مر بالأمس عيد العمال، ولم يتجاوز الاهتمام العام به حدود التهنئة الرسمية المعتادة والإشادة الإعلامية النمطية. وبدت مصر بالأمس وكأنها غير مكترثة بعيد أغلبية مواطنيها، وغير معنية بقوة الدفع الأساسية لاقتصادها.
فى المقابل، كان باستطاعة الحكومة أن توظف حلول عيد العمال لكى تنشر شيئا من الوعى بين الناس بشأن أعداد العاملين فى القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية ومعدلات إسهام كل قطاع فى الناتج القومى الإجمالى.
كان باستطاعة الحكومة استخدام لغة الأرقام لإخبار الرأى العام بنسب الإناث إلى الذكور فى قوة العمل، ونسب العاملين إلى العاطلين بين البالغين، ونسب العاملين فى المؤسسات والمصالح العامة إلى نظرائهم فى الشركات والاستثمارات الخاصة.
كان باستطاعة الحكومة تداول بعض المعلومات والحقائق المتعلقة بمستويات الدخل والرعاية الصحية والاجتماعية والخدمات التأمينية التى يحصل عليها العمال، وأن توضح أحوال الشرائح الأضعف اقتصاديا واجتماعيا بين العمال كالعاملات المعيلات وذوى الاحتياجات الخاصة، وأن تطرح رؤية للارتقاء بأوضاع العمال ومواجهة التداعيات السلبية لتراجع أداء الاقتصاد المصرى وأزمته المالية الطاحنة.
فى المقابل أيضا، كان بإمكان الحركات الاجتماعية والسياسية ومنظمات المجتمع المدنى التى تدعى القرب من العمال وتزعم تمثيل مصالحهم والدفاع عنهم أن تتوجه للرأى العام بدراسات وتقارير وبيانات تتناول حقوق العمال وعلاقات العمل والحريات النقابية.
كان بإمكانهم توثيق الاحتجاجات المتصاعدة للعمال فى القطاع الصناعى والقطاعات الخدمية وشرح أسبابها الاقتصادية والاجتماعية، وتبيان ارتباطها بالإهدار الممنهج لبعض الحقوق العمالية والحريات النقابية.
كان بإمكان الحركات الاجتماعية والسياسية ومنظمات المجتمع المدنى توعية الرأى العام بالظروف المعيشية المتردية للعمال من جراء الارتفاعات المتتالية للأسعار ومحدودية جودة خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية والتأمينية المقدمة لهم، وتوعيته كذلك بالارتفاع المطرد فى عدد المصانع الحكومية والخاصة المغلقة بفعل الأزمة الاقتصادية والمالية الراهنة وانعكاسات ذلك على نسب البطالة ومعدلات الفقر.
كان بإمكانهم تقديم«كشاف تشريعى» بالقوانين واجبة التعديل لصون حقوق العمل فى المؤسسات والمصالح العامة (قانون الخدمة المدنية مثالا) والخاصة (تجريم الفصل التعسفى وتجريم امتناع أصحاب العمل عن دفع التأمينات الاجتماعية العمال على سبيل المثال لا الحصر)، وفرض علاقات عمل عادلة، وتمكين النقابات المستقلة من تمثيل العمال والدفاع عنهم.
وتقديم«كشاف تنفيذى» بالسياسات والقرارات الحكومية واجبة التغيير لحماية العمال والحيلولة دون تحولهم إلى الضحايا الدائمين للأزمة الراهنة، وبالممارسات الأمنية المرفوضة من سلب حرية بعض القيادات العمالية التى شاركت فى الاحتجاجات الاقتصادية والاجتماعية خلال الأشهر الماضية إلى تعقب المطالبين بالحريات النقابية.
كان بإمكانهم، والإخفاق هنا هو إخفاق حكومى كذلك، جعل الأول من شهر مايو تكريما حقيقيا وليس نمطيا للعمال فى مصر.