خطابنا الدعوى إلى أين؟.. 2: المرسل - ط: الصدق - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:21 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خطابنا الدعوى إلى أين؟.. 2: المرسل - ط: الصدق

نشر فى : الجمعة 1 مايو 2015 - 9:25 ص | آخر تحديث : الجمعة 1 مايو 2015 - 9:25 ص
أرسل الله محمدا (ص) للناس بعد ميلاده وتعامله مع الناس بأربعين سنة شهد الجميع له خلالها بأنه الصادق الأمين وبعد ذلك أرسله الله رسولا للناس ليعلمنا ضرورة صدق المتكلم والداعى إلى الله.«مرسل الخطاب الدينى»، والصدق ليس مجرد نقل الخبر كما جاء، بل الصدق ذو مقومات هامة نحاول الإشارة إليها:

فأول مقومات الصدق هى صلاحية المرسل لحمل الرسالة بالضوابط الآتية:

1 ــ كاملة بلا نقصان (وَمَا هُوَ عَلَى الغَيبِ بِضَنِين) وقد بلغ (ص) الوحى كاملا بما فيه الآيات التى عاتبته مرات.

2 ــ محددة دون زيادة (وَلَو تَقَوَّلَ عَلَينَا بَعضَ ٱلأَقَاوِيلِ) أى لو زاد فى الوحى شيئا من عنده لنصرناكم عليه ولم نحجزكم عنه، كذلك لم يضع لنفسه سلطة ولا منفعة.

3 ــ واضحة بلا غموض: (وَأَنَّ هَٰذَا صِِرَاطِى مُستَقِيما).

4ــ موقوته بلا تأخير: (قُم فَأَنذر)

5ــ مفعلة مطبقة بلا جهالة: (بَلِّغ مَآ أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّم تَفعَل فَمَا بَلَّغتَ رِسَالَتَهُ)، فإن لم تطبق النموذج الصحيح فإن بلاغك يكون قاصرا ومعيبا.

ولذلك يقول (ص): «صلوا كما رأيتمونى أصلى»، «ألا فليبلغ الشاهد الغائب».

ومن ضوابط المرسل أيضا:

1 ــ فصاحته فى إبلاغ جميع العقول دون ارهاق لأى مستوى عقلى

2 ــ عدم مخالفتة لما يأمر به: يقول تعالى: (وَمَآ أُرِيدُ أَن أُخَالِفَكُم إِلَىٰ مَآ أَنهَىٰكُم عَنهُ).

3 ــ انضباط جميع سلوكياته المالية فى الرخاء والشدة، وفى السلام والحرب، مع الأقارب وغيرهم.

4 ــ قدراته الفائقة على استشعار المستقبل وسرعة إعداد الحاضر وتجهيزه لما يتوقع.

5 ــ عدله الدائم مع الجميع فى الرضا والغضب.

6 ــ سماحة دائمة تغلف جميع ردود أفعاله مع جميع الناس.

ــ 2 ــ

هذه بعض المقومات الدالة على صدق البلاغ والتى تمهد صدور الناس وعقولهم لتلقى ما يقول المبلغ فلابد من اتصاف المبلغ بصدق القول وصدق قائله حتى يقتنع الناس، وكذلك حياد المرسل بين جميع الآراء المقبولة، وعدم انتمائه لرأى أو لتيار خاص، حتى لا يزكى فريقا على غيره، بل يبقى «مرسل الخطاب» متوازنا بين جميع المتلقين، وهذا الحياد مطلوب فى الآراء الفقهية، وفى التوجهات السياسية، والسلوك السائد فى المجتمع بصفة عامة. فإذا مال حامل الخطاب ناحية السلطة الحاكمة، أيا كانت هذه السلطة – أو مال ناحية المعارضة غير المستندة إلى منطق شرعى.. يفقد المرسل مصداقيته وينصرف الناس عنه.

ــ 3 ــ

ومرسل الخطاب هو مؤسسة الدعوة بجميع مستوياتها (الشيخ الأكبر / كبار العلماء / الأكاديميون / المدرسون / الخطباء / العاملون بالمعاهد والمساجد.. إلخ) فكل هؤلاء مطالبون بالحياد الفقهى والحياد السياسى، وعدم الارتباط بالسياسات المتغيرة بتغير الحكومات. فالخطاب الدعوى حكم فقهى واحد (للمراكز القانونية المتساوية)، ومنهج واحد يستند إلى كتاب واحد، ودين واحد وكتاب واحد ورب واحد ورسول واحد. فالمشتغلون بالدعوة لا يؤخذ عنهم حينما يعيشون فى حضن مذهب معين أو يبررون سياسة حكومة معينة، أو يسكتون عن خطيئة. كما يشترط فى المرسل أن يبتكر ويبدع أرقى أساليب الاحترام والتوقير فى الإبلاغ والتصحيح

ــ 4 ــ

فمصداقية الخطاب الدعوى مطلوبة بإلحاح باعتباره «خطاب وقاية» يسبق الأحداث ويستعد لها من قبل أن تداهم الناس فيطلبون منه الفتوى فيعجز عن الجواب الشافى أو يفتى بالصبر غير الحميد.

فلو كان الخطاب الدعوى محايدا وسباقا ما تورط السلاطين فى الخطايا، وما عانت الشعوب من الاخطاء، وما وقعت الكوارث التى تعانى منها أمة المسلمين .

أن أجلى ضوابط الصدق أن يواجه «مرسل الخطاب» نفسه فيسألها:

هل تعرفين ما يرضى الله وينفع الناس؟ هل تستطيعين أيتها النفس شرح ذلك وبيانه فى الوقت المناسب؟

فإذا كانت الإجابة أن المعرفة والدراية قليلة فليترك المسؤلية لغيره، وإذا كان العجز عن البيان واضحا فإما أن يستشير ويستعين وإما فبطن الأرض خير له من ظهرها.

يتبع،،،
جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات