يوم قتل الزعيم! - بدون تصنيف - المعصرة - بوابة الشروق
بدون تصنيف
يوم قتل الزعيم! أخر تحديث: الأربعاء 26 يونيو 2013 - 1:23 م
يوم قتل الزعيم!

هلا أهديتك بمناسبة إمتحانات الثانوية "الغامة" هذا الإمتحان اللطيف؟. موافق؟ طيب. إقرأ اذن النص الروائي التالي واستنتج إسم كاتبه ومتى كتبه وعن أي عصر كتبه؟ وحاول في كل الأحوال أن تمنع نفسك من اللطم.

 

"اللهم إني أنام بأمرك وأصحو بأمرك وإنك مالك كل شيئ. هاهو أذان الفجر يفتتح يومي الجديد.اللهم جنبني المرض والعجز. فالويل لمن يسقط. يجمعنا في الصباح المدمس وحده أو الطعمية. هما معا أهم من قناة السويس. سحقا لعهد البيض والجبن والبسطرمة والمربى، ذلك عهد بائد...الأسعار جنت. كل شيئ قد جن. من وراء الزجاج المغلق أرى النيل والأشجار. النيل تغير وكأنه مثلي يكابد وحدة وشيخوخة. فقد مجده وأطواره، لم يعد في مقدوره الغضب، ماأكثر السيارات. ماأكثر الثروات. ماأشد الفقر. ماأكثر الاحباب الراحلين. أكوام القمامة رابضة بالأركان تحرس العشاق. صباح الخير أيها المكدسون في الباصات. وجوهكم تطل من وراء الزجاج المشروخ مثل المساجين في يوم الزيارة. والجسر المكتظ بالعابرين. والسائرون على عجل يلتهمون سندوتشات الفول بنهم وبلاتذوق. جدي قال: اشتدي أزمة تنفرجي. ياجدي المحبوب حتى متى نحفظ ونردد؟. كيف حاق بنا هذا الضياع؟ تهيم أحلام الإصلاح. تجيئ من فوق أو من تحت. بقرارات أو انتفاضات. لكن ماالحل مع مايقال عن الفساد واللصوص؟.

 

إن أضجرك الكلام فمد البصر إلى الطريق. راقب حركة الذاهبين والجائين. حركة سريعة لاتتوقف ولاتنقطع. وجوه مكفهرة ماذا وراءها؟ كل يحمل مأساته أو مهزلته. حوانيت الأثاث والبوتيكات مكتظة. كم أمة تعيش جنبا إلى جنب في هذه الأمة؟. أضواء الميدان قوية مثيرة للأعصاب، ومثيرة للأعصاب أيضا قوارير المياه المعدنية على موائد السياح. ماذا نشرب نحن؟ وأغرب الأغاني تنطلق من التاكسيات في راديو المجاذيب. تدوي خطبة من راديو في مكان ما فتنشر الأكاذيب في الجو مع الغبار. تعب. تعب. تعب. فلنعد إلى الكلام. خرابة صغيرة بمائة ألف. الجرائم الأكاديمية في الجامعة. كم عدد أصحاب الملايين؟ الأقارب والأصهار والطفيليون. المهربون والقوادون والشيعة والسنة. حكايات ولاألف ليلة. متى تبدأ المجاعة؟ والفتنة الطائفية من يوقظها؟ مجلس الشعب كان مكانا للرقص فأصبح مكانا للغناء. أنواع الجبن. البنوك الجديدة. بكم البيض اليوم؟. يسود صمت شامل ريثما تذهب امرأة قادمة من الطريق إلى بيت دعارة وراء المقهى وتنعقد مقارنة بين تضخم عجيزتها والتضخم المالي العام. شاب شاذ يقترح الشذوذ كحل لأزمة الحب في الطبقة ذات الدخل الثابت وأيضا لتحقيق الهدف من تنظيم الأسرة. لاخلاص إلا بالخلاص من كامب ديفيد. حرب أبدية والويل لعملاء التطبيع... الضيق بالغ غايته من كثرة الأسئلة عما يجوز وعما يجب أو لايجب على حين ينشغل اللصوص بتوزيع الغنائم، أستعيذ بالله وبكل صاحب كرامة وبكل مالك علم أن يقدم لتبديد ظلمات هذا الليل الطويل. نحن قوم نرتاح للهزيمة أكثر من النصر. فمن طول الهزائم وكثرتها ترسبت نغمة الأسى في أعماقنا فأحببنا الغناء الشجي والمسرحية المفجعة والبطل الشهيد، ولذا جميع زعمائنا شهداء.

 

علمني زمني أن أفكر. علمني أيضا أن أستهين بكل شيئ وأن أشك في كل شيئ. ربما قرأت عن مشروع منعش للآمال وسرعان مايكشف المفسرون عن حقيقته فلايتمخض عن أكثر من لعبة قذرة. هل تترك السفينة للغرق؟ هي عصابة مسلطة علينا لاأكثر ولاأقل؟ أين الأيام الحلوة؟. قلت لحبيبتي مرة: فلنتسل بحصر أعدائنا. فدخلت اللعبة قائلة: غول الإنفتاح واللصوص الأماثل. قلت: هل ينفعنا قتل مليون؟ فقالت ضاحكة: قد ينفعنا قتل واحد فقط".

 

لعلك الآن وقد انتهيت من قراءة هذا النص تقسم بأيمان الله أنه مكتوب للتو واللحظة عن هذه الأيام  المباركة لاعن غيرها،دعني أفاجئك وأفاجعك بأن ماقرأته مجتزأ نصا عن رواية "يوم قتل الزعيم" التي كتبها الروائي الأعظم نجيب محفوظ بعد قتل السادات، والتي رغم أنها نشرت عام 85 فإنك محق في شعورك أنها مكتوبة الآن للتو، لم تعد تفكر في أسئلتي الآن، بل يشغلك مثلي سؤال موجع إلى حد الجنون: كيف يعيش الناس في بلد لاتتغير أي تفصيلة من تفاصيل الحياة فيها طيلة ربع قرن؟، وهو سؤال عندما تواجهه بشجاعة ستفهم لماذا طلبت منك في البداية أن تحاول منع نفسك من اللطم.

 

 

 

(نشرت للمرة الأولى 27 مايو 2007 في صحيفة الدستور وللاسف لا تزال صالحة للنشر الآن)