى 1830 أرسل محمد على فرقتين من الجيش لتأديب القبائل المعروف عنها السلب والنهب ونشر الفوضى حتى فرض الأمن فى شبه الجزيرة

• ظهرت أهمية موقع مصر الجغرافى عندما اضطرت المملكة المتحدة لإرسال حملة عسكرية إلى الهند للقضاء على ثورة سيبوى فى مايو 1857 التى كادت أن تقضى على الحكم البريطاني

• شبه الجزيرة محافظة واحدة.. ورواتب حكومية لشيوخ القبائل لاكتساب ولائهم

• قناة السويس قربت المسافة بين الأستانة وسواحل البحر الأحمر.. والسلطان استغلها لبسط نفوذه

• قوات تركية تحتل طابا ورفح والعقبة.. والخديوى عباس الثانى «يفرط فى الأرض»

لطالما كانت سيناء ساحة مباشرة للصراع الدولى لموقعها الاستراتيجى بين آسيا وأفريقيا، ولثقلها الكبير ضمن القطر المصرى، فهى موطن الكثير من الأزمات الحدودية خاصة فى عصر محمد على وبعده، فكانت محط أنظار الدولة العثمانية وأطماع المملكة البريطانية، وجرى التعديل فى حدودها أكثر من مرة حسب ظروف المرحلة وهوية المتحكم فى الواقع العالمى حينها، ويوضح الفصل الثانى من كتاب «تطور حدود مصر الشرقية» الصادر عن دار الشروق للكاتبة ألفت أحمد الخشاب، والذى يحمل عنوان «تعيين الحدود الشرقية لمصر» وضع شبه جزيرة سيناء فى عصر محمد على، ودورها كساحة الصراع الدولى، مع أهمية قناة السويس فى الحركة الملاحية العالمية، فضلا عن أزمة فرمان 1892 التى كانت مؤشرا على خلاف ظاهر بين الدولة العثمانية وبريطانيا امتد تأثيره إلى المنطقة بالكامل.

محمد علي

 

• سيناء وأبناء محمد على:
تقول الكاتبة إنه منذ الاقتحام العثمانى لمصر عام 1516 حتى تولى محمد على باشا ولاية مصر فى يونيو 1805، لم تقترب الدولة العثمانية من شبه جزيرة سيناء بالإضافة أو الطرح أو الخصم باعتبارها جزءا أصيلا من مصر، حينها كانت الحدود الإدارية تهدف إلى التنظيم الإدارى وتوزيع المهام لصيانة وحفظ النظام، لذا لم يكن هناك ما يستوجب المساس بجزء من الإقليم المصرى.

وأسند إلى محمد على باشا إدارة ولاية مصر بحدودها القديمة، كما جاء فى فرمان التولية 1841، كما أسندت إليه إدارة بعض المراكز على الساحل الشرقى لخليج العقبة وهى ضبا والوجه والمويلح والعقبة، بهدف تأمين طريق الحج البرى بين مصر والحجاز.

وجاء الفرمان لترسيم وتسكين محمد على باشا فى ولاية مصر، حيث كان يمارس الادارة والحكم باعتبار أن حد مصر الشرقى خط مستقيم ممتد من رفح على نحو 28 ميلا من العريش إلى جنوب قلعة الوجه، أى أن سيناء كلها وقلاع العقبة وضبا والمويلح والوجه ضمن الإدارة المصرية بدليل أن التواجد المصرى بأشكاله الإدارية والتنظيمية والأمنية قبل فرمان 1841. تسنى للوالى هذه الوضعية بعد أن نجح فى القضاء على الحركة الوهابية فى عام 1818، واستولى على الحجاز وقلاعها.

وكانت شبه جزيرة سيناء فى عهد محمد على باشا تتمتع بتنظيم إدارى، حيث كانت مدينة الطور تابعة لمحافظة السويس، أما قلعة نخل فقد كانت ملحقة بديوان المالية المصرية، أما العريش فقد كانت تابعة لديوان الشئون الداخلية.

وأعدت الإدارة المصرية سيناء لتكون طريقا ممهدا للمواصلات بين مصر والشام حيث تمثلان ضلعا زاوية البحر المتوسط القائمة، وأنشأ إبراهيم باشا طريقا إلى الشام عبر سيناء عن طريق مدينة القنطرة ثم قطية ثم بئر عبد، ثم بئر الدار ثم العريش والشيخ زويد فخان يونس، وحينما قامت أزمة شديدة فى العريش بين القبائل فى 1830، أرسل فرقتين من الجيش المصرى وتم تأديب القبائل المعروف عنها السلب والنهب ونشر الفوضى حتى تم الصلح وفرض الأمن فى شبه الجزيرة، ما يثبت أن للإدارة المصرية اليد الثقيلة فى سيناء.

وبعد وفاة محمد على باشا فى أغسطس عام 1849، وابنه إبراهيم باشا 1848، اهتم والى مصر عباس باشا الأول بتحويل شبه جزيرة سيناء التى زارها إلى مصيف، فشرع فى بناء حمامات كبريتية قرب الطور، لكن مشروعاته أهملت بعد مقتله عام 1854.

الخديوى عباس الاول

• قناة السويس:
تشير «الخشاب» إلى اهتمام سعيد باشا بإنشاء محجر للحجاج فى مدينة الطور، فيما افتتح الخديوى إسماعيل قناة السويس للربط بين البحرين المتوسط والأحمر، ما جعل لمركز مصر الدولى ثقلا كبيرا، وإن كان منح امتياز حفر قناة السويس يعنى بالتبعية الاهتمام بشبه جزيرة سيناء.

وبالفعل توافدت البعثات العلمية على شبه الجزيرة، واستوجب ذلك بناء مدينة فى طريق العريش سميت القنطرة، وهى على بعد 35 كيلو مترا من الإسماعيلية و45 كيلو مترا من بورسعيد، وكانت مركزا تجاريا يربط بين غزة والعريش والصالحية، وتزايدت أهمية سيناء بعد افتتاح قناة السويس للملاحة العالمية، ولعبت دورا مؤثرا ليس فقط فى أهمية سيناء وإنما فى تاريخ مصر الحديث.

الخديوي اسماعيل

• الاحتلال البريطانى وسيناء:
يتحدث الكتاب عن اندلاع الثورة العرابية واحتلال إنجلترا مصر فى عام 1882 فى عهد الخديوى محمد توفيق، حيث أولت ادارة الاحتلال أهمية كبرى لشبه جزيرة سيناء فأجرت تعديلات إدارية بما يتفق مع مصالحها ورؤيتها الاستراتيجية، وألحقتها بوزارة الحربية إداريا وماليا وعسكريا، وكانت تحت إشراف سردادر الجيش المصرى وإمرة إدارة المخابرات بالقاهرة، أما منطقة الطور فقد ألحقت إدارية بإدارتها برئاسة قومندان شبه جزيرة سيناء، واتخذوا نخل مركزا لها حيث تتمتع بموقع استراتيجى يحكم طرق المواصلات فى سيناء.

الخديوي توفيق

 

وألحقت منطقة العريش بوزارة الداخلية، ولها محافظ يعين من القاهرة ويعاون رجال الشرطة، وفى عام 1865 أدخل أول خط تلغراف فى سيناء وهو خط العريش الذى يربط بين مصر والشام، كما أنشىء عام 1897 خط تلغراف آخر من السويس إلى الطور ثم إلى المحجر.

كل هذا جعل شبه جزيرة سيناء محافظة واحدة تخضع لنظام إدارى وقضائى واحد، كما خصصت الحكومة رواتب لشيوخ القبائل لاكتساب ولائهم، وللقضاء على ظاهرة النهب والسلب.

• الفرمانات تحكم مصر:
توضح الكاتبة أن مصر ظلت بمقتضى اتفاقية لندن 1840 ــ الضمانة الدولية ــ وفرمان 1841 تعانى قيودا قصرية، وبقيت قانونا ولاية عثمانية ومواطنوها عثمانيون ولم يتمتعوا بهوية مصرية منفصلة، ومن ثم تجمع الضرائب لصالح الدولة العثمانية وتسك العملة باسم السلطان العثمانى، ولم يمنح أى خديوى حق عقد اتفاقيات سياسية مع دول أجنبية، ما عدا بعض الاتفاقيات المالية والتجارية الخاصة بالإدارة الداخلية المصرية.

ولم يكن مسموحا لخديوى مصر المساس بموضوع أرض الإقليم وليست له قدرة على إعلان حرب أو عقد اتفاقية سلام، ونتيجة ذلك فلم يكن لدى الخديوى حق تعيين الممثلين الدبلوماسيين، وإنما يمثل مصر فى المحافل الدولية ممثل ومفاوض عثمانى، فهى دولة ترزح تحت الاحتلال البريطانى وهى السلطة الفعلية، ويتولى ادارتها خديوى ألبانى سليل أسرة محمد على باشا.

ودعت الغيرة التركية التقليدية من مصر إلى فرض حظر على زيادة عدد أفراد الجيش المصرى على 18 ألف جندى وهم جميعا تحت الطلب والعلم العثمانيين، كذلك لم يمنح الخديوى حق منح الترقيات لكبار رجال الجيش المصرى، علاوة على ما تورده الحكومة المصرية للخزانة التركية سنويا دون وجه حق، مقابل دورها الدينى والعسكرى فى حماية دار الإسلام رغم الاحتلال البريطانى عام 1882.

• قناة السويس وبريطانيا:
أكدت «الخشاب» أن بريطانيا كانت تسعى إلى توطيد مركزها فى مصر، خاصة بعد افتتاح قناة السويس عام 1869، للتحكم فى حركتى التجارة والاقتصاد العالميين، حيث زادت القناة من الأهمية السياسية والاستراتيجية والتجارية لحوض البحر المتوسط والبحر الأحمر والخليج العربى والمحيط الهندى، وسهلت الطرق البحرية أمام الأساطيل التجارية والحربية، ما زاد الصراع بين القوى البحرية الأوروبية، وتزايد التنافس بين الدول الاستعمارية على نقاط ارتكاز بحرية، مع نمو حركة الاستعمار فى آسيا وأفريقيا.

ظهرت أهمية موقع مصر الجغرافى عندما اضطرت المملكة المتحدة لإرسال حملة عسكرية إلى الهند للقضاء على ثورة سيبوى فى مايو 1857 التى كادت أن تقضى على الحكم البريطانى، وتجبنا لخسارته حال سير جنودها عبر رأس الرجاء الصالح، طلبت الإذن من السلطان عبدالمجيد لعبور القوات العسكرية الإنجليزية الأراضى المصرية، فتحركت عن طريق الإسكندرية، ومنها إلى القاهرة، ثم السويس باستخدام الخط الحديدى.

كما ظهرت ضرورة ملحة لاستخدام بريطانيا الطريق البرى عبر مصر عام 1867، لإرسال حملة تأديبية إلى الحبشة، فقدم الخديوى إسماعيل مساعدات وخدمات لوجستية عن طريق السفن المصرية المرابطة فى قناة السويس، وسمحت مصر وتركيا للقوات الإنجليزية بالنزول للساحل.

• السلطان يطمع فى القناة:
أشار «تطور حدود مصر الشرقية» إلى سعى الدولة العثمانية لتأمين قناة السويس تجنبا لوقوع مصر تحت سلطة أية دولة أوروبية، كما حرص الخديوى إسماعيل على تحديث تسليح الجيش المصرى بمعدات متطورة، وبناء 3 فرقاطات مدرعة، كما أمر بترميم الحصون والقلاع والاستحكامات وتحصينها، وتدريب الجيش، وألغى حق الامتياز الذى منحه محمد سعيد باشا لشركة قناة السويس.

ورأت الدولة العثمانية خطورة تحديث وتدريب الجيش المصرى، وفى تحصين ميناء السويس وبورسعيد وسواحل جنوب سيناء، ما أضعف العلاقات التركية المصرية، لذا رغب السلطان فى أن يحمى قناة السويس وتحصينها بنفسه، فأرسلت مبعوثا فى 21 أبريل 1871 للتفاهم مع الخديوى إسماعيل فى مسألة قيامه بتحصينات فى السويس، واضطر الخديوى إسماعيل إلى الامتثال لطلبات السلطان العثمانى بتقليل التسليح، وتسريح بعض القوات، تفاديا لمزيد من التوتر فى العلاقات التركية المصرية.

وكانت قناة السويس عنصرا فاعلا فى استمرار سيطرة وبسط نفوذ الدولة العثمانية فى المنطقة العربية، خاصة أنها قربت المسافة بين الأستانة وسواحل البحر الأحمر، وهو ما مكن الدولة العليا من بسط نفوذها على الحجاز التى لها أهمية قصوى حيث مكة المكرة والمدينة المنورة، وهما مركزان دينيان تستمد منهما الدولة دورها فى العالم الإسلامى، أيضا عن طريق قناة السويس، استطاعت الدولة العثمانية القضاء على ثورة عسير 1870ــ1871 التى هددت التواجد العثمانى فى اليمن، كما لعبت دورا تفاعليا بين القوى البحرية الدولية إنجلترا ــ تركيا، وأثرت بشكل مباشر فى موازين القوى الدولية.

• فريدمان وفشل المستعمرة اليهودية فى مصر:
حسب الخشاب، أهمل الطريق البرى ونشط الطريق البحرى بعد افتتاح قناة السويس فى 1869، لكن ظلت تلك المراكز فى حوزة الإدارة المصرية حتى 1892، من خلال نقاط الحراسة، والمخافر لحراسة وتأمين الطريق، وقبلت الدولة العثمانية بالأمر الواقع ولم تقدم احتجاجا أو فرمانا بتخلى مصر عن هذه المراكز رغم فرمان 1841، حتى نشبت أول أزمة بينهما بشأن شبه جزيرة سيناء وخليج العقبة.

فى 1890، زار مصر رجل يدعى بول فريدمان اتصل بسلطات الاحتلال البريطانى فى مصر وأبلغها نيته استعمار بعض الأراضى فى جزيرة العرب، لم تكترث سلطات الاحتلال ورجال الحكومة المصرية بالمسألة كثيرا، وبالتالى لم يمانعوا أو يمنعوا الرجل من طلبه، لكنه فى أواخر عام 1890 عاد برفقة 30 عائلة من اليهود المهاجرين، واشترى أرضا فى جهة المويلح على ساحل البحر الأحمر وعلى مقربة من خليج العقبة، وكانت هذه محاولة صهيونية مبكرة للاستيطان.

فشلت هذه التجربة مبكرا حيث لم تحسن هذه الجماعة معاملة الأهالى الذين تشككوا فى نيتها تجاه أراضيه، كما أن الدولة العثمانية تحظر بيع الأراضى للأجانب فى شبه جزيرة العرب، حينها أمر والى الحجاز أحد الضباط وعدد من الجنود العثمانيين بتولى حراسة قلعة المويلح وما يليها من مراكز، حيث إنها أراض حجازية وليست مصرية.

فى تلك الأثناء توجه جنود مصريون تحت قيادة ضابط إنجليزى لإجلاء الجنود العثمانيين؛ لأن تلك المراكز هى أراض فى عهدة الحكومة المصرية، وانتهت محاولة التوطين البائسة بالفشل، حيث أخفق مشروع فريدمان الوهمى بتأسيس مملكة إسرائيلية فى «أرض إسرائيل الأولى»، وكانت هذه ضمن إرهاصات استيطان سيناء وفلسطين، وأصدر السلطان عبدالحميد 3 فرمانات متتالية عام 1891 لمنع استيطان اليهود.

بدأ الصراع بين بريطانيا والدولة العثمانية مع تولية الخديوى عباس الثانى، حيث أصدر السلطان العثمانى فرمان التولية فى 17 يناير 1892 مخالفا لفرمانات التولية، ومخالفا لبنود معاهدة لندن 1840، حيث اقتطع شبه جزيرة سيناء من مصر وضمها إلى الأراضى الحجازية، واعتبر الحدود الممنوحة لخديوى مصر من العريش إلى السويس.

• ضغوط أوروبا تفضح العثمانيين:
أكدت الكاتبة أنه قبل الفرمان دارت مفاوضات بين المعتمد العثمانى فى مصر أحمد مختار باشا والحكومة المصرية، بهدف استبعاد العقبة من الحدود المصرية، وبالفعل بعد مشاورات مع إيفلين بارنج «اللورد كرومر» تقرر نهائيا أن تتخلى مصر عن العقبة للدولة العلية لتضمها إلى ولاية الحجاز، وقبيل قراءة فرمان التولية طلبت الدولة العلية الاستيلاء على الطور بعد التسليم لها فى العقبة.

تدخل اللورد كرومر بالإيعاز للخديوى بالامتناع عن تلاوة الفرمان الذى ينتقص من حقوق مصر الثابتة فى إقليمها، ومارست مع فرنسا وروسيا ضغوطا على اسطنبول، لضمان عدم خرق لتسوية 1840، ما دفع الدولة العثمانية إلى التراجع.

أرسل الصدر الأعظم برقية للخديوى عباس الثانى فى 8 أبريل 1892 لتصحيح الوضع وفى نصها «أما فيما يتعلق بشبه جزيرة طور سيناء، فإن الحالة الحاضرة تبقى فيه كما هى عليه، وتكون إدارته بيد الخديوية المصرية، كما كانت فى عهد جدكم إسماعيل باشا، ووالدكم محمد توفيق باشا».

ولفت ذلك الانتباه إلى أهمية سيناء فى قواعد المعادلة الاستراتيجية، كما لفت انتباه الحكومة المصرية، وسلطات الاحتلال البريطانى إلى ضرورة مراقبة تحركات الدولة العثمانية عند حدود مصر الشرقية، كما يعد رد الفعل المصرى والبريطانى بداية لصناعة أول خط حدود فى التاريخ الحديث بين مصر والجناح الشرقى للوطن العربى، وهو لون من تعيين الحدود بين الأقطار العربية التى لم تعرف حدودا سياسية فاصلة بينها.

• أزمة طابا الأولى:
أشار الكتاب إلى أن تقارير عن نية السلطان العثمانى مد فرع جديد لسكة حديد الحجاز من معان إلى العقبة دفعت اللورد كرومر إلى تعيين جننجز براملى الذى يجيد التحدث باللغة العربية واللهجة البدوية فى وظيفة مفتش فى سيناء وكلفته بمهمة التحرى والاستطلاع عن مدى صحة التقارير، فاستعان الأخير بقوة صغيرة من البوليس متوجها إلى نقب العقبة، ونظرا لقلة المياه فيها لاستيفاء حاجة أفراد القوة توجه إلى المرشرش على الجانب الغربى من رأس خليج العقبة، فاعترضه قائد منطقة العقبة ورفض السماح لهم بإقامة معسكر لقواته ما دفعه إلى الرجوع.

ولتفادى شكوك السلطان التركى، طالبت الحكومة المصرية السلطان بتعيين لجنة من الأتراك والمصريين لتحديد التخوم بين سيناء والشام، لكنه لم يحرك ساكنا، معتمدا على تهيؤ الرأى العام المصرى لخطوة قوية ضد الاحتلال البريطانى، حينها كتبت جريدة اللواء أن الحكومة المصرية وسلطات الاحتلال ينويان اتباع سياسة تغلغلية فى سيناء، حيث لديهم النية على اتخاذها كقاعدة للتدخل فى الحجاز فى المستقبل خاصة فى أمور خط حديد الحجاز الذى وصل إلى معان، وعلى بعد 100 كيلو متر من العقبة، وادعى الوالى العثمانى على سوريا أن الحكومة المصرية قررت بناء ثكنات عسكرية فى المنطقة فيما بين العقبة والقصيمة، وأضاف أن قوات الاحتلال البريطانى سوف تشارك فى بناء تلك الثكنات.

وأمر السلطان قائد حامية العقبة اللواء رشدى باشا باحتلال وادى طابا، وقدم مذكرة احتجاج من الباب العالى للسفارة البريطانية فى لسحب الضابط الإنجليزى وقوته، وكان احتلال طابا والقصيمة ومشاش الكنتلا عملا عدوانيا ضد مصر وسيادتها على أراضيها وفرض أمر واقع على مناطق مهمة ذات قيمة استراتيجية حاكمة لسيناء.

وأرسلت مصر قوة لمقابلة براملى على الحدود قرب العقبة لاحتلال طابا، وصدرت الأوامر إليه لاحتلال نقب العقبة والقطار، ولم تستطع القوة المصرية بسبب انتشار الأتراك فى التلال المطلة على طابا، ورفض القائد التركى السماح لهم بالنزول إلى الشاطئ، فاضطرت إلى التراجع تنفيذا للأوامر بعدم الصدام إلا فى حالة اطلاق النار عليها، حينها انسحبت إلى جزيرة فرعون انتظارا لتعليمات جديدة.

وأصدر السلطان برقيتين يعلن فيهما أن الأراضى التركية تشمل العقبة والمناطق المجاورة بما فيها طابا، نافيا نيته الموافقة على تعيين لجنة مشتركة للحدود، باعتبار أن مصر جميعها ضمن نطاق حكمه كإحدى ولايات الدولة العلية، حيث لا حدود بين أجزاء أو أقسام الدولة العثمانية الواحدة.

احتجت بريطانيا رسميا عبر سفيرها طالبة من تركيا منح مصر حرية إدارة أراضيها التى تقررت لها عام 1892، فقال وزير الخارجية التركى توفيق باشا إن قائد العقبة التقى قائد القوات المصرية سعد بك رفعت وتوصلا إلى اتفاق ودى – وهو ما لم يحدث.

عزز العثمانيون خلال النصف الأول من فبراير 1906 مراكزهم فى العقبة والمناطق المحيطة بلواءين من قوات المشاة التركية، كما دخلت قواتهم وأزالت عمودى الحدود فى رفح، بينما أمر اللورد كرومر السفن الحربية بالتوجه إلى جزيرة فرعون لمنع القوات التركية من التوغل فى سيناء، وتوجهت البارجة «ديانا» نحو العقبة، فيما كان يناور السلطان بإعلانه الموافقة على تشكيل لجنة لتعيين الحدود، متبنيا سياسة التسويف وإضاعة الوقت، ساعيا للاستيلاء على شبه الجزيرة بأكملها وليس طابا ورفح.

• الخديوى «باع أرضه»:
أوضحت الكاتبة أن الرأى العام المصرى اختلف بين مؤيدين لتدخل الاحتلال فى حماية حدود مصر، وآخرين داعمين لـ«دولة الخلافة» معتبرين سيناء وديعة مؤقتة لتسهيل الحاج وعادت لأصحابها، أما التيار الثالث فهم القوميون الذين يتمسكون بمصرية سيناء ويرغبون فى إزاحة الاحتلالين.

وباع الخديوى عباس القضية، بحنثه عهده مع الحكومة المصرية، حيث أرسل ــ سرا – إلى الصدر الأعظم، معتبرا أنه أجبر على الدفاع عن السيادة المصرية، تاركا تحديد هذا المصير بين يدى السلطان، ما وصفه كثيرون بأنه خيانة للأمانة الموكل بها، بينما اقترح الغازى باشا مختار أن تكون الحدود الفاصلة من رفح إلى رأس محمد بحيث يكون غربه تابعا لمصر وشرقه تابعا لتركيا، وهو ما لم يلق قبولا من مصر وبريطانيا.

ومع تزايد الضغوط البريطانية وتهديدها الرد بقوة على احتلال الأراضى المصرية، بعث الصدر الأعظم توفيق باشا برسالة إلى السفير البريطانى، مفادها إعلان تركيا سحب قواتها من طابا، مع تشكيل لجنة لترسيم الحدود يصحبها مسئولين بريطانيين ومندوبين عثمانيين اثنين، حيث باشرت اللجنة عملها فى 26 مايو 1906 اعتمادا على الخرائط والوثائق البريطانية لتنهى بذلك إحدى أكبر جولات الصراع فى المنطقة.

اقرأ أيضًا:
تاريخ حدود مصر الشرقية (1).. 96 عاما من التمدد والانكماش في الخريطة المصرية



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك