إذا لم تتمرد.. فما الفرق بينك وبين دكر البط؟ - مختارات - المعصرة - بوابة الشروق
مختارات
إذا لم تتمرد.. فما الفرق بينك وبين دكر البط؟ أخر تحديث: الأربعاء 22 مايو 2013 - 1:00 م
إذا لم تتمرد.. فما الفرق بينك وبين دكر البط؟

من غير لاسلام ولاكلام ولامقدمات فارغة لاتودي ولاتجيب، دعني أسألك سؤالا أتمنى أن يكون ضميرك لا يزال حيا فيملي عليك أن تجيبني على سؤالي بصراحة. سين سؤال: متى كانت آخر مرة تمردت فيها؟. انتظر رايح فين، مالك جزعت هكذا من مجرد سؤال؟، من قال لك أنني أقصد التمرد على نظام الحكم؟ لاتخف لن أورطك في موضوع كهذا، إن لم أكن خائفا عليك سأخاف على نفسي أولا من تهمة التحريض على قلب نظام الحكم، إذا افترضنا أن للحكم لدينا نظاما أو قلبا. أنا ياسيدي أسألك عن التمرد كمبدأ، كموقف، كطريقة في الحياة، دعني أعيد صياغة السؤال الذي كدت تجري منه لأضعه بين يديك في صورة أسئلة تفصيلية، بشرط أن تتذكر أنك لازلت تحتاج إلى الصراحة التي طلبتها منك في البداية. 

 

متى كانت آخر مرة تمردت فيها على مايفرضه المجتمع عليك، على الأوضاع الخاطئة التي تغرق فيها لأذنيك؟، على أن تسير في القطيع قطيع الأسرة أو قطيع المدرسة أو قطيع الجامعة أو قطيع المحكومين؟، هل تمردت مرة على الكلام التافه الذي يسميه كل من حولك الأصول فجربت أن تقول لهم إذا كانت هذه الأصول فلماذا لم توصلنا إلى شيئ ونحن منذ أن ولدنا ونحن نمشي عليها ولماذا لانجرب ولو لمرة ماركة أخرى من الأصول يعني من باب التجربة ليس إلا، باختصار ومن الآخر متى كانت آخر مرة قررت فيها أن تعيش كما خلقك الله حرا لا كما جعلتك هذه البلاد «نفرا».

 

لسنا في برنامج مسابقات تافه حتى أفترض أنك لابد أن تجيب على أسئلتي الآن لتكسب رحلة إلى نويبع أو «مَجّ» عليه صورة الرئيس مبارك الحالي أوالقادم. بالعكس سأتركك تأخذ وتعطي في هذه الأسئلة مع نفسك، وسأكون سعيدا لو قلبت عليك المواجع، وسأشعر بمنتهى الرضا لو جعلتك مكسوفا من نفسك ومكشوفا عليها، وسأنام قرير العين لو جعلتك تسهر ليلة كاملة تفكر في العمر الذي ضاع منك أونطة وأنت تعتقد أنك «مية فل وعشرة» مع أنك لست كذلك. لاتلمني. لست ساديا أتلذذ بتعذيب القراء ولست موتورا حاقدا أسعى للعكننة عليهم، كأنهم في البهجة يرفلون وفي النعيم يتقلبون، كل مافي الحكاية أنني أحاول أن أرد الجميل الذي أسداه لي أناس سبقوني وجعلوني في وقت ما ـ كان مبكرا بحمد الله ـ أفيق من وهم أنني أحيا الحياة المطلوب إثباتها بالتفصيل، وجعلوني أقاسي عذاب التمرد سنين طويلة وأكتوي بناره لأصير آدميا يحيا بفطرة الله التي فطر الناس عليها لاتبديل لخلق الله.

 

هل أنت بني آدم؟ العفو والله مش قصدي خالص. أكيد أنت بني آدم، لكن هل يهمك أن تكون بني آدم؟ ليس هذا لغزا، دعني أشرح لك وجهة نظري من السؤال لعلك تسأله لنفسك قبل فوات الأوان، شوف ياسيدي المفروض أن الله عزوجل خلق البني آدم منّا أطوارا كما يقول القرآن الكريم، حيث أراد لنا بحكمته أن تكون حياتنا متدرجة عبر مراحل، فنبدأ حياتنا أطفالا نتعلم من الذين سبقونا خلاصة ماوصلوا إليه من تجارب ونستخدم ماتعلمناه منهم في إكتشاف الحياة طيلة فترتي الطفولة والمراهقة، وعندها نبدأ في التمرد على ماتعلمناه منهم ونخضعه للنقد والتمحيص فنجد فيه أشياء صحيحة نتمسك بها ونطورها، ونجد فيه أشياء باطلة فنرفضها ونحاربها، ونستمر في ذلك طيلة فترتي الشباب والرجولة حتى نصل مع بدايات مرحلة الكهولة إلى حصيلة كل هذا التمرد والإكتشاف والقلق والشك فنصيغ كل ذلك في ماتعارف البشر على تسميته بالخبرة التي نحاول أن ننقلها إلى غيرنا، وربما لانصل أبدا فنقرر أن نستمر في مكابدة القلق والتمرد والشك راضين بأن نموت بحسرتنا فنجد اليقين عند صاحب اليقين.

 

 هذا هو المفروض لكن منذ متى كان المفروض يحدث في بلادنا التي تظن أنها سعيدة؟. يعني أنا وأنت نعلم أننا لانعلم ولانسعى لكي نعلم ولا نفعل شيئا مما إفترض الله عزوجل أننا سنفعله عندما خلقنا، والسبب أننا نقضي حياتنا كلها نسمع الكلام، كلام كل من هم حولنا سواء كانوا أهلا أو معلمين أو قادة روحيين أو رؤساء عمل أو رؤساء جمهورية أو شركاء حياة، وهي حياة لاتليق ببني آدم بقدر ماتليق ببني بجم.

 

إذا كنت تعتقد أنك لست من «بني بجم» بل أنت إنسان من جنس بني آدم الذين كرمهم الله في البر والبحر فأفسدوا في البر والبحر، فهل أنت حقا تعيش الحياة كما خلقها الله أطوارا، أم أن حياتك تسير كلها في طور واحد لايتطور. لاتتسرع في الإجابة وتعال نحسبها سويا. ألسنا منذ اللحظة التي «نتزلط» فيها إلى الدنيا ونبدأ في إدراك ماحولنا نسعى جاهدين لكي نحصل على أول نيشان يمنح في سن الطفولة، ألا وهو نيشان «بيسمع الكلام» والذي نحصل بموجبه على إمتيازات لايحصل عليها الوحشين الذين لايسمعون الكلام.عندما ندخل إلى المدرسة نحصل على الدرجات الأعلى عندما نسمع كلام  المدرس ونحفظه ثم نرجّعه على ورقة الإجابة فنحصل على النيشان التالي في حياتنا «شاطر»، في الجامعة يلعب الدكتور وصبيانه من المدرسين المساعدين والمعيدين معنا نفس الدور الذي لعبه المدرسون في المدرسة، وبالتالي فإن حفظنا لكلامهم وترجيعه على أوراق الإجابة يصل بنا إلى النيشان التالي « له مستقبل»، إذا حصلنا بعد التخرج على عمل سنصل إلى نيشان «هارد ووركر» بسماع كلام رئيسنا في العمل حتى لو كان حقيرا ولا يستحق أن تخلعه من رجلك، أما إذا لم نحصل على عمل فإننا نقضي وقت الفراغ بسماع كلام أهلنا بأن الإيد البطالة نجسة، عندما نتزوج لابد أن تسمع البنت كلام جوزها ولابد أن يسمع الزوج كلام أمه أو يكون زوجا عصريا فيسمع كلام زوجته وكلام أمها لكي يعيش هو وزوجته في تبات ونبات ويرزقهم الله بأولاد يسمعون كلام بابا وماما وجدو وتيتا وجميع الأهل والأقارب. وأثناء كل ذلك وقبله وبعده نستمع جميعا إلى كلام المتكلم الأكبر رئيسنا في الوطن الذي يمشي كلامه على كل المتكلمين والمستمعين. وأثناء كل ذلك وقبله وبعده لانتمرد ونحن نحاول أن نفهم ديننا لكي لانتهم بالكفر مع أن الله سبحانه وتعالى أوجب علينا أن نعبده على علم وفهم لا على حفظ وصم وبغبغة. ولانتمرد على حكامنا فنسألهم من أين لكم هذا أو إلى أين ستذهب بنا ياهذا أو متى ستتركنا ياذلك لكي لانأكل على قفانا ونجيب لأهلنا الكافية. ولانتمرد على أهلنا إذا أرادوا أن يفرضوا علينا تصوراتهم على الحياة وتفضيلاتهم لها وماذا ندرس ومن نتزوج ومتى ننام وكم من الوقت نظل في الحمام. بذمتك ودينك هل هذه عيشة؟ عندك حق هي عيشة فعلا بدليل أننا جميعا نعمل زي الناس، لكن بالله عليك هل تختلف هذه العيشة عن عيشة ذكر النمل الأبيض أو أنثى كلب البحر أو خنثى فرس النهر، ولماذا خلقنا الله إذن بشرا ولم يخلقنا حيوانات ولامؤاخذة.

 

تخيل موقفك مثلا لو قررت أن تذهب يوم العيد إلى جنينة الحيوانات، لاأعني التي نعيش فيها الآن، أقصد جنينة حيوانات الجيزة وقد قررت بمناسبة العيد، آه صحيح كل سنة وأنت طيب، أن تفسح زوجتك أو خطيبتك أو حبيبتك أو الحتة بتاعتك أيا كان توصيفها، تقف فرحانا بنفسك فاردا قلوعك على الزرافة وأنت تؤكلها، أوعمال تتريق على الخرتيت، أو تقوم بممارسة ميولك السادية على القرود، تخيل لو فجأة أنطق الله أحد هؤلاء وسألك: «مش مكسوف من نفسك جاي تتشطر علينا.. إيه الفرق بينك وبيننا.. القفص يعني ياقفص.. طب ماإنت لو جيت مكاننا هتحس إن اللي زيك هم اللي في القفص.. عاملنا فرجة وإنت لاتقدر تقول لأ لأهلك ولا لأساتذتك ولا لرؤساءك ولا لأمين الشرطة اللي ممكن يضربك على قفاك ولا لصاحب النفوذ اللي ممكن يدوسك بقلب جامد لإنه عارف ديتك ولا للحاكم بتاعك اللي لاإنت عارف هو عمل كده ليه وماعملش كده ليه.. ياشيخ اتنيل وخد العبيطة اللي إنت فرحان بيها وروحوا اقرفوا حد غيرنا»، ستسألني لماذا نقلت لك حديث الحيوانات الإفتراضي بالعامية، لكي تهرب من السؤال الأهم من ماإذا كان الحيوان سيبستفك بالعامية أو بالفصحى، السؤال الذي لو فكرت جيدا في إجابته من الممكن أن تغير حياتك وحياة من حولك وربما لو فكرنا جميعا في إجابته لتغيرت حياتنا وحياة بلادنا التي هي كما نعلم جميعا حياة لاتسر الصديق ولاتغيظ العدا. السؤال ببساطة وعلى بلاطة « ماهو الفرق بيننا وبين الحيوانات عندما نفقد قدرتنا على التمرد؟».

 

دعني أقلها لك على بلاطة، طبعا الحيوانات أفضل وأجدع منا. بذمتك أليست هذه إجابة منصفة على سؤال الأمس «ماالفرق بيننا وبين الحيوانات عندما نفقد قدرتنا على التمرد». الحيوانات على الأقل ستبعث يوم القيامة ترابا ولن تحاسب على أنها لم تُنكر المنكر ولم تأخذ على يد الظالم، إن ماباستش على إيده كمان، وحتى قبل يوم القيامة تظل الحيوانات أسعد حالا لأنها ليست مطالبة أبدا بأن تخرج في مواكب مبايعة لتهتف بهتافات تنافق ملك الغابة أو إبن ملك الجنينة أو السيدة «مراة الأسد»، الحيوانات لاتتفرج على نشرة ستة ولا تقرأ جرايد النهارده ولا تلبس مايعجب الناس ولا تقول للذي يتزوج أمها ياعمي ولا  تقف في طابور العيش ولا تنحني في الميكروباص ولا يلتصق بها أحد التصاقا غير برئ في الأتوبيس ولا يسبها ضابط بالأم فتقف ذليلة عاجزة، من الآخر لكي لا أقلب عليك المواجع أكثر، عندما نفقد التمرد فإننا لن نحظى حتى بما تحظى به الحيوانات من نعيم في الدنيا وبراءة في الآخرة.

 

 

المضحك.. مضحك إيه ياأخي بس، المقرف أنك عندما تجلس لتستمع إلى واحد من الذين يفترض بك أن تسمع كلامهم طيلة حياتك  لتسأله عن ذكريات شبابه، أو حتى تستمع إليه وهو يتحدث عنها في «الراديون» أو يرويها على حلقات في الصحف ستجده يتفاخر بجيله الذي كان متمردا صاحب أحلام وطموحات، وستسمعه ينعي إلى مصر حال شبابها اليوم الذي لم يعد يحلم بشيئ ولايطمح إلى شيئ، عندها إذا كان لديك من الصبر ما يجعلك لاتبادر بلعن سنسفيله وإنما تقول له بتهذيب أن الشباب لكي يكون له دور فاعل في المجتمع لابد أن يتمرد على القيود المفروضة عليه ولابد أن يصارع الأجيال الكابسة على نفسه، عندها سيقول لك: ومن الذي منعك من التمرد ياأخي، ما تتمرد حد حايشك، وعندما تصدقه وتبدأ في التمرد سيقول لك بعلو صوته وعزم ما فيه: وصلت بيك البجاحة إنك تكسر كلامي كده وأنا حي، ستقول له وأنت تحاول الفهم: مش قلت لي أتمرد. لن يرتبك بل سيرد عليك: أيوه ماقلناش حاجة لكن إتمرد بأدب. ثم سينصرف عنك وهو يضرب كفا بكف ناعيا إلى مصر شبابها المتمرد قليل الأدب الذي لا يسمع كلام بابا ولا ماما ولا سيادته ولاحضرته ولافخامته، وسيتركك تكلم نفسك وتقرر أن تتمرد في سرك و مع أصحابك ذلك التمرد الذي يتم إستخدام ورق البفرة في التعبير عنه، أو إذا كان صدرك تعبانا ستختار مايختاره أغلب من في سنك وهو أن تتمرد التمرد الذي يتقبله المجتمع، صحيح أنه يتقبله على مضض ويسم بدنك عندما تفعله أيضا، لكنه في النهاية لايصطدم بك لو فعلته، أقصد التمرد الشكلي الذي يجعلك تربي شعرك وحشرات شعرك أو تقلل عدد مرات الحموم أو تلبس الجينز المقطع أو تؤمن بقناة ميلودي كمنهج حياة أو تمارس العادات السرية التي أمست علنية أو ترفع صوت الكاسيت على الآخر لتقلق العمارة أو تُقَطِّع كراسي السينما والأتوبيس أو تعاكس أي أنثى معدية في الشارع آنسة كانت أو هرة أو تضرب علبتين سجاير في اليوم أو تتوقف عن الصلاة إلا في موسم الإمتحانات أو تطلق لحيتك وترتدي جلبابا قصيرا أو إذا كنت فتاة ترتدي النقاب أو ترتدي ملابس تغطي جسمك وتكشف عن مفاتنه، وما إلى ذلك من أشكال التمرد التي يناقشها الخبراء في برامج التليفزيون ويأكل الصحفيون على قفاها عيشا في الصحف والمجلات وتساعد أساتذة علم الإجتماع في ترقياتهم الدورية، لكنها في نفس الوقت تظل موجودة ومسموح بها عكس غيرها من أشكال التمرد الفعلي على العبودية والقولبة والكلام المعاد المكرر والكذب والزيف وأكل الحقوق والنفاق والتسطيح والتلاعب بالدين والتطرف والإنحلال والظلم والإستعباط والموالسة، وهي أشكال للتمرد سيقول لك الجميع أن عاقبتها مايعلم بيها إلا ربنا وأنها يمكن أن تذهب بك إلى السجن أو تجعلك منبوذا أسريا أو اجتماعيا أو ناكرا لجميل الذين صرفوا دم قلبهم عليك أومتطاولا على أساتذتك أو كافرا أو ما بتحبش مصر ومابتصونش النعمة التي أنعمت بها عليك. لكن هذه الأشكال من التمرد النبيل هي التي ستجعل منك بني آدم بحق وحقيق وحتى لو خفضت من حظك في الدنيا سترفع يوم القيامة من قدرك عند الله عزوجل الذي ندعي كلنا أننا نؤمن به وننسى أنه خلقنا أحرارا لايجب أن نستعبد أو نُستعبَط أو نُورّث أو نأكل على قفانا، ثم إنها وقبل يوم القيامة  ستجعلك قادرا على أن ترد بقلب جامد على أي حيوان في أي جنينة حيوانات ينطق ويقول لك ببجاحة «تفتكر في فرق بيني وبينك».

 

 (نشر هذا المقال للمرة الأولى في مجلة الشباب عام 2007 بعد أن دعاني رئيس تحريرها الراحل الجميل لبيب السباعي للكتابة وبرغم أني حاولت جاهدا أن أتكيف مع السقف المنخفض فيها لكني مُنعت من مواصلة الكتابة بعد أربعة مقالات، اليوم أعيد نشر المقال تحية لشباب حملة تمرد وتضامنا مع مطالبها التي صحصحت روح التمرد في البلاد)