كاحل مكسور - رندا شعث - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 11:13 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كاحل مكسور

نشر فى : الخميس 1 مايو 2014 - 6:50 ص | آخر تحديث : الخميس 1 مايو 2014 - 6:50 ص

تأتى سيارة الإسعاف ليلا فى موعدها. التاسعة تماما. يدخل المسعفان الشابان بكرسى بحزام أمان أمامى وبعجلتين صغيرتين فى الخلف. يقربانه من الكنبة حيث تجلس دينا برجلها المكسورة بعد عملية جراحية لتركيب شرائح ومسامير لكاحلها المكسور. يساعدانها لتنتقل إليه بخفة. يحملانها طابقين. المسيرة ضد قانون التظاهر انتهت والشوارع خف ازدحامها. سنصل بالقطع لعيادة الطبيب فى الوقت المناسب.

•••

المصعد فى برج الأطباء ضيق. لن يدخل الكرسى المتحرك إلا بحشره وحشر مسعف واحد. نصعد أنا والمسعف الآخر السلالم سريعا لنفتح لهم الباب فى الدور الثانى. ينتظر المسعفان دينا بالخارج ليعيداها للمنزل بعد التغيير على الجرح.

غرفة الانتظار ممتلئة بالمرضى. متوسطة الحجم فخمة يتدلى من سقفها نجف كريستال. شاشة تليفزيون كبيرة مسطحة تعرض مباراة لكرة قدم بصوت عال للتحفيز ربما وللأمل فى الشفاء، فمعظم المنتظرين مكسورون الأذرع أو السيقان. لم يأت الطبيب بعد.

انتظرنا ما يقرب من نصف الساعة. المرضى متجهمون وصامتون. شاب وحيد تابع المباراة بشغف. حاول شد انتباه الآخرين حين أحرز فريقا منهم هدفا. لم يعره أحد حتى التفاتة اهتمام إلا التمرجى الذى يكتب أسماء المرضى بأولوية الحضور. الباقون تابعوا النظر إلى السقف والحوائط.

دخل رجل «عريض المنكبين شلولخ» يرتدى قميصا أصفر وجاكت بذلة لا يتسع لكرشه المكور. بوجه مكفهر أسرع نحو العيادة دون سلام ولا كلام، هذا هو الطبيب اذن.

ننتظر نصف ساعة أخرى. عندما أتى دورنا أخيرا عجبت لضيق باب العيادة. الرجل جراح عظام، معظم مرضاه يعودونه بكراسى أو عكاكيز لن تستطيع أن تدخل الباب. حملت دينا حملا إلى السرير.

•••

الطبيب يتحدث بحدة عبر تليفونه المحمول: «عايزها نضيفة، حاجة ما بين خمسة وسبعة. لأ قول لى التفاصيل. بأقولك حتة بخمسة». فى نهاية الحديث فهمنا أنه يطلب ممرضة لعجوز. أجلس بجانب مكتبه. تواجهنى شاشة تظهر المرضى فى غرفة الانتظار. كاميرا خفية كانت تراقبنا. حمدت الله أنه قد أغلق مفتاح الصوت وإلا كان قد سمعنى أعلق على ضيق سترته.

•••

يدخل رجل آخر بقميص وبنطلون. ارتدى قفازين بلاستيك وأخرج مقصا متسخا من درج مكتبه بها بعض الكتب المجلدة. أمره الطبيب وهو يطلب رقما آخر بأن يزيل الجبيرة والشاش من قدم دينا. بين مكالمة وأخرى يسأل الطبيب دينا «هو انت عملت العملية امتى؟» وأجابته بدورها أربع مرات «من أسبوع».

حين انتهى من تليفوناته أخيرا. طلب منى أن أذهب للصيدلية وأن أشترى رباط ضاغط. «الصيدلية تحت العمارة هاتى 15 سم». نزلت أضرب كفا بكف. هذا الطبيب أخذ بعد الفصال فى عمليته الجراحية سبعة عشر ألف جنيه ويستخسر رباط بخمسة عشر جنيها فى مرضاه.

دينا أشارت لى بأن أعطى «الممرض» ذى البنطلون والقميص إكرامية. كانت معها قائمة بأسئلة لم يجب عنها الطبيب لأنه كان متعجلا.

أنادى المسعفين ليحملا دينا إلى الكرسى. يمشى خلفنا الممرض. ينزل معى على السلالم. يفتح شباك المنور ويرمى فيه الجبيرة والشاش الملوثين بالدماء.

التعليقات