الثورة جاية إمتى؟ - في أحضان الكتب - المعصرة - بوابة الشروق
في أحضان الكتب
الثورة جاية إمتى؟ أخر تحديث: الأربعاء 10 أبريل 2013 - 1:53 م
الثورة جاية إمتى؟

حكاية الثورة كما ترويها لكم إحدى بناتها مها مجدي سجينة 6 إبريل 2008 اللي لسة بتغني للثورة مع إن صوتها إتنبح:

 

التاريخ: 6 إبريل 2008.المكان: إشارة مرور ميدان التحرير أمام المجمع. الحدث: مجموعة مختلفة  من الظباط أصحاب رتب خزعبلية  يقفون إلى جوار عربية (هاتش باك) فيها 3 بنات وولد تم إعتقالهم. التهمة: ملصقات من شأنها قلب نظام الحكم!. الحقيقة: يافطة صغيرة مكتوب عليها (معا ضد الغلاء..اضراب 6 ابريل اضراب لكل المصريين).

 

لو كنت سألتني ساعتها عن معنى التهمة الموجهة لي حقولك ماأعرفش، كل اللي أعرفه إني برغم انتمائي للطبقة المتوسطة أو فوق المتوسطة بشوية ـ الكلام ده كان ساعتها يعني قبل ما ينجح مشروع النهضة في ازالة الفروق بين الطبقات.. وفي طريقه لازالة الطبقات نفسها ـ إلا إني كنت بالمس الغلاء في الاسعار وصادف احساسي ده دعوة اضراب 6 ابريل. وعلى الرغم من عدم إنتمائي لاي حزب او جماعة، وبرغم أن كل حماسي كنت أستمده من كتاب صحف المعارضة ومن الجرايد المستقلة ومن البرامج السياسية ـ قبل ما تقلب سبوبة اوي كده ـ إلا أنني تحمست للفكرة، وقررت أشارك، لكن لأنه كان من الصعب أن أمتنع عن العمل في البنك الأجنبي الذي أعمل به، وإنت عارف ان إحنا نعز الاجانب اوي ومنحبش ندخلهم في مشاكلنا، قررت أشارك في الاضراب ده بس بشكل مختلف، وهو إني لزقت علي عربيتي ملصقات تعبر عن الغلاء .

 

بعد شد وجذب مع الظابط الي كان شكله كبير الشلة واللي وقف العربية، صمم إني ما استلمش رخصة العربية غير في القسم وبمحضر رسمي باعتبار ان لصق الملصقات دي مخالفة، وأنا ولإني كنت لسه مش مستوعبة قررت إني أروح أستلم الرخصة، اصطحبني ظابط لطيف ظريف، والحق يتقال غيّر فكرتي عن ظباط المباحث خالص، وفي الطريق اتكلمنا عن العربيات والاسعار والتقسيط وبعد ما وصلنا لقسم قصر النيل، يظهر إني وجعتله ضميره بسذاجتي، فلاقيته بيقولّي حاولي تكلمي حد من أهلك عشان إنتي مش حتخرجي خلاص، وبسذاجتي المثيرة للشفقة وبمنتهي الثقة قلت له: لا مينفعش أصل بابا لو عرف إني روحت القسم لوحدي حيزعقلي، أصلنا من  عيلة محافظة!. وبغض النظر عن رد فعل الظابط، يالاّ بقى ربنا يسامحه، بس كانت دي تجربتي الأولى في المشاركة السياسية، في 6 ابريل 2008 كان أول مرة اسمع هتاف جوه القسم (يسقط يسقط حسني مبارك)، يا نهار إسود، جسمي كله قشعر، خفت.. فرحت..عيّطت، بس قلت لنفسي: لا يا ستي مش للدرجة دي، أنا اقول لا للغلاء آه، لا للحكومة ماشي، بس يسقط..ومبارك، معقولة دي، كان الكلام ده ساعتها «دونت ميكس».

 

كل المشهد ده جرى قدامي بس بشكل تاني خالص، يوم 28 يناير 2011، بعد صلاة الجمعة، ومع أول هتاف مصور يتذاع في التلفزيون (الشعب يريد اسقاط النظام)، نفس الدموع، لأ أزيد.. نفس الفرحة.. لأ .. أكتر.. ونفس الخوف.. بس اللي كان مصبرني ان الرهان يستاهل .. طفلتي اللي كنت مستنياها تييجي الدنيا بعد كام شهر، مستقبلها يستاهل المغامرة، قضيت الليلة دي زي كل المصريين ما بين ترقب وفزع، أقسام اتحرقت، سجون اتفتحت، ومجرمين اتطلقت في الشوارع، مافيش شارع مكنتش تسمع فيه صرخة (خلاص خلاص دول داخلين علينا)، وكإنهم بيتكلموا عن يأجوج و مأجوج..المتاريس مليت الشوارع.. الشجر اتقطع واتعمل منه سدود.. في ليلة واحدة مصر بقت العراق، طب الموضوع يستاهل؟، ما إحنا عايشيين كويس، لأ.. مستقبل (رقية) يستاهل.. وكان القرار إني أنزل تاني يوم الميدان.. كان لازم أشوف وأحكم بنفسي، وخاصة بعد ما أذاعت قنواتنا العظيمة وصرحت إن الثورة دي ما هي إلا مؤامرة أمريكية إيرانية صهيونية بحتة من اجل فشخ البنية التحتية لجمهورية مصر العربية المية مية .

 

نزلت وأنا باترعش.. مشيت كتير لحد ما وصلت لقلب الميدان..الناس كانت بتوسعلي لظروف حملي.. فوجئت ب(مصر) ..لقيت مصر في ميدان التحرير.. مصر البنت المحجبة والمحتشمة وأم شعر قصير وعيون عسلية .. والواد أبو دقن خفيفة وأبو ديل حصان في شعره.. والغلبان والفنان. في الوقت ده الخوف راح.. وفضلت الدموع والانتظار والأمل ثم الأمل ثم الأمل.. زرت الميدان اكتر من مرة، وكل يوم كان بيعدي كنت باحس إن حملي أنا و (مصر) ماشيين سوا .. وان الولادة قريبة..والمولود يستاهل التعب .

 

وكان يوم جمعة التنحي، وطبعا مكنتش اعرف إنها آخر جمعة، الأمل كان بيكبر، الميدان رغم كتر الناس بيوسع، وكان خطاب التنحي القصير المقتضب، مشاعر لحد ما اموت مش حاعرف اوصفها، وبعيدا عن اللي رمى نفسه علي الأرض سجودا لله، واللي أغمى عليه، واللي قعدت تزغرط، أكتر واحد لفت نظري بعد الخطاب كان طفل من أطفال الشوارع قعد يتنطط على الدبابة ويقول «الحرامي مشي الحرامي مشي».. مكالمات بتييجي من كل بلاد الدنيا وقرايبنا واصحابنا بيباركولنا. «مبارك افترى واحنا شعب يستاهل كل خير» قعدت أردد الكلمتين دول في نفسي لحد ما روحت من الميدان .. وساعتها بصراحة ما فكرتش ولو للحظة أسأل نفسي هل إحنا شعب فعلا يستاهل كل خير؟.

 

من يوم التنحي ولفترة ليست ببعيدة كنت علي العهد، يالّا نعمل استفتاء.. أنزل.  أتغنى بالطوابير والتحضر. أقول (لا).. فـ (نعم) تكسب، أقول مش مهم أمال تبقى ديمقراطية إزززاي، أضحك على «آسفين يا ريس» وعلى الفلول، وأتغنى بالثورة، وتيجي إنتخابات مجلس الشعب أقول أيوه بقى دخلنا على الشغل اللي بجد، وأخيرا حاعرف مجلس الشعب ده لزمته إيه، وأجري أقف في الطابور، ونغني لعساكر الجيش اللي في اللجان «يا ولاد الأعمام ويا ولاد الجدود.. مكانكم مش هنا مكانكم علي الحدود».. كبديل مخفف لشعار (يسقط يسقط حكم العسكر)، تطلع نتيجة الانتخابات مخيبة للآمال، أقول و ماله، الفريق اللي كان جاهز كسب، المرة الجاية اللي عايز يكسب يجهز كويس، وكله حيصب في مصلحتنا ومصلحة ولادنا في الاخر .. امال احنا عملنا ثورة ليه؟.

 

«البلد بتخرب» أسمع الجملة دي بتتكرر على ألسنة أعداء الثورة، وأنا أضحك، وأقول خراب ده إيه، هو المريض لما ياخد الدواء لازم يتعب أوي أوي في الأول عشان يخف، و»أتغنى بالثورة».. وتيجي اللحظة اللي هرمنا من أجلها.. لحظة مصر ما مرتش بها من أيام (مينا نارمر) موحد القطرين .. مصر حتختار «ريس».. يا له من حدث جلل.. صحيح مكنش بالساهل..وصحيح كان التمن غالي ..مش بس شهداء الـ 18 يوم.. ولكن شهداء كتيير أوي كان لازم يموتوا عشان اليوم ده.. بس وماله .. هم يا بختهم في الجنة ونعيمها..واحنا بقي حننعم هنا علي الارض بأول رئيس مصري منتخب بإرادة شعبية.. أنزززززل ارشح وانتخب.. وألوم على فصيل معين أساء للثورة ببعض تصرفاته ورجوعه في كلامه وتصريحاته.. بس اللي إحنا بنحلم بيه يستاهل.. و»أتغنى بالثورة».

 

ومن مصر القوية لواحد مننا..شعارات وشعارات، بعد ما كان ماعندناش غير شعار واحد أوحد (اخترناااااااه).. واحنا وحياة أمي عمرنا ما اخترناااه ..نختاره إزاي وهو لابد فيها أصلا من قبل ما نتولد.. وأقول أهو ده في حد ذاته يهون على الواحد اللي عايشه.. وأفرح و»أتغنى بالثورة».. وأحاول أدي أمل لكل اللي حواليا إن اكيد ولازم  وحتما بكره أحسن .

 

وفجأة، الإعادة بين شفيق رجل مبارك ومرسي مرشح الاخوان.. «أحيه هو بجد في حد بعد ما شاف الثورة دي يروح يرشح الراجل اللي عينه الرئيس اللي إنتم خلعتوه» بالجملة دي هاجمني أخويا اللي مهاجر استراليا من سنين وقال لي إن ده تعليق كل زمايله الأستراليين اللي كانوا مهتمين جدا جدا بمتابعة الثورة المصرية.. يادي الفضايح .. آدي الفلول فضحونا عالميا.. يالا معلش.. سوق اللمون قريب.. إنزل.. إشتري شوالين لمون واعصر واعصر..الثورة لازم تنجح.. رقية لازم تعيش أحسن ..أكيد الثورة دي ماكانتش مؤامرة.. وأحاول «أتغنى بالثورة» على الرغم إن صوتي منبوح.. وعلي مدار الفترة دي كان أصحابي من كارهي الثورة أو حزب الكنبة اللي انضم ليهم بمجرد مرور شهر علي الثورة من غير ما تحقق الاهداف المرجوة منها بيشتموني ويشتموا إيماني بالثورة.. وعلى صعيد آخر كانوا أصدقائي من جماعة الاخوان بيشجعوني.. ويمدحوا شجاعتي.. وبعد عشر شهور من حكم محمد مرسي الناجح باللمون.. لسه اصحابي إياهم بيشتموني.. بس الصراحة أصدقائي من جماعة الاخوان برضو بقوا بيشتموني.. أصل مابقاش بيعجبهم إعترافي بإني حمضت من اللمون اللي عصرته .. وإن الفشل مش محتاج أكتر من كده عشان الإخوان يعترفوا بيه.. وإن دفاعهم بجملة «ده ميراث مبارك» بقى دفاع تقيل علي قلبي.. عشان محدش طلب منكم تورثوه لوحدكو وتكوشوا على الشيلة كلها اللي إنتو عارفين إنها تقيلة وماينفعش حد يشيلها لوحده. بس على فكرة مشكلتي دلوقتي مش فشل النظام الحالي..المشكلة هي عدم إيماني بأي بدائل حالية.. أبويا دايما بيقول «البلد دي عشان تنضف لازم قنبلة نووية تيجي تاخد كل من هو أكبر من 5 سنين عشان الباقي يطلع علي نضيف».

 

يقولوا كانت مخطط .. كانت مؤامرة .. كانت خدعة .. لكنها كانت بالنسبة لي «ثورة» من أعظم الثورات.. بنت جميلة ربنا رزقنا بها بس احنا مرمطناها وشغلناها في البيوت.. ولما كبرت شوية.. دورناها في الكباريهات.. أنا لسه ماسكة في الامل .. بس الصراحة.. مش قادرة للأسف دلوقتي «أتغنى بالثورة» زي الأول.. أصعب إحساس في الدنيا إنك تحس إنك خاين.. واليأس دلوقتي خيانة.. أنا مقتنعة بكده.. وعشان كده كل لما بيقرب مني إحساس اليأس.. باحاول انفضه عن نفسي.. باجيب بنتي اللي عمرها تقريبا من عمر الثورة وأحطها علي رجلي.. وأغني لها «الثورة جاية إمتى..جاية الساعة ستة.. راكبة ولا ماشية.. راكبة البسكلتة.. وسعوا لها السكة .. واضربوا لها سلام.. اليائسيييين في الآخر.. والثوار قدام».