شركة يجب أن نعرفها - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 4:15 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شركة يجب أن نعرفها

نشر فى : الجمعة 1 مارس 2024 - 9:15 م | آخر تحديث : الجمعة 1 مارس 2024 - 9:15 م
فى منتصف شهر فبراير من هذا العام تناقلت وكالات الأنباء أن شركة إنفيديا (NVIDIA) أصبحت ثالث أكبر شركة من حيث القيمة السوقية بعد أن تخطت شركة ألفابت (Alphabet) الشركة الأم لجوجل وشركة أمازون. إنفيديا تقترب قيمتها السوقية من اثنين تريليون من الدولارات وقد تضاعفت قيمة أسهمها ثلاث مرات عن العام الماضى. اسم شركة إنفيديا غير معروف عندنا مثل اسم شركات ديل واى بى ام ومايكروسوفت مع أنها أكبر منها جميعا كما أنها ستؤثر على حياتنا بشكل كبير فى المستقبل القريب وقد بدأت فى ذلك بالفعل وإن كان من وراء الستار، شركة كهذه يجب أن نتعرف عليها ونرى كيف ستؤثر على حياتنا. منتجات تلك الشركة تقع فى التخصص الدقيق لكاتب هذه السطور كما أن له العديد من الأصدقاء يعملون بها ونتقابل فى العديد من المؤتمرات العلمية كل عام، لذلك هناك دافع شخصى للتحدث عن تلك الشركة. فما هى؟ وماذا تفعل؟ وكيف ستؤثر على حياتنا؟
...
ما هى تلك الشركة التى لم يسمع عنها الكثيرون من قبل؟
شركة إنفيديا أُنشئت فى الخامس من أبريل سنة 1993 على يد ثلاثة: جنسن هوانج (المدير التنفيذى الحالى والمولود فى تايوان سنة 1963 والذى هاجر إلى أمريكا مع أبواه فى سن التاسعة) وكريس مالاكويسكى وكيرتيس بريام. كان هدف الشركة آنذاك هو جلب الرسوم ثلاثية الأبعاد إلى ألعاب الكمبيوتر وأسواق الوسائط المتعددة، أى أنها تصنع ما كنا نسميه بالعامية «كارت الشاشة». يجب أن نعلم أن الثلاثين عاما وهى عمر الشركة تقريبا لم تكن ممهدة بالورود كما قد يتبادر إلى الذهن، الشركة واجهت خطر الإفلاس ثلاث مرات فى تاريخها:
• المرة الأولى حين تعاقدت إنفيديا مع شركة الألعاب الإلكترونية اليابانية الأصل سيجا (Sega) على تصنيع رقائق كمبيوتر (computer chips) للألعاب ثلاثة الأبعاد، ولم تستطع إنفيدا الوفاء بتعهدها وشارفت على الإفلاس لولا تفهم سيجا للموقف.
• المرة الثانية كانت سنة 2010 حين اخترعت الشركة لغة برمجة جديدة (ما زالت تستخدم حتى الآن ويستخدمها كاتب هذه السطور فى إحدى المواد التى يدرسها للطلاب) وأصرت على إدخال تعديلات على كل الرقائق التى تصنعها حتى تستطيع العمل بتلك اللغة، كان هذا استثمارا كبيرا على شركة إنفيديا ولم يأت بأُكُله سريعا مما جعل الشركة على شفا الإفلاس مرة أخرى.
• المرة الثالثة عندما حاولت شركة إنفيديا تصميم رقائق من أجل الهواتف الذكية لكن لم تستطع اختراق هذا السوق واضطرت للانسحاب.
كيف أصبحت شركة تصنع «كارت الشاشة» من أكبر المتحكمين فى سوق الذكاء الاصطناعى ومن كبار المساهمين فى وصول ما نسميه الميتافرس إلى النور وأيضا من اللاعبين الكبار فى عالم السيارات ذاتية القيادة؟
...
النقلة السحرية فى حياة الشركة

النقلة السحرية فى حياة تلك الشركة جاءت من المرة الثانية التى جعلتها على شفا الإفلاس كما ذكرنا أعلاه. ما الذى أنقذ الشركة فى تلك المرة؟ قلنا إن الشركة تصنع رقائق كمبيوتر للرسوم، لاحظ خبراء علوم وهندسة الحاسبات أن الحسابات الرياضية التى تقوم بها تلك الرقائق تشبه كثرا الحسابات الرياضية التى نحتاجها لبرمجيات الذكاء الاصطناعى خاصة تلك المختصة «بتعليم» الآلة (machine learning)، ومن هنا جاءت النقلة السحرية. قامت الشركة بإبرام عقد تعاون مع شركة أى بى إم من أجل تطوير الرقائق التى تصممها انفيديا من أجل برمجيات الذكاء الاصطناعى. إذا نظرت إلى تاريخ المرة الثانية التى كانت الشركة على شفا الإفلاس (2010) ستستنتج الآن لماذا أصبح العالم يتكلم عن الذكاء الاصطناعى بداية من 2012. اتخذت الشركة مسارين: الأول هو المسار الأصلى والمسئول عن رقائق الرسوم، والثانى هو الرقائق المستخدمة فى الذكاء الاصطناعى. ومما ساعد أيضا الشركة أن علماء الحاسب أصبحوا يستخدمون تلك الرقائق فى برمجيات أخرى خارج هذين المسارين مثل نظم المحاكاة فى العلوم الأساسية مثل الكيمياء والفيزياء والأحياء.
برمجيات الذكاء الاصطناعى حاليا تعتمد على ما نسميه تعليم الآلة، وهذا يستلزم خطوتين: تعليم البرمجيات ثم استخدام تلك البرمجيات لحل المشكلات أو المحادثة إلخ. خطوة التعليم هذه تحتاج كم كبير من المعلومات ولهذا أصبحت الجامعات تنشئ أقساما لعلوم المعلومات (data science) وتحتاج رقائق كمبيوتر فائقة السرعة للقيام بعملية التعليم للبرمجيات. الرقائق المستخدمة فى عملية التعليم تأتى من شركتين فقط: إنفيديا وجوجل، ومن هنا تضخم حجم وتأثير شركة إنفيديا لأن حجمها فى سوق تلك الرقائق أكبر من جوجل حيث إن جوجل تستخدم رقائقها داخليا فقط ولا تبيعها للآخرين. أما خطوة استخدام البرمجيات بعد التعليم فلا تحتاج رقائق قوية وبالتالى تصممها وتصنعها شركات كثيرة.
لكن ما علاقة كل ذلك بالسيارات ذاتية القيادة وبالميتافيرس؟
...
توسع نطاق عمل الشركة
السيارات ذاتية القيادة تعتمد فى عملها على الذكاء الاصطناعى وبالتالى تقع فى نطاق عمل إنفيديا، لذلك تعتبر الآن من أكبر الشركات التى تقوم بأبحاث فى هذا المضمار.
أما الميتافيرس فهى ببساطة العيش فى عالم ثلاثى الأبعاد حيث تقوم بمقابلة الأصدقاء، بل والعمل هناك، هذا طبعا يحتاج رسوم ثلاثية الأبعاد ويحتاج استخدام كثيف لبرمجيات الذكاء الاصطناعى وهذه مضمار انفيديا وقد أطلقت ما تسميه (omniverse) وهو نسختها من الميتافرس التى أطلقته من قبل شركة ميتا (الشركة الأم لفيسبوك وإنستجرام). موضوع العيش فى هذا العالم الرقمى ثلاثى الأبعاد يثير الكثير من الجدل الآن لأن له آثارا نفسية وصحية سلبية، وبالتالى فلا يمكن أن نعتبره مصدرا كبيرا للأرباح للشركة حتى الآن على الأقل.
جدير بالذكر أن البعض استخدم الرقائق التى تصممها وتصنعها الشركة فى البحث عن العملات الرقمية (cryptocurrency) لأن العمليات الحسابية التى تحتاجها عملية «التعدين» هذه تشبه إلى حد كبير تلك المستخدمة فى الرسوم وفى تعليم الآلة والتى تبرع فيهما منتجات إنفيديا، وهذا ساهم فى زيادة الطلب على رقائق الشركة لكن هذا الطلب بدأ يقل فى الأعوام الأخيرة.
...
شركة تعتبر من كبار اللاعبين فى العالم فى مجال الرسوم ثلاثية الأبعاد والمتحركة ومجال الذكاء الاصطناعى والسيارات ذاتية القيادة وبرمجيات المحاكاة يجعلنا لا نشعر بمفاجأة كبيرة من قيمتها السوقية التى تتجاوز ميزانيات دول، وأيضا لا نتفاجأ من أنها عن قريب ستمس كل جوانب حياتنا لأن الذكاء الاصطناعى يتغلغل فى كل مناحى حياتنا وتلك الشركة هى العامل الأساسى لبقاء وتطور الذكاء الاصطناعى.
من المهم أن نعرف أن تلك الشركة التى تكلمنا عنها لا تمتلك مصانع لتصنيع رقائق الكمبيوتر، بل تصنعها عند شركة أخرى هى (TSMC). هى تصمم والشركة الأخرى تُصَّنع. هذا يرد على من يقولون فى مصر ما لنا ورقائق الكمبيوتر لنركز فقط على البرمجيات لأنها أسرع فى جلب المال. يجب أن نضع فى الاعتبار أن بعد حين لن يحتاج العالم كل هذا الكم من المبرمجين لأن برمجيات الذكاء الاصطناعى سيكون بإمكانها تصميم البرمجيات بفاعلية أكبر. المستقبل هو مستقبل رقائق الكمبيوتر والحاسبات فائقة السرعة وعالم البيانات الضخمة، فهل نحن مستعدون؟
محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات