حمدي عبد الرحيم يكتب: خمسون سؤالاً ثم مات الرجل! - في أحضان الكتب - المعصرة - بوابة الشروق
في أحضان الكتب
حمدي عبد الرحيم يكتب: خمسون سؤالاً ثم مات الرجل! أخر تحديث: الأربعاء 1 مايو 2013 - 2:17 م
حمدي عبد الرحيم يكتب: خمسون سؤالاً ثم مات الرجل!

س1: مم تشكو ؟

 

ج1 : أشكو أشياء غامضة ، أشكو من سأم عام ورغبة في الموت مع شبق للحياة إضافة إلي غثيان لا يفارقني ونزوع إلى النوم، كما أخشى مغادرة غرفتي لأي سبب كان.

 

س2: منذ متى تعاني من تلك الأعراض ؟.

 

ج2: منذ أيام ، لا ، منذ شهور ، لا ، منذ سنوات ، الحقيقة لا أعرف .

 

س3: هل جئت لإضاعة وقتي أم للبحث عن علاج ؟.

 

ج3: لست مريضا تقليديا .

 

س4: ششششششششششششش راوغ كما شئت بينك وبين نفسك ، لكن هنا ، لا . أنت هنا مريض و سنبدأ من نقطة مركزية وهي أنك جبان ، الأعراض التي تحدثت عنها تهاجم الجبناء فقط . ألست جبانا ؟ .

 

ج4: لا أستحق وصفا بهذه القسوة ، أنا فقط أنشد السكينة .

 

س 5 : يؤلمك الوصف ، تستطيع الدفاع عن نفسك ، لكن صدقني ، تلك هي الحقيقة ، ولكي لا تغضب وتلتزم الصمت فأنت جبان ذو كبرياء أو متكبر جبان ، هل يرضيك هذا ؟.

 

ج5:يا سيدي لسنا في مباراة يجب أن يربحها واحد منا ، القصة ليست كما تظن .

 

س6: القصة هي كما أظن ، دعني أذهب إلي رأس الدمل ، هل كانت لك حبيبة خسرتها؟

 

ج6: نعم . هي اختارت غيري فانسحبتُ .

 

س7: بهذه البساطة؟ القصة كما عرفتها أنا ولا تسل عن مصدري هي : أن أحدهم قطع عليكما الطريق ، مد يده ، نظرتْ هي لك طالبة تدخلك ، فنظرتَ لها طالبا قيامها بإنقاذ نفسها ، كان هو سريع الحركة فسيطر عليها ، أليس هذا ما حدث ؟

 

ج7 : أقسم بالله ليس ...

 

س8 : لسنا في محكمة حتي تقسم ، هنا سؤال فأين الإجابة ؟

 

ج8 : كنا ثلاثتنا في غرفة واحدة، حان وقت عودتها لمنزلها، وقفتْ أمامنا نحن الاثنين وسألتْ بصوت ثابت :" منْ منكما سيعيدني لمنزلي ؟". شعرتُ بإهانة بالغة من سؤالها، مجرد سؤالها لأنه كان يحمل معني مساواته بي ، قام هو وقال :" هيا بنا".

 

س9: لماذا لم تقم أنتَ ؟.

 

ج9 : سؤالها هو الذي أجبرني علي القعود، لقد ساوته بي، لو قالتْ لي قم لقمتُ، أو لو قالت سأعود لمنزلي لقمتُ معها لكنها كانت تسعي لإشعال منافسة .

 

س10: وأنت أكبر من أن تدخل في منافسة ، أليس كذلك ؟.

 

ج10: نعم أنا أكبر من أن أدخل في منافسة .

 

س11: أيهما أفدح ، أن تنافس وتهزم أو تنسحب وتشقي ؟.

 

ج11: نعم ......

 

س12: سمعتَ السؤال فلا تبحث عن كذبة ، أين الإجابة ؟.

 

ج12: قلتُ لك من البداية أن القصة معقدة ، لقد كان صديقي وتنافسي معه كان سيهيننا نحن الاثنين .

 

س13: يا سيدي هكذا تكذب ، لقد كان صديقك وتنافسك معه كان سينتهي بهزيمتك لأنه كان سيستخدم أسلحة تترفع أنت عن أستخدامها لا شرفا بل جبنا ، عندما يهم أحدهم بقتلك فبادر إلي قتله ، هكذا تصنع حتى حيوانات الغابة ، هل فررتَ أم ثبتَ؟

 

ج13: إن كان اعترافي بالفرار يريحك فقد فررتُ ، وإن كانت القصة معقدة .

 

س14: أيه قصة ؟ لقد انتهينا ، الأمر واضح جدا ، رجل جبان يقدس مشاعره فيهرب ، ما علينا ، الآن حدثني عن القصة الثانية ، هل تنكر أن هناك قصة ثانية ؟

 

ج 14: حقا لا أفهم قصدك .

 

س15: هلا حدثتني عن قصة الأسطورة ؟

 

ج15:أقسم لا أفهم قصدك .

 

س16: سأحدثك أنا ، لأن الذاكرة كالبغي تنسى زائريها ، بعد هزيمتك المدوية رحتَ تبحث عن علاج شأنك شأن أي مريض ، صنعت لنفسك أسطورة تقول :" لا حب هناك .. كل الأمر هو جسد يشتهي جسدا " ولذا جربت كثيرا دفن رأسك بين نهدين سخيين ، ثم كرهتَ الأمر كله بعد أن شعرت أن أعماقك صارت دنسة ، فقمتَ بصنع شعار جديد للأسطورة ، واستعنت ببيت المتنبي :" وما العشق إلا غُرّةٌ وطماعةٌ يُعرِّض قلبٌ نفسهُ فيُصابُ ". قلتَ في نفسك لن أترك قلبي يتسكع على الأرصفة فيصيبه ما يصيب المتسكعين، كنت كلما شعرت ببوادر ميل تجاه إحداهن تسارع بالفرار كما يفر خائف من أسد جائع، ثم لم يشفك هذا، جربت اللجوء إلى هدوء المساجد ساعات ما بين المغرب والعصر، كنت تسند ظهرك إلى حائط المسجد الشرقي ، تتغير المساجد ويبقى دائما الحائط الشرقي، ثم ترتل مغمض العينين :" ولو أن أهل القري آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السماء والأرض". كنت تُرَتِّلها كثيرا ، تُرَتِّلها حتي تخشع وتفيض الدموع من عينيك ، ترتلها كما أُنزلت ، تسأل الله الإيمان والتقوى لكي تبتعد عن الحب، ولكن قلبك كان يفسر آيتك الخالدة ، كان يفضح خوفك وجبنك وكذبك ، كان قلبك يبتهل:" اللهم ارزقني الإيمان والتقوى لكي ترزقني بركات السماء والأرض ، الحب ". ألم يحدث هذا أم تراني أفتري عليك الكذب ؟

 

ج16: يا سيدي ، تمهل ، لقد كنت ، كنت ، كنت ...........

 

س17: لا تجد ما تقول ، فدعني أكشف لك عن جانب من جوانب أسطورتك التي خلقتها لتهرب ، هل تسمح لي ؟

 

ج 17 : تفضل .

 

س18 : لقد اخترعت تناقضا بين الله والحب، بل تناقضا بين الله والمرأة ، الذين يحبون الله يجب أن يبتعدوا عن المرأة، هل أقتربت من الله قدر ابتعادك عن المرأة ؟ أم تراك خسرتهما جميعا ؟

 

ج 18 : الله لا يغدر ، الله ......

 

س 19 : تكفيني هذه الإجابة، لا داعي للاسترسال، والآن هل تسمح بالعودة إلى نقطتنا المركزية ؟

 

ج 19: أية نقطة ؟

 

س20: عفوا نسيت أن الذاكرة مثل البغي ، حتي أنا أنسى، عفوا، نقطتنا المركزية هي أنك جبان . هل تسمح لي بالمواصلة ؟.

 

ج20: أقسم بالله لست جبانا ، أنا فقط أنشد السكينة .

 

س21: يا سيدي قلت لك سابقا : لسنا في محكمة . هذه ليست جلستنا الأولي، وأعرف عنك الكثير، لكنها ستكون الأخيرة ، إذا لم تكن جبانا فما الذي صنعته بحبيبتك الثانية والأخيرة، أنا الذي سأقسم بالله هذه المرة ، المرأة التي أعنيها ستكون حبيبتك الأخيرة . هلا تفضلت بالإجابة ؟

 

ج 21: لم أصنع شيئا. أقصد أنني كنت أحببتها ، كانت بركات السماء والأرض ، أقصد يعني أنني كنت أحبها وكنت أتكتم الأمر وأستره بستائر الصداقة والصحبة ، هي كانت تعرف شيئا ، لا ، أقصد أنها كانت تعرف كل شيء ولكنها ترتاح إلي كتماني .

 

س22:هلا إختصرت ، وقتنا ضيق ؟

 

ج 22: فجأة انفلتت الخيوط من بين أصابعي ؟

 

س23: أنفلتت أم أفلتها ؟

 

ج23 : صدقني لا أعرف .. كنت .....

 

س24: لستُ عدوك فأجب بالصدق ؟

 

ج24: ليس لدي إجابة سوى ما قلت .

 

س25 : ثم ماذا حدث ؟

 

ج 25: قلت لها : أحبك يا امرأة وجعي ونكبتي وسهري الطويل ؟

 

س26: ما كان جوابها ؟.

 

ج26 : قالت :" أحبك ، أنت حبيبي ".

 

س27: تقر أنها تجاوبت ؟.

 

ج 27 : نعم أقر.

 

س28:هل باغتّها بتصريحك ؟

 

ج 28: لا أعرف .

 

س29:هل حاصرتها لتدفعها لقول ما تريد ؟

 

ج 29: لا أعرف.

 

س30 : هل فرحت بجوابها؟

 

ج30 : حتي أنني تجهزت لكي نذهب سويا إلي حيث البحر المطلق .

 

س31: البحر المطلق ، جملة لا تعني شيئا حقيقيا ، ما علينا ، ثم ماذا حدث بعد بحرك المطلق ؟.

 

ج 31: حدث أن ، أن ، أن ..

 

س32: لا تجهد نفسك ، سأجيب أنا ، لقد وضعت جوابها المكتوب أمام عينيك ، قرأت جملة من ثلاث كلمات ليلا بأكمله ، كنت تستحلب كلماتها الثلاث ، تتشمم الكلمات كأنهن الورد الصابح ، ثم نمت لتصحو منتعشا وتهرع إلي كلماتها لتلقي عليها تحية الصباح السرية . أليس هذا ما حدث ؟

 

ج 32: بلى، هذا ماحدث .

 

س33: هلا تركتَ كلامكَ يتدفق ؟

 

ج 33: هل تصدقني لو قلت لك إنني لم ألمس حتي أطراف أصابعها و....؟

 

س34: وهل تصدقني أنتَ لو قلت لك أنني لم أكن أفتش عن علاقتك بجسدها؟، يا سيدي تخشي دائما أن يكون الأمر أمر جسد يشتهي جسدا، أنت هكذا تواصل الدفاع عن أسطورتك التي سقطت يوم تركت النهدين السخيين ، هل ستواصل الكلام أم أتركك؟

 

ج 34: لا أعرف ما الذي حدث بعد فرحي بها.

 

س 35: أنا أعرف ، بعد يومين علي تلقيك جوابها ، تشردتَ في الشوارع المهجورة ثم عندما تعبتَ لجأت إلي الحائط الشرقي لمسجدك ، جلستَ مكدودا لم تغمض عينيك ولم ترتل :" ولو أن أهل القري آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السماء والأرض ". سالت نفسك صادقا : ماذا تريد ؟ هل تعرف ماذا تريد ؟

 

ج 35 : أنشد السكينة .

 

س:36: هل تهمك سكينة الآخرين ؟

 

ج 36 نعم تهمني .

 

س37: هل فكرت في الانتحار ؟

 

ج37 : مرة واحدة .

 

س38: هل تعرف ما الذي يشقيك ؟

 

ج 38: لا أعرف.

 

س39: كذاب ، أنت ترغب في حب مجاني تخضوضر به صحراء قلبك ، ترغب في حب بلا ثمن ، هذا تجده عند أمك وحدها . هل ...

 

ج 39 : أرجوك توقف عن اتهامي بكل نقيصة ، مرة تتهمني بالجبن ومرة تتهمني بالوضاعة ....

 

س40 : صياحك لن ينفعك ، دعني أكمل سؤالي ، هل خفت من إكمال الشوط إلي نهايته ؟

 

ج 40 : خفت عليها ..

 

س41: رقيق القلب أنت ، من أي شيء خفت عليها ؟

 

ج 41: لدي أسرة وأبناء و....

 

س42: أسرة؟، نبتَت فجأة من باطن الأرض أم أمطرتها سحابة؟، سيدي كنت تعلم منذ زمن أن لديك أسرة فلماذا جعلت الخيوط تفلت من بين يديك ؟

 

ج 42: كنت ، كنت ، كنت ............

 

س43: لا تتعلثم ، كنت تشتهي العودة إلى طينتك الأولي وفطرتك التي فطرك الله عليها، هل تذكر أيام كنت تهتف :" وأحِبُّ الحُبّ إذ يبتعدُ الحُبُّ أحِبُّ المشنقة ؟". لكنك أجبن من ان تدفع الثمن ، الست جبانا ؟

 

ج43: والآن هل لديك دواء ؟

 

س44: هل تقوى علي دوائي ؟

 

ج 44 : أعرفه أولا ثم أقرر.

 

س45: هل تريد معرفة الجواد الرابح قبل المراهنة ؟

 

ج45: ليس الأمر كذلك .. فقط أريد معرفة نوع الدواء .

 

س46:أيهما تتبع ، قلبك أم عقلك ؟

 

ج46: لا أعرف تحديدا ، وإن كنت اتبع شيئا غامضا

 

س: 47: أرجوك كف عن جملك التي لا تعني شيئا ، هل تريد الهروب الآن؟

 

ج 47: لا .

 

س 48: هل تعدني بتعاطي الدواء أيا كان مذاقه ؟

 

ج 48: أعدك .

 

س49: هل تستطيع هدم حياتك القائمة ؟

 

ج 49: هذا ..

 

س50: لا هذا ولا هذه ، لقد خسرت الطريق الأول ، هل تستطيع دفع ثمن عودتك إلي فطرتك التي فطرك الله عليها ؟

 

وجهك أخبرني بإجابتك ، هل تستطيع الموت الآن؟.