أيام القاهرة (4).. إطلالة على تاريخ المدينة في العهد العثماني - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 11:37 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أيام القاهرة (4).. إطلالة على تاريخ المدينة في العهد العثماني

محمد حسين
نشر في: الجمعة 29 مارس 2024 - 7:45 م | آخر تحديث: الجمعة 29 مارس 2024 - 7:47 م
يحتفظ شهر رمضان في مصر، بخصوصية وتفرد عن غيره من أيام السنة، حيث تزخر به الطقوس والعادات المميزة التي تضفي أجواء فريدة من البهجة والسعادة.

ووسط تلك الأجواء يأتي حضور القاهرة وشوارعها التي تشهد على سهرات وتجمعات العائلات والأصدقاء فيما يشبه المهرجانات المتصلة بلا انقطاع.

ونشارك ونطل مع قراء "الشروق" على لقطات ساحرة من تاريخ القاهرة، الذي يعود لأكثر من ألف عام، وصور إلهامها للمبدعين، وذلك في حلقات مسلسلة بعنوان "أيام القاهرة" على مدار النصف الثاني الثاني من شهر رمضان المبارك.

- الحلقة الرابعة..

تحدثنا في الحلقة السابقة عن تاريخ القاهرة في العهد المملوكي، فعندما وصلوا إلى السلطة، كانت القاهرة أصبحت بالفعل أكبر وأهم مدينة في الإقليم، إلا أنها كانت على موعد مع تجربة جذرية ستعيد تشكيلها على نحو لم تشهده من قبل.

وكان المماليك بنائين ومعمارهم يعكس روحًا جشورا، وقد استثمروا في مشاريع كبرى حققوا بها إنجازات غير مسبوقة، ومن المذهل حقًا كم كان اهتمامهم بأدق التفاصيل، كما أن مستويات الإتقان التي وصلت إليها المهارات الحرفية المختلفة بذلك الوقت مبهرة، هذا بالإضافة إلى أنهم تغلبوا أيضًا على تحديات هندسية متعددة.

ونواصل في حلقة اليوم مع محطة تالية من تاريخ العاصمة المصرية وذلك مع العهد العثماني.

• حيلة طريفة في قصر الأمير

يقول إسماعيل الخشاب في كتابه "أخبار أهل القرن الثاني عشر"، إن أحد فقراء القاهرة المتطفلين ذهب إلى سماط، أحد أمراء المماليك ذوي السطوة والجاه فيها: كي يأخذ نصيبه من طعام قد حرم منه طيلة حياته، لكن الحرس منعوه وحالوا بينه وبين الطعام. لكن الرجل الفقير لم ييأس ولم يقنط من هذا، فقرر اللجوء إلى حيلة انطلت عليهم بالفعل، وهي أن ذهب الرجل إلى قاضي درب باب سعادة، وطلب منه أن يعيره بدلة من حوائجه، وكان رجلا خيرًا سمحا بالفعل، فأعطاه عمامة وقفطانا وفرجية، فلبسها وذهب للتو نحو قصر ذاك الأمير، لكنه انتظر حتى يدخل وسط مجموعة الفقهاء المدعوين على سماط الأمير.

ويضيف: "بالفعل دخل بينهم دون أن يعرفه أحد منهم، وأخذ يأكل حتى امتلأت بطنه، فقرر الانصراف حتى لا ينكشف أمره، إلا أن كرم الأمير والمماليك التابعين له حال بينه وبين ذلك، فأخذوا يكرمونه في المجلس ويعطونه مزيد من الطعام حتى انصرف الجميع ولم يتبق غيره وسط الندماء والخاصة حول الأمير، فتوجهت الأنظار إليه، فهو الغريب بينهم، حيث استدعاه الأمير وقال له: "يا مولانا أن تقرأ لي سورة من القرآن العظيم"، وكان الرجل أميا لا يعرف القراءة ولا الكتابة فقال له: "أعز الله الأمير، أقرأ لك سورة الفاتحة وإذا جاء نصر الله والفتح. وسكت برهة ثم قال: "مالي لا أحسن غيرها؛ فإني رجل جاهل وما تراه علي من حلية العلماء فإني قد استعرته من رجل فقيه وأنا أتوب إليك من العود لمثلها، غير تلك التي لم يكن له هدف منها سوى إظهار كرم الأمير إسماعيل. فلم يهتم بحال الرجل أو خلفيته الاجتماعية أو ما الذي جذب انتباهه داخل أروقة قصر الأمير، ولم يتتبع مسيرته بعد الخروج من المنزل بعد انتهاء الوليمة، حيث كانت أنظار مؤرخنا متجهة نحو القصر وما يجرى فيه وحسب.

• التاريخ الاجتماعي للمدينة

وبحسب المؤرخ معز لافي: "مع كون إسماعيل الخشاب اهتم في كتابه (أخبار أهل القرن الثاني عشر) بتاريخ المماليك والبكوات في القاهرة فقط ولم يسرد تاريخا اجتماعيا شافيا، إلا أنه كان واحدًا من أهم المؤرخين في تلك الفترة التاريخية. وأهميته ترجع إلى ندرة الكتابة التاريخية في تلك الفترة أولا، بالإضافة إلى أنه رصد التحولات السياسية الخاصة بالنخبة الحاكمة بشكل أكثر عمقا وتركيزا مما في غيره من المؤلفات التاريخية في نفس الفترة، ثم الصراع الدائر بين النخبة الحاكمة سواء أكان بين بكوات المماليك والأوجاقات العثمانية. أم بين بيوتات المماليك وبعضها البعض، وهو ما يعكس أهمية القرن الثامن عشر تحديدًا واختلافه تاريخيا عن القرون الأخرى من التاريخ العثماني في مصر، بالإضافة إلى أثر ذلك اقتصاديا واجتماعيا على الأوضاع فيها، وبطبيعة الحال شكل هذا الكتاب مصدرًا رئيسيا للحياة السياسية والنخبوية في القرن الثامن عشر".

• التاريخ العمراني

وواصل لافي: "أما تاريخ القاهرة العمراني المحتك مع السكان فيها فهو شائك معقد فمع كون القاهرة فاطمية النشأة؛ إلا أن أول ما يسترعى الانتباه عند ذكر اسمها أنها مرتبطة دائمًا بالمماليك، وتلك أول إشكالية، حيث جعلت النظرة العمرانية للقاهرة محصورة في المماليك وعمائرهم، تقارن أي فترة تاريخية أخرى بمعايير المما العمرانية، وحلّ ذلك أن المقاييس الزمانية اختلفت اختلافًا كبيرًا، فإن السلطة السياسية التي باتت تسيطر على القاهرة إبان القرن الثامن عشر تغيرت بشكل جذري، صحيح أن الحكم يُعد حكمًا مملوكيًّا إلا أن آلياته تغيرت، ومراكز الحكم والسلطة انتقلت من القلعة إلى المدينة نفسها عبر مؤسسات متعددة ومختلفة، فضلا عن أن طبيعة القاهرة العمرانية ذاتها اختلفت وتغيرت، فلم تعد الرعاية السلطوية للمباني قائمة كما كان في عصر المماليك، حيث الاهتمام بالمنشآت الجنائزية التي سيطرت على الشوارع الرئيسية في القاهرة التاريخية على مدار ثلاثة قرون تقريبا لم يعد لها صدى الآن، وأصبح الاهتمام أكثر بالمنشآت الاقتصادية التي تدر نفعًا للتجار والعمال المختلفين وبالتالي المنشآت السكنية التي توفر لتلك الفئة مسكنا آمنا".

وأكمل: "أما قاهرة القرن الثامن عشر، فالنظر إليها لا يكون بمنظور واحد، حيث يمكن التعامل معها على 3 طبقات الطبقة الأولى تتمثل في القاهرة الفاطمية المعزية وهي المدينة القديمة التي تقع داخل الأسوار الفاطمية بالإضافة إلى الأحياء الملاصقة للأسوار من الخارج. ثم الطبقة الثانية بعد ذلك وهي منطقة مصر القديمة، وهي المدينة القديمة ناحية التي وامتدادها الجغرافي الذي يقع بين القاهرة والفسطاط، مثل حي أحمد بن طولون والقلعة مثلا. ثم على نحو خاص منطقة بولاق، وهو أحد الأحياء الرئيسية إبان الفترة العثمانية بشكل إجمالي وهذا القرن بشكل خاص، تحمل كل منطقة من تلك ملامح عمرانية مختلفة وسكانية متبانية كذلك".
أقرأ ايضا:


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك