الأيدولوجيا والتكنولوجيا - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الثلاثاء 24 يونيو 2025 1:07 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما توقعاتك لمعارك إسرائيل مع إيران؟

الأيدولوجيا والتكنولوجيا

نشر فى : السبت 2 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 2 مارس 2013 - 8:00 ص

رغم اشتداد الازمة المالية العالمية وتأثيراتها العنيفة على موازنات معظم دول العالم، إلا ان بلدا آسيويا صغيرا مثل سنغافورة، قرر زيادة مخصصات البحث العلمى للعام الثانى على التوالى، وقررت الحكومة، هناك طبعا، الاستمرار فى خطة جعل البلاد مركزا علميا وبحثيا هاما،  مع الاشارة بوضوح ان الدولة تمضى فى منافسة العالم المتقدم (اوروبا وأمريكا) بل وترغب فى التفوق عليهما فى بعض المجالات، ولمن لا يعرف، أسست سنغافورة مؤخرا أكبر كلية للكيمياء فى العالم، تعتقد انها ستمنحها ميزة نسبية فى قياسات تقدم البحث العلمى، والذى تلهث وراءه هذه الدولة الآسيوية الصغيرة (عدد السكان لا يتجاوز خمسة ملايين نسمة)، ومن المفيد ايضا ان نذكر ان جامعات سنغافورة متقدمة ايضا فى العلوم الاجتماعية، ولديها واحد من اهم معاهد الابحاث والدراسات السياسية على مستوى العالم.

 

وما أريد ان اقوله صراحة، من حكاية سنغافورة،  وخاصة تقدم علوم السياسة بها، ان فكرة الانشغال بالبحث العلمى، وتسخير طاقات الدولة له، لا يأتى فى الغالب من العلماء او من اساتذة الفيزياء والكمياء أو من كبار الاطباء والمهندسين، (هم فقط ابطال المعامل ورواد التجارب)، بل هى دائما وبالضرورة من ابداعات رجال السياسة وخبرائها وبدعم من رجال الاقتصاد وعلماؤه، أى ان الانحياز للعلم وتطبيقاته فى مجالات التكنولوجيا المختلفة،  تشكل فى حد ذاتها عقيدة سياسية لكثير من رجال الحكم، والذين يقودون، عادة نهضة اممهم فى لحظاتها التاريخية المختلفة، وهم الذين يفهمون جيدا ان صراع الايدولوجيا، يأتى فى مقدمة اسباب تراجع امبراطوريات كبرى، وهو انشغال غير حميد، وغالبا يطغى هذا الصراع على كل جهود التقدم ويؤيد كل افكار التطور فى اى بلد سلم نفسه لسطوة الايدولوجيا تحت اية دعاوى، بما فى ذلك دعاوى الحرية والاخاء والمساواة، بل وحتى تحت راية اكثر الدعوات بريقا وتوهجا فى التاريخ.. راية العدالة الاجتماعية.

 

واذا كان اساتذة علم السياسة يلقون على مسامعنا دائما، ان الديمقراطية نهضت بألمانيا الغربية من عثرتها، وان غيابها عطل المانيا الشرقية كثيرا، حتى انهارت وحطمت الجدار وعادت لحضن الديمقراطية والوحدة من جديد بحثا عن النهضة، فاننا من الممكن الان ان نتحدث وأن نشير بكل جرأة إلى الفارق بين تقدم ورفاهية كوريا الجنوبية التى اخلصت للتكنولوجيا ونفضت الايدولوجيا عن نفسها، وكوريا الشمالية، التى مازلت محاصرة بايدولوجيا بالية،  حتى عندما تستخدم العلم والتكنولوجيا فإن الايدولوجيا تنحرف بها عن تحقيق رغبات ورفاهة الشعب، إلى استخدام الانفاق على العلم من اجل التعبير عن نجاح الايدولوجيا التى فشلت فى كل شىء تقريبا.

 

واذا غادرنا آسيا، ووقفنا مجددا امام انفسنا فى القاهرة، فالامر لن يحتاج منا إلى أى جهد لنفهم ما نفعله بانفسنا فى صراع ايدولوجى،  لن نربح منه شيئا، خاصة وأن الطرف المهيمن على الامور، حتى الان على الاقل، يعلى من قيمة ايدولوجيا حرفها بالباطل عن عقيدة دينية سامية وعظيمة وتعلى من قيمة العلم وشأنه، أيدولوجيا تلعن التكنولوجيا، وترفضها باعتبارها من نتاج اعمال «الغرب الكافر»، دون ان يدرك ان هذه العقيدة المحرفة الجامدة،  ستسير به، فى احسن الاحوال ان تحققت له معجزات، على نهج المانيا الشرقية التى انهارت واعترفت بخطئها أو ستكون فى حالة كوريا الشمالية التى لا تعرف كيف تخرج من المأزق الذى تسببت فيه الايدولوجيا، وسيبقى هناك فارق واضح وفاضح بين دول تعمل مثل المانيا الغربية التى استعادت شطرها الشرقى، أو كوريا الجنوبية التى تذهل العالم يوما بعد آخر وتتحاشى الصدام مع جزئها الشمالى، وبين أمم مثلنا لا تعمل على استعادة أى شىء ضاع منها، ولا تتحاشى أى صراع أو صدام.. فقط تتمنى.  

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات