وصفة أحمد زكي العبقرية لعلاج الإكتئاب! - بدون تصنيف - المعصرة - بوابة الشروق
بدون تصنيف
وصفة أحمد زكي العبقرية لعلاج الإكتئاب! أخر تحديث: الأربعاء 3 أبريل 2013 - 2:05 م
وصفة أحمد زكي العبقرية لعلاج الإكتئاب!

(كما وعدت في مقالي المنشور يوم الأحد الماضي، وبمناسبة ذكرى رحيل فنان مصر العظيم أحمد زكي، أنشر اليوم مقتطفات من كتابة طويلة عنه يفترض بإذن الله أن يضمها كتاب يضم لقاءات مطولة مع عدد من مبدعي مصر الكبار الذين تشرفت بصداقتهم ومحاورتهم، والذين أرجو من القارئ الكريم بعد أن يقرأ هذه المقتطفات أن يرسل لي على البريد الإلكتروني رأيه فيما إذا كان يحب أن أنشر بعضا من هذه الحوارات والذكريات في هاتين الصفحتين بين الحين والآخر أم لا؟. يبقي قبل أن تقرأ أن أقول لك أن كل ما ستقرأه هنا علي لسان الراحل أحمد زكي مأخوذ بالنص من حوارات صحفية أجريتها معه ونشرت في تواريخ متفرقة في صحف ومجلات صباح الخير والمصور والجيل والكواكب والإتحاد الإماراتية).

 

كان ذلك في صيف 1998، وكنت قد ذهبت إلي أحمد زكي لإجراء حوار معه بمناسبة نشر أخبار صحفية في أكثر من مطبوعة عن إتخاذه قرارا بالاعتزال بعد نجاح فيلم (صعيدي في الجامعة الأمريكية)، ذهبت اليه في شقته بالمهندسين التي لم يكن يحب إطالة الإقامة فيها إلا يوم الجمعة بصحبة إبنه هيثم وجدة هيثم التي تولت تربيته بعد رحيل والدته الفنانة الرائعة هالة فؤاد، كان بالشقة برغم فخامتها شيئ حزين وموحش جعلني أفهم لماذا يفضل الإقامة  في الفنادق كثيرا،كان  قد انتهي من مقابلة بعض أقاربه الذين أتوا لزيارته من الشرقية وكان «رايقا» جميلا وفي أحسن حالاته، قلت له فور أن رأيته  «كل يوم أقرأ في جريدة مختلفة أنك خلاص نويت تعتزل التمثيل وأنك تجلس هذه الأيام حزينا وحيدا في غرفة مظلمة»، قال لي «لما أنا هاعتزل أمال باعمل معاك الحوار ده ليه وبعدين ما الأودة إضاءتها زي الفل أهيه وانا حالق دقني وآخر شياكة «، قلت له ضاحكا «يعني أصدقك وأكذب الجرايد»، رأيت إلي جواره بعض علب الأدوية كنت أعرف من بينها دواءا مهدئا شائع الإستخدام، قلت له «أهوه .. شايف الجرايد ماكذبتش»، قال لي ضاحكا «الناس فاكرة إن اللي بيستعمل الحبوب المهدئة لازم يبقي بيشد في شعره وعيونه حمرا، أنا حكاية الحبوب المهدئة معايا بدأت من زمان وأنا طالب في معهد التمثيل، مش مرتبطة عندي بسبب معين، حتي عم صلاح جاهين الله يرحمه كان بيقول علي «إني زي العيل الصغير اللي كل مايلاقي حباية دوا يأكلها قبل ما يعرف هي دوا لإيه».. طول عمري عايش في قلق دائم وتحفز دائم لكل غلط يحدث حولي».

 

 

قلت له وقد استغليت صفاءه وروقانه :»دعني أسألك عن حكاية الجنون الذي تتهم به كثيرا من الصحافة، البعض يرى ولديه شواهده أنك ضارب أو طاقق، بينما البعض الآخر يرى أنك تدعي الجنان والطققان كحالة؟»، مع أني سألت السؤال كعادتي معه بطريقة تسوق الهبل علي الشيطنة، لكنه تعامل مع السؤال بجدية شديدة وأخذ يرد بحرارة حتى بعد أن حاولت تلطيف الأجواء بأن أقول له أن الجنان والطققان هنا يردان بالطبع على سبيل المدح لا الذم. قال أحمد زكي « شوف.. كلمة مجنون كلمة مطاطة، زي كلمة طاقق، ممكن تعني ده طاقق في فنه، يعني مجنون في فنه، والجنون فنون، مش عارف الكلمة دي تتحط في أنهي سياق، صدقني مافيش بني آدم يشتكي من بني آدم من غير سبب، واحد يقول أحمد زكي اتخانق وساب التصوير لازم يا يقول ليه يا يقول مجنون بس، للأسف الناس بطلت تقول ليه، بقى فيه حكم مسبق عايز ترميه علي الراجل ده وخلاص. للأسف فيه نفوس مريضة كثيرة جدا».

 

قلت له :»الذين يعرفونك من بعيد لبعيد يكونون عنك صورة أنك إنسان مكتئب وتحب النكد وتستعذب الحزن .. هل هذه الصورة صحيحة؟»، رد بحرارة وكان يومها في أصفي حالاته «آه صحيحة، وهاقول لك ليه، أنا عايز أعرف يعني إيه السعادة، أنا عايز أسعد بجد وعايز أضحك من قلبي بجد ولو خمس  دقايق بس في السنة، بلاش قل لي من هو السعيد بجد، أنا زيي زي غيري عندي اكتئاب تناوبي، إنما لو أنا إنسان عصبي وحاد ومزاجي عمال على بطال ومع الناس كلها لازم أروح أتعالج بقي، أنا عصبي وحاد فقط مع واحد إبن كلب غلطان ألاقيه بيحول الصدق بكل العبقرية اللي في الدنيا إلى كذب، والكدب يقلبه صدق، إنما لما ألاقي كل حاجة سليمة وأنا أخطأت أعتذر. دلوقتي تلاقي كل الناس عندها حق ومافيش حد بيغلط، لذلك لازم إنت كبشر تصرخ من حين لآخر، أنا بقيت ما أقدرش على فكرة الذهاب لمجتمعات كتيرة فيها ناس بيدعوا أنهم بيقتنصوا الفرحة ويقولوا لك : ليه ما تفرحش؟. إحنا بنعيش عصر مادي قلق، ولكن الحمد لله أنا عندي رضا وقناعة ومتصالح مع نفسي، عمري ما أضريت بأحد أو ضايقت أحد»، ثم صمت فجأة وقال « وبعدين.. عيب أتكلم عن نفسي».

 

 

قلت له « لا.. معلهش.. إتكلم خلينا نعرفك أكتر بدل مانسمع الكلام اللي بيتصدر عنك؟»، أخذ يستفيض في حديثه «أنا قلت كتير إني جوايا واحد شرس جدا وقاعد لي علي الواحدة.. والآخرين مش هيبقوا أقسي علي منه.. السعادة كما أعرفها هي لحظة عطاء، فين ده دلوقتي.. كل البشر بقى عندهم متعة الأخذ، مافيش حد بيعطي، الأخذ هو المسيطر بشراسة والكل فاقدين متعة العطاء.ساعات أبص لنفسي في المراية وأقول «ياأخي ده إنت زهقتني ماتخليك حلو بقي وتبقي فرحان.. أنت ليه كده؟».. عارف ده سؤال باسأله لنفسي كتير جدا».

 

قلت له :طب والحل.. هل تسلم نفسك للوحدة؟»، رد بحزن شفيف ومرير «الوحدة أرحم.. خلاص خدت عليها وحبيت التأمل، أحيانا يصبح من الخطأ أن نقول دنيا من غير ناس ما تنداس، أنا مش متشائم، أنا عايز الناس تبقي فرحانة بجد، أنا باهرب كتير للناس البسطاء أقعد معاهم، بص خليني أسألك ليه بتزداد نسبة الإكتئاب في مجتمعنا.. العيادات النفسية كثرت دلوقتي لأن ما عادش فيه أصدقاء.. زمان كنت تحس إن في ناس أمناء على مشاعرك، تقدر تقول لي ليه الفلاحين ما عندهمش اكتئاب، لأنهم بيقعدوا على المصطبة آخر النهار وكله بيبعبع ويتكلم عن مراته والأرض والكيماوي، أنا دلوقتي مكتئب عشان مدرك إن في ناس بيكئبوني وقاصدين، هتلاقي نفسك دلوقتي ليك مجموعة هموم بتشكي منها لكنك تخاف تحكي همومك لحد لاحسن في يوم يطلع يقولها للناس، إمتى تحكي لحد سر من غير ماتخاف.عارف أقول لك علي حاجة غريبة أنا باحب الأنفلونزا وبالتحديد لما تبقى في العظم، لأن في لحظة ما تلاقي عظمك مش حاسس بيه، ممكن تنسي الإكتئاب والناس اللي مضايقاك وبيروح كل ده من بالك «، قال ذلك ثم ضحك بشدة، قبل أن يردد قائلا «بذمتك مش حلوة وصفة علاج الإكتئاب دي.. هابقى أسجلها باسمي ولما الناس تتعالج من الإكتئاب هتدعي لي وجايز البرد يبهدلهم فيدعوا عليا، مين عارف».

 

لم تتوقف شهيتي ورغبتي في المعرفة وأصررت علي أن اسأله لأول مرة منذ عرفته عن حب عمره هالة فؤاد رحمها الله، وأشهد أن عينيه اغرورقت بالدموع عندما ذكرها، بدأت الإقتراب من منطقة أبعد قليلا عن تلك المنطقة التي كانت تضايقه بشدة كما كنت أعلم، فقلت له «لكن أحتياجاتك العاطفية: للمرأة بالتحديد.. كيف تشبعها؟»، قال بحرارة «أنا ماشي بمبدأ إذا ما لقيتش حد يعطيك حاول أنت تعطي، ولو لقيت نفسك بتتعض أعطي أكثر لغاية ما تزهق ودماغك تنفجر، طبعا احتياجي كإنسان للمرأة فوق الوصف، لأن الرجل من غير مرأة مفقود، والمرأة كائن من أعظم ما يكون وإحتياجي لها لا حدود له»، قلت له «بتفتقد هالة فؤاد الله يرحمها؟»، قال على الفور وقد لمعت عيناه بالدموع « طبعا، أنا تزوجت هالة فؤاد عن حب وطلقت عن حب وكان الطلاق عنادا من الطرفين بسبب الحب،  وعشان كده أنا الآن أحتاج أن تكون علاقتي بالمرأة علاقة فيها حوار ومشاركة وناس تسمع بعض طول الوقت.

 

سألته برخامة مناسبة لسني وقتها  «أستاذ أحمد.. من غير كلام عام.. وبالتحديد.. هل في حياتك امرأة الآن إرتبطت بها؟»، ضحك من قلبه ثم قال وأنا أحمد الله على صفائه لي « آه فيه.. وبالغيظ فيك مش هاقول لك، مش لازم كل ورقي يبقي مكشوف خاصة في الحتة دي، أنا راجل فلاح وعندنا حرمانية المرأة، وبعدين لسه مش هاعلن ده خالص، أحسن تبوظهولي، ممكن الصحافة تبوظ هذا الارتباط، أحيانا الناس تفرح لك لما تتجوز وبعدين يفضلوا قاعدين لحد ما يشوفوك هتتطلق إمتى، أنا بقى مش هاعمل الغلط ده، عشان الجوازة لو فشلت تبقى من ورا الصحافة».

 

أخذ تنهيدة عميقة عندما ذهب بنا الكلام إلى سيرة أبيه الروحي صلاح جاهين ثم قال «الله يرحمه.. كان قمة في العطاء؟ أذكر أنه مرة غضبت من زوجتي هالة فؤاد الله يرحمها، وكانت حامل في ابني هيثم، وعاندت مع نفسي ورفضت مصالحتها، كان صلاح عائد من أميركا بعد أن اجري عملية القلب ورجع وفي صدره قطعة حديد، وبعدما قعد شهر نقاهة قال لي فجأة في يوم: «ماتيجي نسافر اسكندرية ناكل سمك وفطير ونضحك على مراتي منى قطان، ونقول لها أننا رحنا التليفزيون، وفعلا سافرنا بعربيتي الصغيرة، فجأة لقيته طلع بينا على المعمورة، وقعد يدور على عنوان قال إنه عنوان أحد قرايبه، بعد وقت طويل وصلنا للعنوان، خبطنا الباب وفتح ولقيت والد زوجتي أحمد فؤاد في وجهي، أتاري عم صلاح من ساعة مارجع وهو بيدور على العنوان الذي ذهبت زوجتي ووالدها ليقضيا فيه الصيف، بمجرد ما دخل بدأ يقول نكت عشان يعمل جو لطيف، وقال لي خش صالح مراتك، صالحت هالة وإتغدينا وفوجئت بصلاح يقول لي أنا هانزل وحلف كل الأيمانات إني حتى ما أنزلش أوصله، ووقف في الشارع يستني تاكسي، وبالصدفة وقف له تاكسي صغير الحجم، وشفته وهو بيحشر نفسه في التاكسي، وبيلوح لي بإيديه وهو ماشي،  فين تلاقي حد بالعطاء ده دلوقتي؟. إنت عارف مرة صلاح جاهين قال لي مشكلتك إنت جاي في عصر غير عصرك، كان دايما يوصي اللي حواليه عليا قبل ما يموت يقول لهم خلوا بالكو من أحمد زكي».