سفاسف الأمور - سفاسف الأمور - المعصرة - بوابة الشروق
سفاسف الأمور
سفاسف الأمور أخر تحديث: الخميس 4 أبريل 2013 - 11:12 ص
سفاسف الأمور

بعض الناس يحبون «تحبيك الحاجات» أكثر من اللازم، ويعشقون تحميل الأمور أكثر مما تحتمل، لذلك عندما يتحدث شخص من خلفية دينية متزمتة عن الصوابع التي تلعب دون رقيب أو حسيب، يروح بالهم دائما لبعيد، ويتهمونه بالسوقية وعدم مراعاة الذوق العام وخدش حياء المستمعين، مع أنهم لو تأملوا لأدركوا أن المشكلة كلها تتعلق في إختلاف الحقول الدلالية بينه وبينهم، لا أعني الحقول التي ترعى فيها الخرفان، بل أعني مصطلح (الحقل الدلالي) الذي يقوم بدراسته علم السيموطيقا أو علم دراسة إشارات اللغة ورموزها، والذي يعتبر أن لكل كلمة حقلا دلاليا يختلف لدى كل شخص عن الآخر، ولذلك تعتبر كلمة ما بذيئة لدى أبناء ثقافة معينة، بينما تعتبر نفس الكلمة عادية جدا لدى أبناء ثقافة أخرى، وربما كان أشهر مثال على ذلك هو إختلاف دلالة الكلمة التي تطلق لتسمية «الخِرقة» أو قطعة القماش التي يتم مسح المطابخ والحمامات بين أبناء الأرياف وبين أبناء المدن من الطبقة الوسطى وإنت طالع، لن أستطيع كتابة تلك الكلمة، لكن يكفي أن أقول لك إنها «كلمة بتبدا بحرف الشين» على رأي العبقري زياد الرحباني في أغنيته البديعة «الله يساعد الله يعين»، عرفتها؟، أيوه هي دي؟، ستجد تلك الكلمة محظورة الإستخدام بشكل طبيعي لدى أبناء الطبقة المتوسطة وإنت طالع لأنها تطلق لديهم كشتيمة لتحقير وإزدراء بائعات الأجساد، مع أن فكرة وصفهن بتلك الكلمة لا تخلو من الدلالة الريفية للكلمة، مما يجعلك مستعدا أن تراهن أن أول من أطلق تلك التسمية كان ريفيا قاسي القلب لم يؤمن أبدا بنظرية المومس الفاضلة ولم تهزه على الإطلاق قصة مريم المجدلية وفكرة السيد المسيح في ألا يرميها بحجر إلا من كام منعدم الخطايا والذنوب.

 

 لذلك ولذلك كله يمكن أن نعتبر أن إفراط الشخص المتزمت الذي عاش حياته في بيئة مغلقة إجتماعيا في الحديث عن «الصوابع ولعب الصوابع» مع مستمعيه لا يعني بالضرورة رغبته في إستخدام إيحاءات جنسية، لأن الحقل الدلالي لكلمة «الصوابع» لديه مرتبط بإصبعي النصر أو إصبع التشهد أكثر من إرتباطه بأي صوابع أخرى من اللي بالي بالك.  وهذا ما يجعله مثلا يكرر جملة مثل «أنا شايف ناس بيحطوا صوابعهم» دون أن يدرك ما يرتبط بها من إيحاءات جنسية، فتلك الإيحاءات ليست موجودة إطلاقا في الحقل الدلالي لشخص لم يقرأ عن الإستخدامات الإيروتيكية للأصابع في فصل آداب النكاح في كتاب (فقه السنة) وغيره من الكتب التي تعلم الآداب الشرعية للمباشرة، لذلك لا يجد هذا الشخص حرجا في أن يضع كلمة الصوابع في أي جملة مفيدة وهو «مش واخد أي خوانة»، لأنه لو علم ما يفعله كثير من سامعيه بالصوابع لما نطق سيرتها على لسانه، ومن هنا تكون الصوابع بريئة في حقله الدلالي وأبيحة في حقول المستمعين الدلالية، خصوصا إذا كان عدد لا يستهان به من المستمعين بسبب الظروف الإجتماعية والإقتصادية وضغوط الحياة يلجأ إلى الصوابع أكثر من اللازم.

 

 

 ولأن الصباع بالصباع يُذكر، دعني أروي لك من التراث الشعبي طرفة أو أملوحة شهيرة عن شاب ريفي كان شديد التوتر قبيل إقباله على السفر إلى المدينة ليتزوج واحدة من فتياتها، وكان قلقا للغاية كشاب خام من تجربة ليلة الدخلة التي سمع عنها ما جعله يخاف على نفسه من فضيحة ضرب اللخمة، فلجأ إلى عجوز من حكماء القرية ليسأله النصح والإرشاد، فقال له «يابني الموضوع أسهل من اللازم.. الناس في هذه العملية يستخدمون ثلاثة أعضاء من أجسادهم اللسان والصوابع ثم ذلك العضو الذي خص الله به الذكور عن الإناث»، فهدأت ثائرة الشاب وشكره، ثم سافر ليتزوج وبعدها انقطعت بهما السبل، حتى التقيا بعد عشرة أعوام بالصدفة، فأقبل الشاب على العجوز محييا ومرحبا، ثم انتحى به جانبا وقال له «باقولك ياعم الحاج إنت كنت من عشر سنين كنت قلت لي إن الواحد منا يستخدم في المعاشرة الزوجية ثلاثة أعضاء هي اللسان والصوابع، كان إيه بقى التالت عشان نسيته من ساعتها». 

 

أقول هذا وأستغفر الله لي ولكم وأسأله أن يجعل حقولنا الدلالية متطابقة قدر الإمكان إنه على ما يشاء قدير.