الإيقـــــــــاع - أحمد مجاهد - بوابة الشروق
الإثنين 20 مايو 2024 2:01 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإيقـــــــــاع

نشر فى : الإثنين 2 مارس 2009 - 1:57 م | آخر تحديث : الأربعاء 18 مارس 2009 - 4:23 م

 هو فى لسان العرب توقيع الألحان وتبيينها فى الغناء، ويرى ابن سينا فى كتابه الشفاء أن الإيقاع هو ما لزمان النقرات، فإن اتفق أن كانت النقرات منغمة كان الإيقاع لحنا، وإن اتفق أن كانت النقرات للحروف المنتظم منها كلام كان الإيقاع شعريا.

فقد لاحظ ابن سينا أن الميزان العروضى للشعر العربى يعتمد على تكرار وحدات ثابتة من الحركات والسواكن أشبه ما تكون بنقرات الدف المنتظمة، ولهذا رأى أن وزن الشعر وإيقاعه شىء واحد.
وقد سادت هذه النظرة الكلاسيكية بين البلاغيين العرب أنفسهم، كما فى قول ابن طباطبا العلوى «وللشعر الموزون إيقاع يطرب الفهم لصوابه»، واستمرت كذلك لدى بعض نقاد الشعر المعاصرين أيضاً. فهل وزن الشعر وإيقاعه شيء واحد حقاً ؟

إن نظرة متفحصة لبيتين من معلقة أمرئ القيس مثلا المنظومة كلها فى بحر واحد هو بحر الطويل، توضح لنا إلى أى مدى يمكن أن يختلف الإيقاع بين بيتين من أبياتها، يقول البيت الأول:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزلى بسقط اللوا بين الدخولى فحوملى
حيث يتحد فعل الأمر بالوقوف، مع العودة المتأملة لاسترجاع الذكرى

مع اختلاف الأماكن وتعددها (سقط اللوا ــ الدخولى حوملى)، مع كثرة حروف المد التى تطيل زمن نطق البيت، فى إبراز إيقاع بطيء يكاد يجذب قارئ البيت للخلف كلما تقدم لاستكماله.

أما البيت الآخر فيقول:
مكـرّ مفـرّ مقبل مدبر معــــــا كجلمود صخرٍ حطه السيل من عل، فالشاعر يصف فرسه بأنه يهاجم ويتراجع ويتقدم ويتأخر فى اللحظة نفسها، فلا تكاد تلمح إلى أى الاتجاهين يتجه من فرط سرعته، وكأنه صخرة ضخمة دفعها السيل من أعلى الجبل. حيث تتحد الصورة، مع تكرار حروف الراء واللام والنون.
فى التنوين وكلها من الأصوات السريعة السائلة Liquid، فى دفع القارئ دفعا أثناء القراءة حتى يتمكن من ملاحقة سرعة إيقاع البيت.

فوزن البيتين واحد لكن إيقاعهما مختلف بل متباين، وهذا ما دفع النقاد العرب المحدثين إلى أخذ مواقف أخرى من الإيقاع لا تطابق بينه وبين الوزن، حيث يقول محمد مندور مثلا «الوزن هو كم التفاعيل، أما الإيقاع فهو عبارة عن تردد ظاهرة صوتية ما على مسافات زمنية محددة النسب»، بينما يفتح الهادى الطرابلسى مجاله نسبيا حيث يقول «إن الإيقاع ظاهرة صوتية أعم من الوزن فى الكلام المنظوم، وهو وقف على المادة الصوتية لا يتعداها»، وهو يختلف فى هذا الرأى مع شكرى عياد الذى يرى أن «دراسة الإيقاع فى الشعر بمعزل عن المعنى محاولة مشكوك فى قيمتها، بما أن المعنى هو بلا شك العامل المهيمن فى اختيار الشاعر للمؤثرات الإيقاعية التى يحدثها»، أما محمد بنيس فيوسع دائرة الإيقاع حيث يرى أنه «خصيصة لغوية عامة، فهو ليس خاصاً بالشعر وحده، ولا بالكتابة اللغوية وحدها».
وعلى الصعيد العالمى فإن مصطلح الإيقاع RHYTYM مشتق أصلاً من اليونانية بمعنى الجريان والتدفق، والمقصود به عامة هو التواتر المتتابع بين حالتين متناقضتين كالصوت والصمت والنور والظلام، حيث يمثل العلاقة بين الجزء والجزء الآخر، وبين الجزء والكل، فهو بمثابة القاعدة التى يقوم عليها أى عمل من أعمال الأدب والفن.

والإيقاع على هذا الأساس ليس مادة، وإنما هو شعور أو إحساس تجسمه المادة التى يرد فيها أو تشتمل عليه. إنه ذلك التيار الغامض الذى يحتوى الأشياء فى بوتقته، فيمنحها كينونتها ويطبعها بطابعه دون أن نستطيع أن نسمك به، بل لا نملك إلا أن نستشفه من خلال تلك الأشياء.

التعليقات