ضجيج البنادق! - خالد سيد أحمد - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 2:44 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ضجيج البنادق!

نشر فى : الجمعة 1 سبتمبر 2023 - 7:25 م | آخر تحديث : الجمعة 1 سبتمبر 2023 - 7:25 م

إذا شاهدت على شاشات التلفاز، أو طالعت فى صفحات الجرائد، صورا لجموع من المواطنين، يرفعون لافتات تأييد لقادة عسكريين، أو يحملون أحد الجنود على أكتافهم وهم يرقصون ويهتفون وسط ضجيج البنادق، فأعلم أنك أمام مشهد مكرر حرفيا لانقلاب عسكرى جديد فى القارة الأفريقية.
فقبل أيام قليلة، فوجئ مواطنو القارة بهذه الصور، عندما قامت مجموعة من كبار ضباط الجيش فى الجابون، بالاستيلاء على السلطة فى البلاد، ووضع الرئيس على بونغو وعائلته قيد الإقامة الجبرية، واعتقال عدد من أعضاء الحكومة السابقة بتهمة «الخيانة العظمى»، وذلك بعد وقت قصير من إعلان فوز بونغو بولاية ثالثة، فى انتخابات شهدت الكثير من المخالفات والتجاوزات وغياب النزاهة وفق التقارير الدولية.
الانقلاب العسكرى فى الجابون، جاء بعد أسابيع قليلة من انقلاب مماثل فى النيجر أطاح بالرئيس المنتخب محمد بازوم، كما أنه يعد الثامن فى غرب ووسط أفريقيا منذ 2020، حيث شهدت مالى وغينيا وبوركينا فاسو وتشاد، انقلابات مماثلة خلال السنوات الثلاث الماضية.
وتعد القارة السمراء من أكثر مناطق العالم نشاطا فى الانقلابات العسكرية، حيث وقع فيها منذ «سنوات ما بعد الاستقلال فى ستينيات القرن الماضى، أكثر من 200 انقلاب، كما شهدت نحو 90 فى المائة من الدول الأفريقية انقلابا واحدا على الأقل فى تاريخها، وشكلت الانقلابات فى أفريقيا ما يقرب من 36.5 فى المائة من جميع الانقلابات على مستوى العالم»، وفقا لتقرير نشرته صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية الأسبوع الماضى.
لم يعد السؤال الآن يتعلق بالأسباب التى تدفع الجيوش فى القارة الأفريقية للتدخل الخشن من أجل إزاحة وإقصاء نظم الحكم القائمة، والتى جاء بعضها عبر صناديق الاقتراع النزيهة؛ لأن الإجابة معروفة سلفا للجميع، وهى الجشع والطمع فى السلطة ومغانمها، لكن ينبغى أن تصوب الأسئلة على الأسباب التى تدفع بعض الشعوب إلى تأييد تغيير الأنظمة القائمة بالقوة العسكرية.
هناك بالتأكيد أسباب كثيرة وراء تفشى هذه الظاهرة فى القارة السمراء، منها بقاء هذه النظم على مقاعدها عقودا طويلة، ورفضها أى تداول سلمى للسلطة، والتلاعب بالدستور للبقاء على مقعد الحكم أطول مدة ممكنة، وتجميد الحياة السياسية، وتحويلها إلى مجرد ديكور لتزيين المشهد الاستبدادى والديكتاتورى الذى تتبعه فى إدارة بلادها.
فالرئيس الجابونى على بونغو الذى أطاح به أحدث انقلاب فى القارة الأفريقية، استمر على رأس السلطة منذ ١٤ عاما، بعدما تسلم مقاليد الحكم خلفا لوالده الذى جلس على مقعد الرئاسة منذ عام ١٩٦٧، أى أن عائلة بونغو ظلت تسيطر على الحكم فى البلاد طيلة ٥٦ عاما، من دون أن تحدث أثرا إيجابيا ملموسا على حياة ومعيشة مواطنيها، ورغم أنها دولة غنية بالنفط والغاز، إلا أن ثلث عدد سكانها الذين يبلغون ٢.٣ مليون نسمة يعيشون فى الفقر.
الوضع فى الجابون ليس حالة خاصة أو استثنائية، لكنه سمة لكثير من نظم الحكم فى القارة.. ففى الكاميرون المجاورة نجد أن الرئيس بول بيا يحكم البلاد منذ 1982، رغم أنه يبلغ من العمر 90 عاما، وفى غينيا الاستوائية يحكم الرئيس تيودور أوبيانغ نغويما منذ 1979، ويبلغ من العمر 81 عاما.
كذلك ما يجعل بعض الشعوب الأفريقية، تهلل لأى انقلاب عسكرى ضد السلطة القائمة، رغم قناعة الكثيرين منهم بأنهم كمن يستجير من الرمضاء بالنار، هو إقدام بعض الحكام على تحويل البلاد إلى ملكية خاصة، وإنفاق ثرواتها على محاولة شراء الشرعية والحماية من الغرب، عبر صفقات عسكرية واقتصادية تفوح منها رائحة الفساد.
أيضا انعدام الأمل فى التغيير والتداول السلمى للسلطة وغياب قيم العدل والمساواة والشفافية والديمقراطية، وعدم وجود قواعد واضحة للحكم الرشيد، والافتقاد للنزاهة وغياب القانون وزيادة الاحتقان الشعبى، يفسح الطريق بلا شك أمام الجيوش للتحرك والانقضاض على السلطة، وفرض التغيير بالقوة المسلحة، تحت شعارات وطنية براقة مثل التحرر من الهيمنة الاستعمارية الغربية، والحفاظ على ثروات ومقدرات الأوطان.
السؤال الأخير.. هل تحققت لبعض الشعوب التى فرحت وهللت للانقلابات العسكرية فى القارة السمراء رغبتها فى بدء مرحلة جديدة تكون مختلفة فى شخوصها وسياساتها وتوجهاتها؟. فى أغلب الأحيان لم يحدث أى تغيير يذكر من شأنه تحقيق تطلعات وآمال وأحلام الشعوب فى غد أفضل، بل إن الكثير من التجارب التى حدث فيها التدخل الخشن لإزاحة نظم الحكم القائمة، فشلت فى تقديم نموذج للحكم الرشيد، ولم تنجح فى شىء سوى إعادة إنتاج للنظم التى ارتفع منسوب كراهية المواطنين لها.

التعليقات