التنظيم هو الحل - إبراهيم الهضيبى - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 2:49 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التنظيم هو الحل

نشر فى : الجمعة 1 يونيو 2012 - 8:20 ص | آخر تحديث : الجمعة 1 يونيو 2012 - 8:20 ص

فى الانتخابات الرئاسية وصل لجولة الإعادة من كانوا الاختيار الأول لأنصارهم، والاختيار الأخير لجل غيرهم، وخرج من السباق من كانوا الاختيار الأول لأعداد أقل، وإن حظوا بقبول أوسع خارج دوائر أنصارهم، فصار المشهد فى جولة الإعادة محبطا لقطاع واسع ممن شاركوا فى الثورة وأيدوها.

 

الأخطاء التى أوصلتنا لهذا المشهد تستحق الرصد، وأولها مناخ الاستقطاب على أساس الهوية، والذى أضعف مرشحى منطقة الوسط، غير المتحدية للانتماء الإسلامى وغير المهووسة به على حساب المشروع السياسى، ودفع بكثير من الأصوات إلى الأطراف، وهذه المشكلة تحديدا هى أخطر ما يواجه الثورة المصرية منذ مارس 2011، وقد أدت طوال العام الماضى ــ ولاتزال ــ لتمركز الجدل حول قضايا رمزية شعارية بعيدة عن قلب التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التى يواجهها المواطن، وعن حقيقة معركة الاستقلال التى يحتاجها الوطن.

 

الخطأ الثانى الذى أوصلنا لهذه النتيجة هو تطبيع العلاقات مع الفلول، وهو ما حدث على الصعيد السياسى عندما بدأت (قوى الثورة) تقبل بوجود أحزاب الفلول فى اجتماعاتها مع المجلس العسكرى وتأخرت فى استصدار قانون العزل السياسى، وعلى الصعيد الإعلامى بقبول العديد من الرموز المحسوبة على الثورة العمل فى القنوات التلفزيونية التى أطلقها الفلول بعد الثورة وفى صحفهم، وإتاحة هذه المنابر المساحة لبعض رموز نظام مبارك للتعبير عن آرائهم ومواقفهم، وبث سمومهم المساهمة فى تعميق حدة الاستقطاب على أساس الهوية ليتحول للمعركة الرئيسة فيكون الاصطفاف على أساس الموقف من الثورة هامشيا، وظهر ذلك بوضوح فى جولات الإعادة فى الانتخابات البرلمانية التى ظهرت فيها خطابات داعمة لمرشحى الفلول فى مقابل مرشحى الجهة المقابلة فى استقطاب الهوية، ثم ظهر بصورة أكثر جلاء بوصول رئيس وزراء مبارك لجولة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية.

 

ومن هذين الخطأين تفرعت أخطاء أخرى، وقع فيها بعض المحسوبين على الثورة، حين انشغلوا بتوجيه سهامهم لغيرهم من مرشحى القوى الثورية على أساس الموقف من الهوية بدلا من توجيهها لمرشحى الفلول، وحين أساؤوا تقدير قوة أجهزة دولة مبارك ورغبتها فى استعادة الحكم، وغضوا الطرف عن الدور الذى تلعبه هذه الدولة (بأجنحتها المختلفة الحزبية والمخابراتية والعسكرية، وأدواتها الإعلامية المتنوعة والمالية) فى توجيه الناخبين تجاه مرشحيها، فيما يمكن أن يسمى تزويرا ناعما.

 

وتدقيق النظر يشير إلى أن الأثر المترتب على هذه الأخطاء إنما تضاعف بسبب غياب التنظيم، وهو الآفة الكبرى التى عانت منها القوى الثورية منذ اليوم الأول، فغيابه أعجزها عن الإمساك بالسلطة مع خلع مبارك، وألجأها اضطرارا لحاكم مؤقت لم يكن منحازا لها، وغيابه فى معارك ثورية كثيرة أدى لخسارتها، كالاعتصامات التى كانت تنتهى بفئة محدودة ينقض عليها الأمن فيفضها، والمليونيات التى كانت تقوم وتنفض بغير أهداف تتحقق.

 

وفى الانتخابات أدى غياب التنظيم لعدم وجود كتلة صلبة من الأصوات تدعم مرشحى الثورة، ولتحرك الأصوات بينهم (بل وانتقالها لمرشحين من خارجهم أحيانا، سواء مرشحى التنظيمات أو مرشحى الفلول)، عقابا على بعض التصريحات الهامشية، أو استجابة لحملات التشكيك المكثفة التى شاركت فيها كل التنظيمات ضد هؤلاء، ثم إن غياب التنظيم حرم هؤلاء المرشحين من آلية تحريك أصواتهم، وضمان إدلاء مؤيديهم بالأصوات بدلا من امتناع بعضهم عن التصويت تكاسلا.

 

ولإدراك أهمية التنظيم فى الحفاظ على كتلة الأصوات الصلبة يمكن النظر إلى حالة الإخوان المسلمين، فالجماعة تغير موقفها من عدم تقديم مرشح لترشيح أحد أعضائها، وتغير المرشح من المهندس خيرت الشاطر إلى الدكتور محمد مرسى، وتغير خطابها من السعى للتوافق (فى مقابل حزب النور الداخل فى صراع مع العلمانيين) فى الانتخابات البرلمانية لضده فى الانتخابات الرئاسية (مع الزعم بأن مرشحهم هو الإسلامى الوحيد، فى مسعى منهم لشل قدرة قيادات حزب النور على تحريك كوادرهم باتجاه دعم الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح)، وواجهت الجماعة منافسة قوية من مرشحين تتقاطع دوائر تأييدهم مع دوائر تأييد الجماعة، كما أنها تواجه انتقادات بسبب الأداء غير المرضى لنوابها فى البرلمان، وقد أدى ذلك كله لخسارة الإخوان ما يقرب من نصف عدد الأصوات التى حصدوها فى الانتخابات البرلمانية، وانخفاض نسبتهم من إجمالى الأصوات بنحو 11% فى خمسة أشهر، ومع ذلك فقد نجح التنظيم فى إرسال مرشحه للجولة الثانية فى الانتخابات.

 

والنجاح الذى حققه مرشحو الثورة فى غياب التنظيم يستحق الإشادة، فقد حصدوا مجتمعين ما يقرب من نصف أصوات الناخبين، دون الاستناد لأوعية تنظيمية رئيسة، وهو نجاح إنما يؤكد على نمو تيار رئيس متصالح مع هويته ومنها الانتماء العروبى والإسلامى لمصر، منحاز للفقراء والعدالة الاجتماعية، يسعى فى إطار ذلك لتعزيز الحريات المدنية، وتعميق التشاركية السياسية، والتأسيس لسياسة خارجية مستقلة تعبر عن مصالح وإرادة وهوية الجماعة الوطنية.

 

غير أن غياب التنظيم الآن يضعف من قدرة هذه الأصوات على التفاوض مع أصحاب التنظيمات ممن وصلوا للجولة الانتخابية الثانية على القضايا العالقة، والتى تشكل ــ فى تقديرى ــ حدا فاصلا عند قطاع كبير من الثوار، بين وقوفهم على الحياد ودعمهم لمرشح الإخوان، وهى قضايا الدستور وبرنامج الحكومة والمشاركة فى إدارة الدولة، إذ إدراك أصحاب التنظيمات عدم سيطرة المرشحين على كتل صلبة من مؤيديهم يعطيهم ميزة تفاوضية، تحتاج معالجتها على المدى القصير لتكتل خلف المرشحين فى مفاوضتهم، وعلى المدى البعيد للتظيم.

 

وإيجاد الأوعية التنظيمية صار واجبا، لاستغلال الزخم القائم حول مشروعات مرشحى الثورة، والتمكن من المنافسة الحقيقة فى انتخابات المحليات، ثم فى الجولات القادمة من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وهى ليست منا ببعيد، وليست الأوعية أحزابا سياسية فحسب، وإنما شبكات من المؤسسات الإعلامية والتوعوية والبحثية ومجموعات الضغط والمراكز التدريبية وغيرها، تساهم فى بناء المشروع الاجتماعى الذى يعتبر الحزب رأس حربته السياسية، وتعمق المشروع السياسى وتنقله من خانة الشعارات إلى خانة الفعل والتأثير عند المواطن، وكذا إيجاد كتلة صلبة من التأييد تتحرك خلف مؤيدى هذه التيارات فى الانتخابات، وتضمن لها مقدرة تفاوضية مع غيرها من الأطراف فى المشهد السياسى.

 

ليس ثمة شك فى أن نتائج الانتخابات جاءت محبطة لقطاع من المنتسبين للثورة، غير أن هؤلاء لا يمتلكون ترف الانكسار ولا اليأس، لأن ثمة أرواحا أزهقت من أجل مشروعهم، وواجبهم الاستمرار فى المعركة، وهو ما لا يكون بغير أوعية تنظيمية تحميه.

التعليقات