البرغوثى.. وسعيد - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأربعاء 1 مايو 2024 2:04 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

البرغوثى.. وسعيد

نشر فى : الأربعاء 1 فبراير 2012 - 9:15 ص | آخر تحديث : الأربعاء 1 فبراير 2012 - 9:15 ص

تماما مثل الضياء حين يغمر المناطق المظلمة فيجعلها واضحة، تعلن عن نفسها صراحة، تأتى الكلمات الأولى لقصيدة «منصورة يا مصر» التى كتبها، بوعى سياسى، نضالى، الشاعر الموهوب، المتمكن، تميم البرغوثى، ويصرح بها، صوت مصرى أصيل، سيكون له الشأن الكبير، فى الأيام المقبلة، مصطفى سعيد.. تقول الكلمات، النابضة بالأمل والحسم: منصورة يا مصر/ مش بجميلة العسكر.. إحنا اللى روحنا بدرى، بس مش أكتر.. وربما ليس من باب المغالاة أن توصف القصيدة بأنها الامتداد الإبداعى، الأكثر حداثة، لميراث من شعر بيرم التونسى وفؤاد حداد وكمال عبدالحكيم وأحمد فؤاد نجم وآخرين، تجلت فى كتاباتهم روح الثورة والتحدى، والحض على المواجهة والنزال، والإيمان بقدرة الشعب على هزيمة الطغاة. وإذا كانت قصائد هؤلاء الكبار، فى بُعد من أبعادها، تدخل فى باب الهجاء، لنظام أو حكام أو مخالب سلطة، فإن التحليل السياسى، شعرا، هو ما يميز البرغوثى، الذى يختزل واقعا كاملا، فى صور متوالية، مكثفة، تحدد أطراف الصراع، وتشير إلى طريق النصر، وتؤدى دور «الغواية»، كى يستكمل المرء مشواره.. يرسم البرغوثى لوحة لقصر الرياسة مكونة من «سلك شائك وكيس رملة وكشك غفير»، وفى البيت الثانى يحذر الشاعر الشاب، الحكيم، من مغبة التصرف الفردى «لو جيت لوحدك هايضرب، والرقاب هاتطير ».. وفورا، فى البيت اللاحق، يقدم خط السير المأمول «وإن رحت مليون، هايهرب، وانت تبقى أمير» وعلى هذا النحو من التفهم العميق للثورة وشروط نجاحها، وجدواها، تتواصل القصيدة التى غناها مصطفى سعيد فمنحها المزيد من الحيوية والقوة، جعلت مذيعنا، المحترم، المرموق، الموثوق فى اختياراته، يقدمه عدة مرات، فى برنامجه التنويرى «آخر كلام».

 

مصطفى سعيد، صاحب صوت ضخم، جزل، يجمع بين العنفوان والرشاقة، رجولى الطابع، ينبع من أغوار بعيدة، شخصية وتاريخية، فالواضح أنه تفهم تماما ما وراء الكلمات التى مست شغاف قلبه فانطلقت من حنجرته الفضية لينفذ إلى وجدان وعقل المتلقى.

 

ثم، لا يمكن إغفال تلك المدات الطويلة الموروثة من الجدود والآباء: سيد درويش، زكريا أحمد، سيد مكاوى، الشيخ إمام، وهذا على سبيل المثال لا الحصر، فضلا عن استيعابه لفن الإنشاد الدينى، بما يحمله من شحنات الوجد.. يغنى مصطفى، بمصاحبه العود «ملك الآلات» الشرقية، المتوائم بدقة مع صوته، يبرز رونقه ولا يطغى عليه، ويستخدم المغنى نزعته التطريبية استخداما موفقا، حين يُحمل المدات بمعنى الكلمات ويجسدها فى آن، فعندما ينشد «وإن رحت مليون، هايهرب، وتبقى أمير»، يتعمد أن تمتد كلمة «مليون» بما يوحى بقوة وقدرة جماهير الثوار، ثم تأتى كلمة «هايهرب»، بأداء حاد، باتر، يدعم الإحساس بانتصار الحشود، وهلع ساكن القصر الرعديد.

 

وبينما يعتمد تميم البرغوثى على إشارات يعرفها القارئ، يجسد مصطفى سعيد الإشارة، ويجعلها، بفضل اللحن والأداء مفعمة بالعواطف، فبأربع كلمات يستحضر البرغوثى صورة «بنت عرّوها فى الشارع»، من دون تفاصيل، وتغدو ــ الكلمات ــ فى الأغنية بالانفعالات، فالأسى، الممتزج بالاحتجاج يتبدى واضحا فى صوت المغنى مع كلمة «عرّوها».. «منصورة يا مصر»، هى إحدى تجليات الثورة.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات