ما بين الفخذين - مختارات - المعصرة - بوابة الشروق
مختارات
ما بين الفخذين أخر تحديث: الأربعاء 15 مايو 2013 - 1:03 م
ما بين الفخذين

قصة لـ : ميرال المصري

 

 

 

(الآتي هو في الحقيقة كلام قبيح و عيب وخادش للحياء..  ولذلك.. إذا قررت أن تقرأ ..إقرأ على مسؤليتك):

 

العاشرة صباحاً.. يوم الجمعة.. كم هي جميلة شوارع القاهرة في الشتاء.. في الصباح.. الناس نياماً.. معظم المحلات مغلقة.. العصافير تتحرك بحرية أكبر.. فليس هناك من ينافسها في المساحات.. فستاني زهري اللون طويل وفضفاض.. وملفوف على خصري حزامه الأبيض الرقيق.. وحذائي بسيط متواضع لا يحب أن يعلو عن الأرض بأكثر من عدة سنتيمترات.. وإيشاربي أبيض بياض اللبن.. انحنيت لأزيح قشرة الموز التي تركها أحدهم على الأرض خوفاً من أن تؤذي أحدا.. ضربني أحدهم على مؤخرتي.. لم أفهم.. شعرت بالإهانة والإحراج.. فوراً استقمت وتفحصت الأشخاص حولي في ذعر.. رأيته على عجلته يضحك ويشاور بيده وقال بصوت عال "لا تمام..تمام .. جامدة بصراحة".. ورحل.. رأيت عدة أشخاص ينظرون إلى ما حدث ببرود.. بسلبية.. نظرت إلى كل منهم في عينيه.. هناك من كان يكتم ضحكته وهناك من استدار بنظره عني ..عدت فوراً إلى المنزل وأنا أشعر بالإشمئزاز من نفسي..أكتم دموعي وأشعر بالضعف.. أشعر أنني مهانة.. مُستخدمة.. نظرت إلى ملابسي في المرآة..  لم يكن هناك شيئ مستفز.. لم يكن هناك شيئ مثير..

 

انتظرت أبي ليستيقظ لأروي له ما حدث.. وقد كان..

 

رد عليّ: "إيه منزلك لوحدك الجمعة الصبح؟ والشوارع بتبقى فاضية؟ ما هو لو كان معاكي راجل ماكانش حد جرؤ على ده..كام مرة أقول مافيش نزول لوحدك! استحملي بقى وما تشتكيش.. خليهم يقفشوا فيكي.. شكلك بقيتي بتتبسطي بده!"

 

آلمني رد والدي أكثر من الحدث نفسه.. شعرت بأنه أجرم في حقي أكثر من هذا الشاب الذي ضربني.. شعرت وكأن كلاهما وجهين لعملة واحدة.. الذكورية.. هل أحتاج رجل كلما وطأت قدمي الشارع فعلاً؟ حسناً..!

 

يوم الأحد.. خرجت من محطة المترو وترجلت المسافة الباقية لمقر العمل.. وقف هناك رجل عربة "الفول" يبسبس لي وكأنني قطته المنزلية.. آثرت ألا أنظر إليه علّه يتوقف.. لم يتوقف.. وبدأ في الغناء "ياما نفسي أركب الحنطور واتحنطر.. اتحنطر آه". بدأت الدماء تجري في عروقي.. تغلي.. هذا الحيوان يقصدني.. يقصد إهانتي.. نظرت إليه نظرات غاضبة.. مليئة بالشرر.. ولكني لم أجد في وجهه حياء.. فقط هذه الإبتسامة المتسعة الحمقاء.. وكأنه كان سعيد برؤيتي مغتاظة.. تذكرت كلمات أبي.. أنه ليس يوم الجمعة.. والشارع ليس خال بل مكتظ جداً.. أنا لست وحدي بل محاطة بالعشرات من أصحاب الشنبات.. وملابسي جيدة وواسعة ولكن لم يمنعه ذلك من مضايقتي..

 

استرسل رجل الفول وقال: ياما نفسي امسكهم! آه يانا.. يا رب اوعدنا.." لم أتمالك أعصابي.. توجهت إليه فوراً وقلت له " انت بتكلم مين أنا عايزة أفهم"؟.. اتسعت عيناه من الذهول وقال: "هو انا جيت جنبك.. ايه تلقيح الجتت ده على الصبح!".. قلت: "انت هتستهبل أومال مين اللي منزلش عينه من علي وعمال يغني ويقول كلام قذر".. قال: وانتي بتاخديه على نفسك ليه! شكلك عايزة كده بقى.. بقولك ايه.. اصطبحي وقولي يا صبح!

 

كان الرجال حوله جميعهم في صفه.. و اثنين أو ثلاثة ربما قاموا بدور "المطيباتية"! خلاص يا آنسة.. ماتبهدليش نفسك.. رحلت عنه وأنا أشعر بالحماقة أنني أهنت نفسي مرة ثاني.. كنت أشعر بالغضب منهم جميعاً.. رجل العجلة.. أبي.. رجل الفول.. وكل الرجال الذين شهدوا هذه المواقف ولم يتحرك لهم ساكن!

 

مر يوم العمل على بصعوبة وأنا أفكر ماذا سأفعل.. كيف أثأر لنفسي.. وقررت..

 

في الصباح الباكر.. حضرت نفسي.. ارتديت بنطلوناً وغطيت نفسي جيداً استعداداً لما قد يحدث.. أخذت معداتي وانطلقت..

 

في نفس الطريق.. نفس الميعاد.. كان نفس الرجل.. يبسبس مرة أخرى.. فنظرت إليه وابتسمت .. فصفق بكلتا يديه قال :ايوه بقى هو ده الكلام "..فرفعت حاجبي.. واتخذت ركنا قريباً منه وجلست وأنا مسمرة نظري عليه.. استغرب هو.. أمطرني بوابل من التعليقات القذرة والسخيفة.. وأنا لا أتحرك.. أضحك وأراقبه بتفحص.. أخرجت تليفوني المحمول.. وبدأت تصويره بالفيديو.. وركزت نظري على جزئه السفلي المستتر تحت بنطلونه.... كان الجميع ينظر إلى باستغراب أيضاً.. معظمهم لاحظ على ماذا أنظر..عايزة ولا ايه".. بدأ يتوافد علي الرجال.. من يهمس في أذني ويقول لي .. شكلك بنت ناس عيب اللي بتعمليه ده.. يا آنسه انتي هتنزلي لمستوى راجل بتاع فول بردو.. يا عيني عالاخلاق ده مافيش حياء خالص يا جدع! فين بنات زمان!".

 

تعددت التعليقات.. لم يسألني أحدهم ماذا أفعل أو لماذا أفعل ذلك.. كل كان يرمي تعليقه ويرحل.. لم يقل له أحد لا يصح أن تفعل ذلك.. دائماً انا الفتاة هي المخطئة.. بالرغم من تعليقاتهم كنت مصّرة على قراري.. لم أتراجع.. أكملت التصوير .. والرجل يسبني.. ثم شعرت به وقد بدأ يشعر بالإحراج.. ربما الغيظ.. ابتسامتي لم تفارق وجهي.. وهو بدأ يغضب.. بدأ يحرك جسده عكس مكان جلوسي فاستدرت وذهبت لأصوره أيضاً..  ثم لمحت نظرات التحدي على وجهه وكأنه يقول.. ستدفعين الثمن أو من الآخر "أنا هاعرفك آخرك فين".. حاول إحراجي.. فلمس جزيه السفلي وهو يغمز لي محاولاً إستفزازي. كان يتحداني... برغم الإشمئزاز والقرف لم أتحرك.. كنت أصور ذلك أيضاً.. أرسلت الفيديو فوراً على بريدي الإلكتروني ووضعت الهاتف في حقيبتي.. وعدت إلى مكان جلوسي.. نفس الإبتسامة المستفزة.. مركزة نظري على جزئه السفلي.. قال وقد ترك ما في يده بكل الغضب: "بتعملي ايه با بنت الـ.....إنتي صورتي مين.. امشي من هنا يا روح امك بدل ما امد ايدي عليكي".. قلت له: "اعتذر أولا عما قلت أمس.. أنت فعلت بي ما فعلته بك الآن.. حسيت بإيه وأنت متراقب؟ حسيت بإيه وانت مختصر في عضوك الجنسي؟ حسيت إنك محترم؟ كل يوم تسّمعني كلام وتضحك؟ مابتضحكش دلوقتي ليه؟".. قال: انا ماجيتش ناحيتها يا جدعان.. قلت: وأنا بردو ماجيتش ناحيتك..قال: بت انتي بقولك ايه.. وقد توجه إلى وهو يهم بضربي.. بدأ الناس في التوافد علينا..  ووجد من يقول له "بس يا عم في ايه.. هتمد ايدك على بنت".. قلت بشجاعة: تعالى اضربني لو تقدر أنا هاحطك في السجن يا "...".. ضربني على وجهي بمنتهى القوة.. فبدأ الناس في تكبيله.. وجاءت بعض النساء مهرولة عندما سمعوا صراخي.. قلت لهم: الراجل ده ضربني وأنا عايزة أخدوا على القسم.. كنت أعلم جيداً أنني أحتاج تعاطف الناس لآخذ حقي.. وأعلم أن الضرب جريمة يفهمها المجتمع.. أما التحرش لا!

 

وفعلاً توجهنا إلى القسم.. أتى معي 3 شباب مكبلين للرجل.. هناك أدليت بشهادتي.. وحررت محضر بالضرب.. وقلت فيه أنني عندما صورته وهو يفعل هذه الإشارات القذرة حاول التهجم علي ليأخذ التليفون.. هذ الرجل يتحرش بي كل يوم.. واليوم قررت تصويره.. أخذوا الرجل على الحبس وقد استكان وهدأت ملامحه الآن.. وقد بدت عليه ملامح الفقير المحروم الغلبان على باب الله الذي يبكي ويستغيث من ظلمي له!

 

و لكن من يسلب حقي في الحرية يستحق أن يُسلب حقه في الحرية أيضاً..

 

اليوم أشعر أنني حرة.. أشعر أنني قوية.. ضربة اليوم كانت لي عزة.. أما ضربة الأمس كانت لي درساً.. درساً علمني لمن أوجه أصابع الإتهام.. وعلمني أن الحقوق تُنتزع ولا تُطلب.. فمن يجعل ما بين فخذيه سيده.. سيؤول به الحال عبداً!.

 

(عندما قرأت هذه القصة التي كتبتها ميرال المصري منشورة على صفحات الفيس بوك تمنيت عند اقترابي من نهايتها ألا تكون مجرد قصة من وحي الخيال إعجابا مني بالفكرة التي قدمتها لمكافحة التحرش، ولذلك سعدت عندما كتبت ميرال ملاحظة بعد نهاية القصة تقول أن 80 في المائة من أحداثها حقيقية، كما كتبت ملاحظة ثانية هي أن شخصية الأب في القصة وهمية، لأن أباها في الحقيقة رجل يحظى بإحترام الجميع وهو من ساندها لتسوق من تحرش بها إلى السجن، لكنها أرادت من خلال شخصية الأب أن توضح ما تمر به الفتاة المصرية عندما تبوح بألمها لأقرب الناس إليها. تحية لميرال ولوالدها ولكل بنات مصر التي لن يرد لهن حقوقهن المنتهكة إلا جدعنتهن في زمن تحولت فيه الجدعنة إلى أوبشن).