اركب مع الثورة! - مختارات - المعصرة - بوابة الشروق
مختارات
اركب مع الثورة! أخر تحديث: الأربعاء 29 مايو 2013 - 11:43 ص
اركب مع الثورة!

كتبت مرة على (تويتر) أقول: «بعض النشطاء يقيمون موقف الشعب من الثورة بناءا على سائقي التاكسي الذين يركبون معهم فيتضح أنهم مؤيدون للثورة بحماس شديد، وينسون أن لدى سائقي التاكسي موهبة في تقييف الآراء حسب رغبة الزبون تنافس موهبة فتحي سرور في ذلك»، وبعدها قرأت تعليقا ألطف كتب قائله « يغيظني بشدة النشطاء الذين يكتبون أنهم مندهشون لأنهم ركبوا مع سائق تاكسي ولم يقل أي رأي عن الثورة»، بصراحة لست من المتحمسين لتقييم موقف الشارع من الثورة بناءا على آراء سائقي التاكسي، ليس لأنني أتخذ موقفا سلبيا منهم، بل لأنني لم أعد أركب التاكسي كثيرا منذ أصبح لديّ عربية.  يعتقد البعض أن ظاهرة إنشغال سائقي التاكسي بالهم السياسي ظاهرة محلية بحتة، والحقيقة أنها ظاهرة عالمية تؤرق كل ركاب التاكسي في شتى بلاد الدنيا، هناك عبارة شهيرة للكوميدي الأمريكي جورج بيرنز تقول «من المؤسف أن كل من لديهم خطط رائعة لحكم البلاد مشغولون بالعمل كسائقي تاكسي أو حلاقين»، لكن للأمانة كلما تصادف أن ركبت مع سائق تاكسي بسبب ظروف تخص سيارتي، وجدت لديه وجهة نظر تستحق التأمل، أو وجدته «مشغّل الكاسيت» بصوت عال يعفيني من تأمل أي وجهة نظر له.

 

نادرا ما أركب مع سائق تاكسي وأجده يتعرف على شخصي الكريم، وهو ما يشي بإنشغال غالبية السائقين في لقمة العيش بعيدا عن صخب الفضائيات، وهو أمر كان يمكن أن يكفل لهم نقاءا وجدانيا وبراءة سياسية تجعلهم مصدرا رائعا للحكمة، لكنهم للأسف يمتلكون حصيلة معرفية فتاكة تعتمد على سلاح الدمار الشامل المعروف بإسم «ركب معايا واحد وقالي»، عقب خلع مبارك ركبت مع سائق تاكسي قال لي أن أحد أعضاء المجلس العسكري ركب معه وقال له أن مبارك سيعود للحكم الشهر القادم بعد ما نلم كل العيال اللي عاملة قلق في التحرير، لم أسخر من كلامه لأنه كان فظا غليظ القلب فانفضضت من نقاشه وسألته فقط: هو إنت شفت شكله قبل كده في التلفزيون مع بتوع المجلس العسكري، فرد بجدية: وهو أنا يابيه فاضي للتلفزيون زيكو.. أنا راجل باشقى على لقمة عيشي، تجاهلت اللمزة البادية في كلامه وسألته: طيب هل كان لابس بدلة جيش عليها رتبة لواء، رد بتلقائية: لا الصراحة هو كان لابس ترينج، تجاهلت البلاهة الطافحة من إجابته وسألته: ممكن كان رايح نادي من بتوع الجيش وعشان كده نازل بالترينج.. يبقى أكيد قال لك بنفسه إنه عضو في المجلس العسكري، قال لي: بصراحة الكدب خيبة، بس هو شكله راجل ليه هيبة جاله تليفون وكان عمال يقول للي بيكلمه أنا جاي من المجلس حالا.. قعدنا كتير في المجلس.. هاروح بكره إجتماع المجلس..هو يابيه في مجالس شغالة اليومين في البلد غير المجلس العسكري. مت من الضحك يومها، وظللت أروي الواقعة كثيرا لأصدقائي متندرا، قبل أن تجعلني تطورات الأحداث على أن أحكيها بوصفها خبرا جادا، بل وأسأل نفسي: ياترى من كان عضو المجلس الذي ركب مع السواق إياه؟.

 

 

بالأمس كان لدي مشاوير متعددة منذ الصباح الباكر، ركبت من أجلها أكثر من خمس تاكسيات، ثلاثة منها كان بها زبائن يكرهون الثورة، وركاب الإثنين الباقيين كانوا يكرهون الثورة ويكرهون أنفسهم أيضا، لو كنت من هواة الإستسهال الثوري لوصفت التاكسيات الخمسة التي ركبتها بانها ليست سوى لجان إليكترونية متنقلة بين أحياء القاهرة أو غرف عمليات للثورة المضادة. لي صديق يعتقد جادا غير هازل أن رجال أعمال تابعين للحزب الوطني يمتلكون ثلاثة أرباع تاكسيات المدن الكبرى وبيجوهات الأرياف، وأنهم يقومون بدفع مرتبات آلاف الركاب الذين يركبون الأتوبيسات والميكروباصات بإنتظام، ويتكبدون مبالغ طائلة في سبيل نشر دعاية مضادة للثورة، بينما الحقيقة أن مايقوله أغلب راكبي المواصلات ورواد المقاهي وساكني الكنب من كلام مضاد للثورة وكاره لها ليس سوى حاصل جمع فشل سياسات محمد مرسي وحكومة الخشب المسندة التي تدفع الثورة أخطاءها، زائد طيش وعصبية بعض الوجوه الثورية التي لا تعي أن دفاعك عن قضية نبيلة لا يكفي لكي تكسبها، بل لا بد أن تكون هادئا وذكيا ومطمئنا للناس، وإذا أضفت إلى كل هذا خليطا إعلاميا يقوم بعضه بمداعبة غريزة الخوف لدى الناس على طريقة أفلام الرعب، ولا ينشر كله الأمل والتفاؤل والمعرفة بين الناس لعلهم يفرقون بين ما تتحمل مسئوليته الثورة وما يتحمل مسئوليته الذين ركبوا عليها، عندما يتوفر كل ذلك، فأنت لا تحتاج بعده إلى أن تدفع مليما من أجل أن يقوم سائقو التاكسي وركاب الميكروباصات بتشويه الثورة.

 

بصراحة لو كان خلق رأي عام لا يناهض الثورة يتوقف على سائقي التاكسي وحدهم دون غيرهم، لكان الحل أن يلجأ إئتلاف شباب الثورة إلى رجل الأعمال ممدوح حمزة لكي يشتري خط تاكسيات يسميه (تاكسي الثورة) ويتم تشغيله في شوارع المدن الكبرى بأسعار رمزية ويقوده قادة الإئتلاف ويركب إلى جوارهم أعضاء الإئتلاف لكي يحببوا الناس في الثورة ويضخوا الدماء في شرايين الثورة المرهقة. إذا ظننت أن هذا الإقتراح هزار لا يليق في موضع الجد، دعني أقل لك أنه إذا كان يحكمنا على الدوام حاكم مصمم على أن يمارس مع نفسه ومع البلاد بأكملها لعبة الروليت الروسي بإصراره على العناد وعدم التغيير وإستمتاعه بلعبة الإستقطاب وعدم الحسم التي تكفل له إنتشار حالة الفزع بحيث يبقى هو طوق النجاة الوحيد في نظر الملايين، وإذا كان لدينا إعلام يعتمد على «إنديكس» الموبايلات التي يمتلكها مائة معد برامج هم الذين يشكلون خريطة الرأي العام في مصر، وإذا كان لدينا تيارات إسلامية تظن أن الشريعة الإسلامية يمكن أن يتم تطبيقها بالصمت على الظلم مع أن الشريعة في جوهرها إنحياز ضد الظلم والنطاعة وعبادة الأسلاف وإسناد الأمر إلى غير أهله، وإذا كان لدينا نخبة مهترئة تظن أن الحريات العامة والخاصة يمكن أن يتم تحققها دون الحاجة إلى معارك فكرية وثقافية وتربوية طويلة الأجل، فبصراحة إقتراح تاكسي الثورة أجدع وأكثر فعالية وأسهل تنفيذا، على الأقل الركوب مع الثورة أرحم من ركوب الثورة ذات نفسها.