نوارة - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 11:19 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نوارة

نشر فى : الجمعة 1 أبريل 2016 - 9:45 م | آخر تحديث : الجمعة 1 أبريل 2016 - 9:45 م
تلعب هالة خليل، مع جمهورها، لعبة الإخفاء.. تتعمد عدم الإفصاح عن أمور تترك للمتلقى مساحة فراغ، عليه إدراكها.. والدة البطلة، يأتى ذكرها، فى كلام عابر، سريع، دون أن نراها، لا نعرف كيف ماتت وتركت ابنتها مع جدتها المريضة، وأورثتها العمل خادمة فى فيللا الوجيه الأمثل، أسامة «محمود حميدة».. لكن، فى سياق الفيلم، نشهد كيف يلقى أمثال تلك الأم، حتفهم، فى مستشفيات غير آدمية، يتوفر فيها أسباب الموت، أكثر مما تقدم عوامل الشفاء والحياة.

الجناينى العجوز، عم عبدالله«أحمد راتب» يكاد يحكى كيفية صعود، أسامة، رجل الأعمال، إلى عالم الجاه والثراء، لكن لا يستكمل قصته، وإن بدت لهجته هجائية، توحى بأنه يعرف الكثير عن مخازى الوجيه الأمثل، الذى انتقل من حال لحال.. نحن، ندركها أيضا. أما بطلة الفيلم، فإنها لا تكترث بها، ولا ترغب فى معرفة تفاصيلها.

فى «نوارة» يتبلور أسلوب هالة خليل، بنزعتها الواقعية، بمذاق تسجيلى واضح، فضلا عن اهتمام جاد بالمنسيين فى مجتمعنا، وهى فى هذا تأتى كامتداد إبداعى لسينما محمد خان، حيث تصبح الشوارع والبيوت والدكاكين الصغيرة والوجوه العابرة، مفردات اللغة التى تتحدث بها.. هنا لا مجال للنجومية، أو الجمال الشكلى.. تتعمد إخفاء معالم جسم بطلتها، منة شلبى، داخل جلباب واسع، أو بلوزة متواضعة وجونلة شعبية، وبلا ماكياج.. مظهر يتواءم مع فتاة عليها جلب الماء، كل صباح، من الحنفية العامة.. فى المقابل، تختار لها، خطيبا، يناسبها تماما: ممثل جديد، موهوب، لا علاقة له بالنجومية. إنه قادم من أحراش الحياة، ضخم الجثة، داكن اللون، أصلع الرأس، خشن الطباع، طيب القلب.. يبدو ــ أمير صلاح الدين ــ متوافقا تماما مع دور، على، الذى أصبح زوجا لنوارة، على الورق فقط، لأن لا سكن عندهما.

قصة الفيلم بسيطة، تروى فى سطرين: شابة صغيرة تعمل فى فيللا بأحد «الكومباوندات» الفاخرة. أصحابها يغادرون البلاد عقب اندلاع الثورة، تغدو الشابة أمينة على المكان، تحتاج إلى مبلغ مالى، تطلبه من سيدة الفيللا التى توافق، وترشدها، هاتفيا، على مكان النقود.. تضع الخادمة النقود فى حقيبته لجنة جرد الفيللا تضبط النقود، تزج بالشابة فى عربة الشرطة لتواجه مصيرا رماديا.

الفيلم ليس القصة، لكن كيف تحكيها.. هالة خليل، مع مصورها، زكى عارف، المتحرر معها من أسوار الاستديو، مونتيرتها، منى ربيع، التى تعرف تماما متى وكيف تنتقل من لقطة إلى أخرى، مع مصممة الديكور، هند حيدر، التى جعلت الجدران والأبواب ونوعيات الأثاث، تنطق بالواقع الاجتماعى والنفسانى للشخصيات.. وغيرهم، من صناع الفيلم، يقدمون عملا متناغما، فيه الهمس أكثر مما به من ضجيج، برغم عنف الفترة التى يتحدث عنها «نوارة». هذا يرجع لأسلوب هالة خليل، الذى يعبر عن المآسى بلا دموع، وعن الصراعات من دون دم.. فمثلا، فى مشهد غير مسبوق، عقب سحب العجوز المريض، والد «على» من عنبر مستشفى مكتظ بمشاريع موتى، تطالعنا نوارة، محتضنة الأب، جالسة على المقعد، خلف «موتوسيكل» على، يمرق به، فوق الكبارى، باحثا عن مستشفى خاص.. إنه مشهد لا ينسى.

حين تندلع معركة، بين«على»، وبعض الشبيحة، تتعمد كاتبة السيناريو، المخرجة، ان تجعلنا، من وراء باب الدكان المغلق، ونسمع عبارات وحشية، من دون رؤية الحركة المادية.

يمتد هذا الذوق المرهف، ليشمل عناصرالفيلم جميعا، وفى مقدمته، الأداء التمثيلى، البعيد تماما عن المغالاة، والذى يوحى أكثر مما يصرح: صاحب الفيللا الثرى، محمود حميدة، بإعلانه المتكرر بأنه لن يغادر البلد، لأنه لم يرتكب جرما، يبدو كما لو انه يريد ان يطمئن نفسه، ولعل مظهره التسامح، حين يرحل، مجرد قشرة تخفى تحتها شعورا بالخنق على كل ما يجرى.. فى نظرة الذعر بعيون منة شلبى، عندما يزج بها فى عربة الشرطة، تبدو فى لحظة، كما لو انها أدركت وهن قواها، وتعاسة موقفها، سواء فيما قبل، أو فيما بعد.. «نوارة»، فيلم صادق، صارم. ينظر بجرأة، فى ثنايا مصر، الآن، وليس الأمس.
كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات