هل كان شفيق هو الحل؟ - مختارات - المعصرة - بوابة الشروق
مختارات
هل كان شفيق هو الحل؟ أخر تحديث: الأربعاء 1 مايو 2013 - 2:28 م
هل كان شفيق هو الحل؟

(لا يمكن أن تطلب من شخص لم يقتنع بالثورة أصلا أن يفكر بشكل ثوري ويتوقف عن إستخدام الطرق التقليدية في التفكير، لا يمكن أن تطلب ممن يعتقد أن مبارك كان أفضل شيئ حصل لهذا البلد أن يخاف الله في نفسه وفي الدماء التي سالت من أجل أن يعيش في بلد أفضل، فهو لن يفهم معنى كلامك وسيتهمك على الفور بالمتاجرة بدماء الشهداء، وبدلا من أن يعمل معك لكي تكون هذه البلد أفضل، سيحاول أن يشدك معه إلى الماضي دون أن يفكر ولو للحظة في أن هذا الماضي نفسه هو السبب الأول في وصولنا إلى ما يشكو منه الآن. ولذلك، التدوينة المتميزة التي أنشرها اليوم لكاتبها محمد مصلح والذي لم أتشرف بمعرفته للأسف، والتي تحاول الإجابة على سؤال "هل كان شفيق هو الحل؟"، لا تتوجه لمن انتخبوا شفيق كراهية في الثورة، بل لمن انتخبوه خوفا من الإخوان، ولذلك فهم يعتقدون الآن أنهم كانوا محقين بإختيارهم لأحمد شفيق لأنه كان سينقذنا من هذا الوضع المؤسف الذي أوصلنا إليه الإخوان المسلمون بغبائهم وكذبهم، أتمنى لهؤلاء أن تساعدهم التدوينة التي سيقرأونها الآن على تنظيم أفكارهم والتفكير في المستقبل الذي لن يصنعه لنا البكاء على اللبن المسكوب ولا الحلم بالعودة إلى الماضي، بل أن نكمل الثورة سواءا إذا كنا قد شاركنا فيها أو حتى تعاطفنا معها، لأن الثورة ستظل حالة مستمرة شئنا أم أبينا، طالما ظل هناك ظلم وفساد وجهل، ومن كان يظن أن بقاءه آمنا في شارعه وناديه سيعفيه إلى الأبد من مواجهة نتائج تخلف المجتمع وفقره وجهله فهو مخطئ، وأتمنى أن يكتشف خطأه ذلك قبل فوات الأوان، عندما ندفع جميعا ثمن خذلاننا لدماء الشهداء وسكوتنا على غياب العدل.

 

 

أترككم مع تدوينة محمد مصلح الذي كنت أتمنى أن أعرف معلومات أكثر عنه لأفيدكم بها، وكم يؤسفني أن يكون شخص بهذه العقلية التحليلية بعيدا عن وسائل الإعلام التي يحتكرها المتاجرون بالخوف وهواة تصدير الإحباط ومحترفو فقع المرارة، لذلك إلى أن أقرأ له المزيد، أشكره على تدوينته التي لولا حجمها لكنت نشرتها في باب (إنهم يكتبونني)، لأنه فيها يكتبني فعلا، فجزاه الله عني خيرا وعن كل من قرأها فانتفع بها). 

 

" لست من عاصرى اللمون لا أولا ولا ثانيا ولا تحت أي زنقة، كما أنني لا أميل إلى إستخدم مصطلحات "الفلول" أو "الدولة العميقة"  أو ما شابه، وعندي إشكال كبير في المراد من اطلاق هذه المصطلحات على علاتها، خاصة مع تكرار استخدام أطراف  معينة لها ـ تحديدا الإخوان ـ بشكل سياسى موجه لا يخدم إلا مصالحهم "على حساب الثورة" وليس حتى تماشيا معها. بينما أنا أفرق بين النظام السياسي السابق، وبين قاعدة إجتماعية تعاطت معه، وأحافظ على المسافة بينهما، وفي تصوري أن هناك حلا سياسيا لمعضلتنا يمكن أن يحدث على يد كتلتين إجتماعيتين متوسطتين لكن مهمتين: الكتلة الثورية التي صوت أغلبها لحمدين وأبو الفتوح، والكتلة المحافظة الدولاتية التي صوتت لعمرو موسى وأحمد شفيق، لو تمت إذابة الخطوط الواهية النفسية التي بينهما والإتفاق على أجندة إنحيازات مشتركة بينهما بقدر من الواقعية والبعد عن الضلالات والشعارات، لأن بينهما الكثير من المشترك في الحقيقة، ويمكن من خلال هذا الإتفاق تحقيق مفهومين جديدين للدولة والثورة فعليا، مش دولة مبارك ولا دولة مرسي، ويمكن بعد ذلك السماح بمساحات التمايز والإختلاف الفكرية اللاحقة على هذه المرحلة.

 

وهنا لنا وقفة مع حكاية "عاصري الليمون"، الحقيقة أن الإفراط في تحميل "عاصري الليمون" ممن انحازوا لمرسي متأخرا جدا في لحظة الإعادة بينه وبين أحمد شفيق مسئولية كل ما يحدث الآن، فيه قدر كبير للغاية من المبالغة والإختزال الممجوج لقصة طويلة للغاية، بدأت منذ 60 سنة، وأخذ آخر فصولها عاما ونصف قبل أن نصل إلى لحظة العصر، عاصرو الليمون هؤلاء لم يصنعوا هذه المفاضلة السيئة، وليسوا مسئولين عن مرحلة إنتقالية إجرامية إرتجالية قادها من أولها لآخرها المجلس العسكري ليوصل الجميع إلى تلك اللحظة الميمونة التي فُرض فيها الليمون فرضا على هؤلاء، سواءا كان الجيش قاصدا بقى، متغافلا، واعٍ أم غير واعٍ، كلها أمور غيبية، لكن كتحليل سياسي، فإن ما حدث في أحسن الأحوال هو إنتقاص لكفاءته وقدرته على توجيه الأمور لصالحه أو حتى لصالح جماهيره التي تصرخ إستجداءا لعودته الآن، إنتقاص يكفي أن أفقد أي تقدير للمؤسسة العسكرية كفاعل كفء يمكن التعويل عليه مجددا في أي مهمة سياسية من أي نوع في أي وقت، وأكتفي بإحترام الجيش كمؤسسة قتالية وطنية أراقب حيادها وكفاءتها المصيرية للوطن بكل قلق وإهتمام وحيطة.

 

لكن لماذا انحاز عاصرو الليمون لإختيار مرسي في لحظة ما؟، لأن أغلبهم أدرك أن الإخوان حقيقة خلقتها ظروفنا الإجتماعية والثقافية والسياسية والإقتصادية، حقيقة كان لا بد من مواجهتها والتعامل معها، الآن وأبدا، حقيقة صنعت من ثمانين عاما وليس الآن، حقيقة كان التعامل معها قربانا حتميا لأي تحرك للأمام، لوضع الإخوان في مسارهم التاريخي الصحيح بأن يحملوا المسئولية أمام رقابة إجتماعية متحفزة، وليس الحجز والتفاوض بينهم وبين دولة متسلطة طالما لاعبت مواطنيها بهم، لعل هذا يفسر لنا الآن الضراوة التي قابل بها عاصرو الليمون الإخوان مباشرة بعد نجاحه، ضراوة مصيرية من اليوم الأول تعكس وعي أغلبهم بحقيقة هذا الخيار، وأنه مرحلة من صراع، وخطوة أخرى في الهواء أملا في تلمس أرضٍ ما يوما ما.

 

أما خيار شفيق، فكان وهما خالصا، وهم العودة للوراء، وبؤس الأمل في محاربة الزمن، تجسد فيه إخلاص الكثيرين للإستسهال، فكأنما عودة الرجل المقرب من مبارك والعسكري المنضبط ستكفي لمحاربة تغيير الأجيال والأحلام، خيار عكس بؤسا لأجهزة كاملة تحركت لحشد كل ما لديها لإنتخاب شفيق، أملا في قبلة الحياة، في ظهير قوي يمنحها الإسناد السياسي اللازم للإنتقام من الثورة وتأديب الإخوان وإعادة تجنيد السلفيين وتشغيل شلبوكة وشوبير وإطلاق صفارة الحكم، خيار لم يكن حسما لأي شيئ، بل بداية لصراع شرس كان الإخوان ليستفيدوا منه بشكل كامل على حساب دماء وحيرة آلاف من الشباب المثالي المندفع، لا كان سينهي الخطر الإخواني، ولا كان بداية للحلم الإصلاحي، ولا أي شيئ على الإطلاق، كان تتويجا للحظة امتزج فيها الرعب من الصعود الإخواني بالأمل في إدارة عجلة الزمن للوراء. أما الآن، وقد أيقنا من إستحالة كلاهما،وصرنا نعيش في قلب الصراع مع الإخوان بأيدٍ عارية، فما الذي لا زال جذابا في هذا الإختيار الشفيقي إلى الآن إذن؟.

 

 لا أدري، ما الذي لا يغري في الهشاشة الإخوانية، وما تكشف بالتوازي معها من ضعف الدولة والحاجة لتأسيس جديد بالكامل لدولة جديدة كفؤة منبتة الصلة بدولة مبارك ومن سبقه. ما الذي لا يغري في هذا حتى الآن بإدراك حتمية الإنصراف عن خيارات العودة للوراء بقدر الإنصراف عن الخيار الإخواني، ما الصعب في أن ندرك إرتباط الخيارين ببعضهما البعض إرتباطا وجوديا كاملا، وأن إختفاء أحدهما لن يتحقق إلا بإختفاء الآخر، وأننا كشعب نحتاج فعلا إلى خيار آخر، لم يعد رفاهية بل حتمية.

 

 

طيب، لو تماشينا مع أي من تصورات عودة شفيق بنفسه باعتباره شخصية بها شعبية أو دولاتية أو عسكرية قادرة على مواجهة الإخوان و"شكمهم" كما يتصور أنصاره، أو حتى عودة الجيش بشحمه ولحمه، هل ستكون هذه حلولا؟، بالتأكيد وللأسف، وانطلاقا من قاعدة تحليلية عقلية صرفة لا علاقة لها بالقناعات، هي ليست حلولا على الإطلاق، فأي عودة صريحة لأحمد شفيق إلى صدارة المشهد كفاعل سياسي، ستمثل هدية غالية للمعسكر الإخواني لإستعادة خصومته مع خصم صلب مجسد لكل دعاياته التي تستنفر أنصاره عن وجود مؤامرة إلخ إلخ، خصم يساعد الإخوان على إعادة تماسك خطابهم وتنظيمهم ويبرر تعثراتهم المثالية، على خلاف الحالة الحالية التي ينكشف فيها الخيار الإسلامي بشكل مفتوح، أمام ما يتكشف من خصومة إجتماعية واسعة، وساحة مفتوحة على حلول جديدة وبدائل سياسية أكثر طزاجة ورشادة وعمقا وأقل إستسهالا ولو تعثرت ولادتها.

 

أعلم أن الكثيرين يتفهمون عمليا ما أقول، وتحركوا نحوه بالفعل خلال الأشهر الماضية، وهو أحد المكاسب الجانبية لكن المهمة التي تحققت نتيجة إنتخاب الإخوان بالمناسبة، لكن الحقيقة لا زلت لا أفهم، وأتمن أن أفهم، السر الذي يمنع القاعدة الإجتماعية وبعض المثقفين ممن لا يزالون على مساندتهم لخيارات شفيق والجيش، ومقاومتهم لخيارات أخرى أكثر قبولا ومعقولية، خيارات كمجموعة الأحزاب الجديدة المثابرة للخروج إلى النور، وكقيادات سياسية عاقلة وهادئة كالبرادعي وصباحي، ما الذي يمنع هذه الخيارات من أن تكون جاذبة للقاعدة التي سبق وساندت أحمد شفيق والخيارات المشابهة له تحت ضغط الضرورة والتخوف من المجهول، بدلا من إستدعاء هذه الخيارات مرة أخرى بشكل غريب وغير مبرر. لا أجد حتى الآن غير العناد مبررا".